
عربي
رغم عودة مئات آلاف النازحين السوريين إلى قراهم وبلداتهم خلال الأشهر الماضية، بعد تحرير البلاد من حكم نظام الأسد، لا يزال أكثر من مليون يعيشون في مخيمات في شمال إدلب وسط ظروف صعبة وتحديات معيشية متواصلة. وبحسب إحصاءات حديثة نُشرت اليوم الأحد تجاوز عدد سكان المخيمات في شمال سورية مليوني نازح منتصف العام الماضي، وقد عاد 344,733 منهم إلى مناطقهم خلال الربع الأول من العام الحالي.
ورغم هذه العودة الجزئية، لا تزال المخيمات مكتظة وتعاني من نقص الخدمات الأساسية، فيما نجحت حملة "الوفاء لإدلب" تحديداً في جمع أكثر من 200 مليون دولار في سبتمبر/ أيلول الجاري، بمشاركة رجال أعمال ومنظمات إغاثية عدة. وأكد القائمون على الحملة أن الأموال ستوجه لبناء وحدات سكنية بديلة للخيام، وإعادة تأهيل البنى التحتية المدمّرة، من بينها مدارس ومراكز صحية وشبكات مياه وصرف صحي، رغم أن خبراء يقدرون الحاجة إلى نحو ثلاثة مليارات دولار لإعادة إعمار المحافظة.
وشهدت المناطق المتضررة سلسلة حملات دعم وطنية مشابهة خلال الأسابيع الماضية، أبرزها صندوق التنمية السوري، و"دير العز"، و"أربعاء حمص"، و"أبشري حوران"، و"ريفنا بيستاهل". وقال سفيان الأحمد، وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي يقيم منذ سبع سنوات في مخيم قرب سرمدا لـ"العربي الجديد":" "لم تتوقف معاناة النازحين، رغم أن بعضهم عادوا إلى قراهم، ولا تزال عائلات كثيرة عاجزة عن العودة بسبب حجم الدمار الهائل وغياب البنى التحتية الأساسية. والعودة ليست مجرد رجوع إلى بيت مهدم، بل هي حياة كاملة يجب أن تُبنى من جديد".
وأكد أن "غياب المدارس والمراكز الصحية وانعدام شبكات المياه والكهرباء، يجعلان فكرة العودة شبه مستحيلة بالنسبة إلى عائلات كثيرة، ويجب بالتالي تنفيذ مشاريع خدماتية متكاملة تعيد مقومات الحياة، وليس فقط مبادرات لتوزيع مساعدات غذائية ومواد مختلفة". وشدد على أن "الانتظار الطويل داخل الخيام يولد شعوراً بالإحباط وفقدان الأمل، خصوصاً مع تراجع فرص العمل والفقر وغياب الدعم الكافي". تابع: "لم تعد مجرد مأوى مؤقت كما كان متوقعاً في البداية، بل واقعاً قاسياً يفرض نفسه منذ سنوات، ما يستدعي تحركاً دولياً أكثر جدية لتحويل التبرعات والمساعدات إلى مشاريع إسكان ودعم وإعمار حقيقية على الأرض".
من جهتها، لم تخفِ شذا الحفيان، وهي أرملة تعيل أربعة أطفال في مخيم دير حسان، قلقها من تراجع الدعم الإنساني في الآونة الأخيرة، وقالت لـ"العربي الجديد": "توقفت المساعدات التي كنا نتلقاها دورياً أو بدأت تتأخر كثيراً، ونحن نعيش على حصص غذائية تكفينا بالكاد، وقد لا تصل. ويضعنا ذلك أمام عجز كامل عن تأمين احتياجاتنا اليومية، علماً أن لا عمل في المخيم ولا مصدر دخل ثابتاً لنا. وحالياً أصبح الاعتماد الكلي على المساعدات أمراً خطيراً، وخصوصاً بعدما تقلصت بشكل واضح، وحتى لو أردنا العودة إلى قريتنا، بيوتنا مدمّرة تماماً، ولا نملك الحد الأدنى من الإمكانات لإعادة بنائها. لا شك في أن غياب الحلول المستدامة يجعل حياة العائلات النازحة أصعب، لذا نحتاج إلى مشاريع سكن وإعادة بناء المنازل وخدمات حقيقية تساعدنا على الاستقرار. الخيام والمساعدات المؤقتة لا تكفي، ومع توقف الدعم نخشى من مستقبل مظلم لأطفالنا".
وفيما يؤكد خبراء أن التعامل مع ملف النزوح في إدلب لا يمكن أن يبقى ضمن دائرة الحلول المؤقتة، قال الباحث في الشؤون الاجتماعية ياسر الخلف، لـ"العربي الجديد": "تتطلب التحديات الراهنة مقاربة شاملة تتجاوز توزيع الخيام ومواد الإغاثة، ويجب أن تمنح أولوية لتأمين بيئة آمنة وكريمة تتيح عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، وذلك عبر مشاريع إسكان جديدة، وإعادة بناء البنى التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء. ومن دون هذه المقومات، ستظل المخيمات قائمة وتستمر معها معاناة مئات آلاف العائلات النازحة".
وأشار الخلف إلى أن الأموال التي جُمعت خلال حملة "الوفاء لإدلب"، والتي تجاوزت 200 مليون دولار، تمثل فرصة حقيقية للانتقال من الإغاثة الطارئة إلى مشاريع أكثر استدامة إذا ركّزت الخطط المطروحة على إنشاء تجمعات سكنية صغيرة مزودة بشبكات مياه وصرف صحي ومدارس أساسية، ما يضمن انتقال العائلات من حياة الخيام المؤقتة إلى نمط أكثر استقراراً. ولفت إلى أن هذه الجهود لا تزال في بداياتها، ويتمثل التحدي الأكبر بتحويل التبرعات الضخمة إلى مشاريع ملموسة على الأرض لإحداث فارق فعلي في حياة النازحين. وبينما تتواصل الجهود لجمع التبرعات ورسم الخطط، يأمل سكان المخيمات أن تتحول هذه المبادرات إلى خطوات عملية تنهي معاناتهم الطويلة وتمنحهم فرصة العودة إلى بيوتهم بكرامة.
