استعدّوا أيها الفلسطينيون لبناء بلادكم
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
قد يخدم العدوّ ضحايا عدوانه، خاصّة حين يتعدّى حدوداً بالغة العسف والاضطهاد، كما هو حال العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني منذ سبعين عاماً ويزيد. وعلى الرغم من عدالة قضية الشعب الفلسطيني، إلّا أنها عالقة منذ عقودٍ، ولا مجال الآن للدخول في أسباب نشوئها واستمرار تجاهلها، فهي معروفة للملأ. ولكن، يمكننا القول إنها بقايا ذيول الحقبة الاستعمارية، ومن الضعف الذي كانت تعانيه دولنا العربية، وعموم البلاد التي أطلق عليها العالم المُتحضِّر اسم الدول "المتخلّفة"، وعادَ وتكرَّم عليها بتسمية "النامية"... أقول ربّما يخدم العدوّ أكثر ممّا يجهد صاحبُ الحقّ نفسه في وضع إمكاناته كلّها لأجل قضيّته، وهكذا حدث مع الشعب الفلسطيني الذي راح منه منذ "7 أكتوبر" (2023) نحو 65 ألفَ شهيدٍ، وضعفَ العدد من الجرحى، وأضعافاً كثيرة أخرى من النازحين والمشرّدين! يقارن رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، ما تعرّض له الجزائريون في يوم 8 مايو/ أيار 1945، حين قتل الفرنسيون متظاهرين جزائريين وصل عددهم إلى 45 ألف شهيد، فيقول: "لا تشبه تلك المجزرة سوى المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر"، ويتابع: "خلّفت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزّة أكثر من 113 ألفاً بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالى عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنّين". بقيت قضية الشعب الفلسطيني حيّةً، انتقل الإحساس بها إلى الناس كافّة وعلى الرغم من شدّة القتل، يبدو أن الزمن قد تبدّل، ومعه تبدّلت موازين القوى، وأعتقد بأنّنا اليوم نعيش مرحلةً تفصل بين زمنَين، فأغلب البلاد العربية قد نالت استقلالها بُعيد نكبة فلسطين، ومضت ساعيةً نحو بناء دولها اقتصاداً ومجتمعات، ولتقيم علاقات مع دول لها وزنها وأهميتها، وتشير الأحداث إلى أنّ ميزان القوى العالمي ليس ثابتاً، بل هو متبدّل، وعلى الرغم من أنّ الدول في النهاية تخدم مصالحها، وربما من هنا بات ينظر إلى العرب الذين يشكّلون أغلبية عظمى في منطقة الشرق الأوسط. كذلك فعاليتهم اليوم غيرها في الأمس. وإذا كان الاقتصاد يلعب دوراً في حياة الشعوب، فإنّ اقتصاد البلاد العربية قد نما ثرواتٍ وأسواقاً وأيديَ عاملة خبيرة، وكذلك نما الوعي السياسي، ونمت الثقافة والوعي عموماً، وغدا حضور العرب في المجتمع الدولي أكثر فعالية ممّا كان عليه قبل عقد أو أكثر من الزمن. إنّ تفاقم الجرائم الإسرائيلية، وإصرار القادة الصهاينة على إذلال الشعب الفلسطيني وإهانته بتجويعه، وإجباره على الهجرة أو النزوح المتكرّر، وحرمانه أبسط ضرورات الحياة، يعدُّ أبشع ألوان القهر الإنساني. إن توحش الاحتلال وعمق تجذُّره في نفس كل فلسطينية وفلسطيني، بل لدى كل طفلة وطفل، سواء من يعاني ذلك الظلم مباشرةً أم ذلك الذي يعيش حالة التشرّد في المهاجر، ما يجعل دائرة نشر أوجاعه تتسع أكثر فأكثر، كما تساهم ثورة الإعلام اليوم التي غدت في تناول كل إنسان. ... وهكذا، بقيت قضية الشعب الفلسطيني حيّةً، لا يعانيها أصحابها فحسب، بل انتقل الإحساس بها إلى الناس كافّة. ولعلّنا من هذه الزاوية نرى ونسمع ونشاهد ازدياد عدد الدول التي تنضمّ إلى قائمة المعترفين بحقّ الفلسطينيين في أن يكون لهم دولة تجمع شتاتهم، وقد وصل العدد نحو 157 دولةً، ويتنامى عدد مؤيّدي الشعب الفلسطيني باستمرار، وصرنا نلمس مواقف دول كانت بالأمس القريب منحازةً إلى إسرائيل، تندفع اليوم لتتخذ مواقف يفرضها الضمير الإنساني، الذي يرفض تلك الأساليب الوحشية. إن عدالة القضية وأحقيتها المثبتة من خلال الوقائع والأحداث، ونشاط الفلسطينيين أنفسهم وعموم الدول العربية، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة، تؤيّد اليوم بقوة حلّ الدولتَين، الذي سيكون بداية مرحلة جديدة للشعب الفلسطيني، وبدايةً لإعادة البناء، وللدخول في سلام عادل يحقّق الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة. صرنا نلمس مواقف دول كانت بالأمس منحازةً إلى إسرائيل تندفع اليوم إلى مواقف يفرضها الضمير الإنساني وقد أذهب في أحلامي بعيداً، منطلقاً من الواقع، وممّا يرتكبه الإسرائيليون فأقول لعلّ العدّ العكسي في سير القضية الفلسطينية قد بدأ، وإنّ المظالم التي عاناها الفلسطينيون إلى زوال، وإن حياة جديدة سوف تنشأ في أرض فلسطين. فما نراه اليوم يشكّل خطوةً إيجابيةً في مسار العدالة الدولية. صحيح أنّ إيجاد حلول كاملة قد تطول دروبها، ولكنّها قادمة، إذ بدأت نغمة التعالي على العرب تتراجع، فثمّة بصيص ضوء في الأفق. استعدّوا للبناء أيها الفلسطينيون، فقد بنيتم في بلدان العالم كلِّها، وقد آن لكم أن تبنوا بلادكم، وكثير من المهام أمامكم، لكنّ الخطوة الأولى هي الأكثر أهميةً مهما كان الدرب وعراً. وليت ياسر عرفات وجورج حبش وكثيرون من رفاقهما من الشهداء يرون نتائج ما عملا من أجله، وكذلك أرواح كل شهيد فلسطيني وسوري وعربي، وأجنبي أيضاً، قضوا في ذلك الدرب المرير الذي استمر قرابة مئة العام، فهذا النصر لم يأت إلّا مقابل دم غزير ودمعٍ سخيٍّ وأحزان عميقة. وأولاً وأخيراً مقابل إصرارٍ على النضال والإيمان بأحقية القضية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية