
عربي
تتفاقم الانبعاثات الغازية في مدينة قابس التونسية، حيث حوّلت حياة الأهالي إلى جحيم دائم وصراع يومي مع مخلفات المصانع الملوثة، وسط تحذيرات من مخاطر محدقة.
لم تكن حالات التسمم التي استقبلتها مستشفيات قابس لأسابيع متتالية هي الأولى من نوعها، ولا يتوقع الأهالي أيضاً أن تكون الأخيرة، في وقت اعتادوا فيه على التعامل منذ عقود مع الغازات والملوثات التي تخنق أنفاسهم، ويعرفون أنها تُسبب لهم أمراضاً مختلفة من بينها السرطان، حتى إن بعضهم اكتسبوا خبرة في التمييز بين الانبعاثات الناجمة عن تصنيع مادة "أمونيا" أو "الفلور" عبر نوعية الإصابات التي تحدث كل مرة.
يقول الناشط البيئي في حراك "ستوب بوليوشن" خير الدين دبيّة، لـ"العربي الجديد": "ضاعف المجمع الكيميائي الذي يدير 60 شركة متخصصة في صناعات متنوعة إنتاجه نحو 5 مرات خلال السنتين الأخيرتين فتفاقمت الانبعاثات الغازية التي حوّلت حياة مواطني قابس إلى جحيم دائم وصراع يومي مع مخلفات المصانع الملوثة".
يتابع: "أصبح استنشاق سكان المناطق المجاورة للمجمع الكيميائي الانبعاثات الغازية أمراً عادياً حتى إن بعضهم لا يلجأ إلى المستشفيات إلا في حالات الاختناق القصوى، بينما يستخدم آخرون وسائل ذاتية للتطبيب، من بينها استخدام الحليب في غسل الوجوه والأماكن التي تصيبها تهيجات. أيضاً أكتسب الأهالي خبرة في التمييز بين أصناف الانبعاثات، فهم يعرفون تلك التي تأتي من مصانع أمونيا وتصيب الأجهزة التنفسية مباشرة، وتكون غالباً أكثر حدة في حال ارتفعت نسبة الرطوبة في الجو، ما يحبس الانبعاثات في الطبقات السفلى ويمنع تبددها بسهولة في الهواء".
ويؤكد دبيّة أن الانبعاثات التي تصدر من مصانع مادة الفلور تؤدي إلى هشاشة العظام، وتكثر في تلك المناطق الإصابات بالكسور وأوجاع في المفاصل، ويقول: "من فرط الاعتياد على الانبعاثات تجاوز المواطنون مرحلة استنشاقها حتى أصبحوا يتذوقونها وتترسب إلى أجسادهم عبر حواس الشم والتذوق وحتى اللمس، ولا حل في المدى القريب لأزمة التلوث في قابس باعتبار أن رفع طاقة إنتاج الوحدات لا توحي بأي نية سابقة لتفكيك المجمع".
واللافت أن الحكومة التونسية أعلنت عام 2017 التزامها التام بوقف سكب مادة "فسفوجيبس" في البحر، والعمل على تفكيك وحدات ملوّثة واستبدالها بأخرى تحترم المعايير الدولية في السلامة البيئية، ثم تحويلها من مكانها الحالي إلى آخر يُتفق عليه لاحقاً.
ويقع المُجمّع الكيميائي في منطقة شط السلام التي يقطنها نحو 18 ألف شخص، وتبعد نحو أربعة كيلومترات من مدينة قابس مركز المحافظة. وأنشئ المجمع عام 1972، ويتضمن وحدات لتصفية مادة الفوسفات وصناعات كيميائية مختلفة إلى جانب أكبر مخازن الغاز الطبيعي . لكن ذلك لا يمنع منظمات بيئية في قابس من الدفع نحو تنفيذ القرارات الحكومية الخاصة بتفكيك وحدات المجمع الكيميائي الذي ينشط في المنطقة منذ أربعة عقود، من أجل وقف نزيف الخسائر البيئية. ويقول دبيّة: "لا يزال المواطنون والحياة البرية والبحرية في قابس يدفعون ثمناً غالياً للتلوّث الكيميائي، في حين لا تقدم السلطات أجوبة حول مشروع تفكيك المجمع. كما تؤجل المؤسسة الكيميائية أعمال صيانة وحداتها".
ويشكل المجمع الكيميائي في قابس مصدراً كبيراً للتلوث البيئي، ويقود المجتمع المدني منذ سنوات طويلة حراكاً يطالب بنقل المصانع إلى خارج المنطقة بعدما ألحقت الغازات المنبعثة أضراراً جسيمة بالحياة البرية والبحرية في المنطقة، كما تصاعدت نسب الإصابة بأمراض سرطانية لدى الأهالي. ويقول دبيّة إن "وحدات المجمع التي تفتقد إلى صيانة أصبحت مصدر خطر كبير على المنطقة التي تعيش حالياً في توتر من تسرب الغازات التي تؤدي إلى اختناقات ووفاة عمال في وحدات المجمع".
وفي وقت سابق حذرت "ستوب بوليوشن" من مخاطر انفجار مشابه لانفجار مرفأ بيروت عام 2020 داخل المجمع الكيميائي بسبب غياب معايير السلامة. وأعلنت الحركة حينها أنها بدأت سلسلة احتجاجات لتعجيل قرارات تفكيك الوحدات الملوثة للمجمع وإعادة مسار التحقيق حول معايير السلامة صلب الوحدات الصناعية للأمونيا والزفت ومخازن الغاز الطبيعي صلب المجمع . ودعت الحركة عموم المواطنين والمكونات المدنية في قابس للتعبئة دفاعاً عن حق المواطنين في العيش بكرامة في بيئة سليمة، مؤكدة ضرورة متابعة الجهات الصحية للمواطنيين المتضررين من التلوث.
وتشير تقارير بيئية إلى أن نسبة الغازات السامة المنبعثة في قابس هي الأعلى وطنياً، وهو ما أدى إلى انتشار أمراض تنفسية وسرطانية بشكل ملحوظ بين السكان. كما يعاني البحر في خليج قابس تدهور مخزون الثروة السمكية نتيجة سكب آلاف الأطنان من مادة فوسفوجيبس وفضلات صناعية، ما انعكس مباشرة على الصيادين ومعيشتهم.

أخبار ذات صلة.

عاما إبادة غزة يهزّان صورة إسرائيل في الغرب
العربي الجديد
منذ 17 دقيقة

شمال سيناء شاهدة على عامين من حرب غزة
العربي الجديد
منذ 17 دقيقة