"شرطة الذاكرة"... من نحن من دون ذكريات؟
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
"إنَّ مهمَّتنا الأساسيَّة هي الحرص على أن تتمّ عمليَّات الاختفاء دونما إبطاءٍ، والتعجيل بامِّحاء الذكريات التي لم تعد فيها فائدة. لا فائدة في الاحتفاظ بذكرياتٍ لا طائل من ورائها. أليس كذلك؟ حين تصيب الغرغرينا إصبع القدم، ينبغي التعجيل ببترها، وإلَّا خسرنا القدم بأكملها. الأمر شبيهٌ بذلك. المشكل الوحيد هو أنْ لا شكل للذكريات والقلب. يستطيع الإنسان أنْ يجعل منها سرَّهُ، ويخفيها. وبما أنَّ الخصمَ خفيٌّ، فنحن أيضًا نشتغل بسرِّيَّة. إنَّها عمليَّةٌ دقيقةٌ جدًّا... ثم، حتى وإن غابت الذكريات، فإنَّ شيئًا منها يظلُّ حاضرًا في القلب. رجفةٌ، أو ألمٌ، أو فرحةٌ، أو دمعةٌ… تفهمين؟". هذا ما جاء في رواية "شرطة الذاكرة" للكاتبة يوكو أوغاوا، حيث تختفي الأشياء من دون مبرّر أو سبب ليفهم معه الناس سبب الاختفاءات. هي تحدث فحسب.  يستيقظ الجميع مع شعور غريب بأنّ شيئاً ما قد حدث، ليجدوا شرطة الذاكرة المسؤولة عن الأمر، تخبر الجميع بأنّ عليهم التخلّص من شيء ما بعدّة طرق، تقترحها الشرطة على حسب الشيء ذاته. شيء لا تختاره الشرطة بنفسها، لكنها تحرص على التأكّد من التخلّص من كلّ آثاره بالكامل بعدما يفقد الجميع إحساسهم به، فلا يعود أحدهم لتذكّر علاقته السابقة ليصبح مجرّد مادة تشغل حيّزاً في المكان لا أكثر. من نحن وماذا نمثّل من دون ماض وخبرات وذكريات نحملها  معنا حتى النهاية؟! المشكلة أنّ النسيان لا يكتنف الكلّ، فبالرغم من نسيان الأغلبية ما حدث وما تمّ اختفاؤه وتدميره بالفعل، هناك فئة لا تستطيع النسيان بالكامل، فتظل محتفظة بالعديد من الذكريات التي انتهت ولم تعد تشكّل أي شيء لأيّ شخص سواهم. وهذه الفئة بالرغم من عدم قدرتها على التحكّم بالأمر، إلا أنّ شرطة الذاكرة تحاسبهم حساباً عسيراً على ذكرياتهم، حتى ولو لم يكن هناك أيّة آثار أخرى سوى الذكريات الراقدة في عقولهم. وعلى الرغم من عدم قدرتهم على الاستفادة من تلك الذكريات أو إيصالها لمن حولهم، إلا أنّ الشرطة لا تسمح ببقائهم بعد اكتشاف أمرهم، فينتهي بهم الحال كما ينتهي بالذكريات المُختفية. تستمر الاختفاءات في الرواية الواحد تلو الآخر حتى يبدأ الأمر يتطوّر لما هو أخطر، فتبدأ أعضاء بشرية في الاختفاء. في البداية، يكون الأمر غريبًا وغير مفهوم كالعادة، حتى تبدأ الاختفاءات في التوالي، العضو تلو الآخر، ثم يبدأ الاعتياد، حتى يختفي الجميع في النهاية بعد اختفاء أعضائهم. ربما في الرواية لم يكن هناك ما يمكن فعله لإعادة ما فُقد، أو مُسح من ذاكرتنا بشكل أو بآخر، ولم يكن هناك مبرّر لتذكّر البعض ونسيان البعض الآخر. لكن الاختفاء أصبح حتمياً بعد أن اختفى تقريباً كلّ شيء؛ فمن نحن وماذا نمثّل من دون ماضٍ وخبرات وذكريات نحملها معنا حتى النهاية؟!

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية