
حزبي
من السجن إلى ساحة المعركة: رحلة الشيخ عبد الله الأحمر في قلب ثورة ٢٦ سبتمبر
تُعد مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وثيقة تاريخية مهمة، تسرد فصولاً من حياة شخصية محورية في تاريخ اليمن الحديث، كما أنها تقدم رؤية عميقة للأحداث التي شكلت ثورة 26 سبتمبر 1962 والتي بمناسبتها نعيد أبرز محطات وتحديدا الفصل الثالث من المذكرات.
يعرض التقرير أبرز المحطات في هذه المذكرات وسنركز على الجمع بين السرد التاريخي والاقتباسات المباشرة، لتقديم صورة شاملة وواضحة عن تجربة الشيخ الأحمر ودوره الفاعل في تلك المرحلة المفصلية.
الخروج من المعتقل وبداية الثورة
يبدأ هذا القسم بسرد مثير للحظة علم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بقيام الثورة اليمنية، وهو لا يزال في سجن المحابشة بحجة الذي قضى فيه ثلاث سنوات. يصف الشيخ تلك اللحظة قائلاً: "أعتقد أنني وأولاد العامل في المحابشة كنا أول من علمنا بخبر قيام الثورة…"،
هذا الاكتشاف المفاجئ للثورة، عبر أثير الراديو، أشعل الأمل في نفوس المعتقلين، فقد استمعوا إلى الأناشيد الحماسية والقرارات الجمهورية، بالإضافة إلى قصيدة الشاعر محمد الشرفي المجلجلة التي يقول في مطلعها:
أنا الشعب زمجرة من رعود
وأنشودة في شفاه الخلود
بعد هذا الخبر، لم يعد الشيخ إلى السجن، إذ توجه مباشرة إلى مقر العامل حيث كان يجتمع بعض المشايخ والموظفين. يروي الشيخ أنه دخل عليهم وسألوه عن الرأي. فأجابهم: "ابعثوا برقية تأييد هذا من مصلحتكم وهذا واجب إنها ثورة ثورة". هذا الموقف يعكس إيمانه الراسخ بالثورة وضرورة دعمها.
في عصر ذلك اليوم، جاءت برقية من الرئيس عبد الله السلال إلى العامل بإطلاق سراحه والتعجيل بوصوله. يصف الشيخ حواره مع الشيخ علي هبة، مدير السجن، حيث قال له: "سواء جاء إطلاق من السلال يا شيخ علي أو لم يجيء، لست متوقفاً، الصباح إن شاء الله أسافر". هذا الحوار يظهر إصرار الشيخ على الانضمام للثورة.
أمضى الشيخ تلك الليلة مع ناجي ماتع، مسؤول صحة للتلقيح في المنطقة، في حماس وفرحة، حيث استمعا إلى إذاعة لندن، المصدر الوحيد للأخبار حينها وفي منتصف الليل، سمعا خبر خروج الإمام البدر من بين الأنقاض وتوجهه إلى جبال حجة المنيعة.
أثار هذا قلق ناجي ماتع الذي قال: "والله لو يسمع مشائخ الشرفين بهذا الخبر لقبضوا عليك وسلموك هدية للبدر"، رد الشيخ مطمئناً: "لا تخف ليس معهم راديوهات".في الصباح، تحرك الشيخ ومعه حرس السجن (الرسم) وقد اختار طريق تهامة الأكثر أماناً، ووصل إلى عبس ظهراً يوم الجمعة وهناك استقبله المواطنون والمشايخ استقبالاً شعبياً كبيراً وأقيم حفل خطابي في منزل الشيخ عثمان محجب ثواب، ثم انتقلوا إلى بيت الحكومة.
واصل الشيخ طريقه إلى الحديدة، ووصلها عصر يوم السبت بعد تعطل السيارة، وهناك جرى استقباله استقبالاً جماهيرياً كبيراً وفي صباح اليوم التالي، توجه الشيخ إلى صنعاء، ووصلها عصراً.
التقى بالرئيس السلال في مقر القيادة بمجمّع العرضي وطلب منه زيارة القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الإرياني في القصر الجمهوري ثم بعدها طلب منه التوجه إلى الإذاعة لتوجيه كلمة للشعب، قائلاً: "أصحابكم لا يزالون محتارين والبدر لايزال يتنقل بين القبائل".
توجه الشيخ إلى الإذاعة وألقى كلمة حماسية ثورية دعا فيها قبائل حاشد وغيرهم للالتفاف حول الثورة والجمهورية والدفاع عنها.
الانتقال إلى الميدان ودور الشيخ القتالي
كان همّ الشيخ عبد الله الأساسي، كما يذكر في مذكراته، مرتكزاً على الجانب القتالي للدفاع عن الثورة وترسيخها. يقول الشيخ: "أنا في الحقيقة كان همي مرتكزاً علي الجانب القتالي للدفاع عن الثورة وترسيخها، ولهذا بدأت فوراً بعد وصولي صنعاء ولقائي بالزبيري والإرياني بالإعداد للدفاع عن الثورة، هذا التركيز على العمل الميداني يعكس إدراكه لأهمية الحسم العسكري في تثبيت أركان الجمهورية الوليدة.
تلقى الشيخ دعماً مباشراً من الرئيس عبد الله السلال حيث منحه ذخيرة و"قرابة مئة بندقية شيكي"، بالإضافة إلى بندقية (جرمل) خاصة به وألف ريال (فرانصي)، كما شمل الدعم "مدافع وعدداً من المدرعات المزودة بالرشاشات".
ولتعزيز قوته، أخرج السلال معه "سرية من فوج البدر، مدربين تدريباً جيداً، ومجموعة من الضباط". هذا التسليح والدعم البشري كان حاسماً في تمكين الشيخ من قيادة العمليات العسكرية بفاعلية.
بدأ الشيخ تحركاته الميدانية يوم الاثنين، وأمضى ليلته في خمر وفي يوم الثلاثاء، شهدت المنطقة حشداً قبلياً مهيباً "خَرَجَتْ حاشد من كل قرية كالجراد المنتشر منتشين نشوة كبيرة، لا أحد يستطيع وصف مشاعرهم فرحاً بوصولي وكان يوم وصولي بالنسبة لهم مثل يوم العيد".
هذه العبارة تبرز مدى الارتباط بين الشيخ وقبيلته، كما توضح كيف أن وصوله كان حافزاً كبيراً لهم للانضمام إلى صفوف الثورة. قام الشيخ بتجييشهم وتحركوا لملاحقة الإمام البدر، ولم يكن قد دخل بيته في الخمري أو رأى عائلته، مما يدل على تفانيه في مهمته.
أهم المعارك مع البدر ودور القبائل
بعد عودة البدر من الخوبة بدأت جولة جديدة من القتال. يصف الشيخ الأحمر هذه المرحلة قائلاً: "أول ما رجع البدر من الخوبة، بدأ القتال في المناطق القريبة من الخوبة، وقد حدثت فيها معارك كثيرة في الجمَّا وفي الملاحيط".
تمركز البدر في مناطق مثل حزة تحت جبل رازح وفي المروة بوادي خلب وكان يتلقى السلاح والمؤن ويوزعها على القبائل.
كانت أولى نجاحات الملكيين إخراج القوم من حصن وشحة، وهو أهم حصن في السلاسل الجبلية وبعد ذلك، اتجهوا نحو كشر وحجور، ثم المحابشة. كانت المحابشة تتمركز فيها قوات الجمهورية، وخاضوا فيها معارك عديدة.استمرت تحركاتهم نحو حجة، حيث احتلوا مناطق فيها وحاصروها بين الحين والآخر.
في خضم هذه المعارك، تلقى الشيخ الأحمر رسالة من الإمام المخلوع البدر، كانت تحمل "ترغيب وترهيب يشير فيها إلي أعمال المستعمرين الفراعنة وأذنابهم... ويدعونا إلي مناصرته والقتال في سبيل الله والدين والوطن والعِرض"، واشترط البدر عليهم "فتح البلاد أمام الجيوش المنصورة وتسليم رهائن الجهاد". هذه الرسالة تعكس محاولة البدر استقطاب القبائل وتخويفهم، لكن الشيخ الأحمر وقواته لم يتأثروا بها.
على الجبهة الشمالية، في لواء صعدة، احتل الملكيون رازح وساقين. يذكر الشيخ أن "فيها عدد قليل من حاشد الذين دخلوا مع الشهيد الشيخ محمد غثاية أحد مشائخ البلاد وتجارها حاصروه وقتلوه مع أطفاله". كانت قوات الجمهورية قليلة هناك ولم يبق مع الجمهوريين سوى حاشد بكاملها في المواجهة، باستثناء قبيلة عذر التي رفضت الجمهورية من اليوم الأول.
استمر القتال مع عذر حيث تمكن الجمهوريون من اكتساحهم حتى وشحة لكن بعد وصول الإمدادات والمسلحين الذين لحقوا بالبدر، هاجم الملكيون القفلة. يوضح الشيخ أن "أغلبهم كان قتالهم لنا عن عقيدة وتشيع، ومن ناحية ثانية كان ذلك التمرد نتيجة لما حصل وما كانوا يسمعون به من القتل والإعدامات في صنعاء".
استمر الشيخ في الدفاع عن القفلة، معتبراً إياها "المركز المتوسط الذي نستطيع التوجه منها إلي هنا وهناك" وقد تمكنوا من الاستيلاء على مدينة شهارة، المعقل الرئيسي والتاريخي للإمامة، بعد حرب شديدة، لكنهم لم يبقوا فيها طويلاً.
يؤكد الشيخ أن أهم المعارك كانت معارك الدفاع عن حجة وصعدة، بينما شهارة "سقطت بسرعة وهي لم تكن علي درجة كبيرة من الأهمية... وبقاؤها في أيدينا أو سقوطها في أيديهم لا يترتب عليه هزيمة أو نصر مثل صعدة أو حجة". كانت القوة التي مع الشيخ أغلبها قبلية، وعدد الجنود الرسميين قليلاً جداً. أرسل الرئيس السلال سرية صاعقة من الجيش المصري بقيادة المقدم أحمد حلمي، مكثوا معهم أكثر من سنة ونصف، وكانوا "مقاتلين شرسين وشجاعاً".
يروي الشيخ موقفاً للمقدم أحمد حلمي في معركة قريبة من القفلة. وقف يطلق النيران بدون متراس ووقتها شده الشيخ للجلوس، فرد عليه: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
في عام 1964، خرج الزبيري إلى خمر لطلب دخول جيش من حاشد لفك الحصار عن صنعاء وبالفعل دخلوا صنعاء بجيش كبير من حاشد والقاضي الزبيري في مقدمتهم ثم خرجوا إلى سنحان مع مجاهد أبو شوارب لفك الطريق في شهر رمضان وقد حاولوا التفاهم مع أهل بلاد الروس وشرق سنحان. لكن الأمير عبد الله بن الحسن رفض الانسحاب من سيان قائلاً: "ما أخرج من سيان إلا علي ظهري". قُسم الجيش في ثلاثة اتجاهات.
هجموا فجراً على سيان والمناطق الشرقية. تقدم مجاهد أبو شوارب ومعه مجاميع عسكرية جمهورية، منهم الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان يقود دبابة، وحاصروا سيان من الجنوب، وما أن بدأ علي عبد الله صالح يرمي بالدبابة، حتى هرب عبد الله بن الحسن. أما الشيخ الأحمر وجيشه فقد تقدموا على بيت الشاطبي وفي اتجاه قرية سيان من الشرق لقطع الطريق على عبد الله بن الحسن، لكنه هرب باتجاه خولان. بعد ذلك، عادوا إلى بلاد الروس وتفاهموا مع أهلها وفتحوا الطريق من نقيل يسلح، وانتهى كل شيء في عام 1964م.
بعد عيد رمضان، جاء استنجاد من حجة حيث حاصرها الملكيون وطلب المشير السلال من الشيخ الأحمر أن يكمل "الجمالة" ويتوكل على الله إلى حجة، وبالفعل أخذ الشيخ جيشاً من سنحان وبلاد الروس واتجهوا نحو حجة، حيث فتحوا الطريق وفككوا الحصار. استمروا في القتال وتصفية مناطق حجة، وقد سقط فيها حوالي مئة شهيد.
يذكر الشيخ أن الرئيس جمال عبد الناصر زار صنعاء في نيسان (إبريل) 1964، بينما كانوا هم في حجة. عندما طُلب منه القدوم إلى صنعاء، رفض قائلاً: "لن أنزل من حجة والمعركة قائمة إذا أراد فليزورنا إلي حجة". كان هناك تنسيق بين القوات المصرية وقبيلة حاشد، إذ كان المصريون "لا يطمئنوا إلا في المعارك التي معهم فيها قبيلة حاشد".
أول منصب: وزير الداخلية
يكشف الشيخ عبد الله الأحمر في مذكراته عن عزوفه الكبير عن الانشغال بالقضايا السياسية في بداية الثورة. كان تركيزه منصباً بالكامل على الجانب الميداني والقتالي. يقول الشيخ: "أنا في الحقيقة كان لدي عزوف كبير عن الانشغال بالقضايا السياسية قبل أن تترسخ الثورة وينتهي العمل الميداني... ولم يكن عندي نزوع إلي العمل في المجال السياسي أو الاشتغال به أبداً". هذا التصريح يوضح طبيعة شخصيته كقائد عسكري ميداني في المقام الأول.على الرغم من هذا العزوف، تم إقناعه بتولي منصب سياسي. يذكر الشيخ أن "أبو الأحرار القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان... هم الذين دفعوني إلي هذا الميدان رغماً عني، وأقنعوني وأقنعوا الكثير من العناصر الذين كان دورهم مقتصراً علي الميدان من المشائخ والعسكريين". هذا يبرز الدور المحوري للمثقفين والسياسيين في توجيه القادة العسكريين نحو العمل السياسي.
كان هذا التعيين في منتصف عام 1964 حيث تولى الشيخ الأحمر منصب وزير الداخلية في حكومة حمود الجائفي. يصف الشيخ هذا المنصب بأنه "الوظيفة الشائكة والصعبة في ذلك الوقت لأن معظم الأمور الداخلية مرتبطة بها". ورغم دخوله هذا المجال السياسي، لم يترك العمل في الميدان القتالي أو العسكري، حيث واصل القيام بالدور الذي تحمله على عاتقه للدفاع عن الثورة، هو ورجاله وفي مقدمتهم العميد مجاهد أبوشوارب، والقادة الميدانيون من مشايخ حاشد.
يذكر الشيخ بعض هؤلاء القادة الذين قضوا نحبهم أو لا يزالون أحياء، مثل علي حميد جليدان وحمود عاطف والشيخ علي شويط وغيرهم. هذا يؤكد استمرارية دوره المزدوج كقائد عسكري ووزير ويعكس تفانيه في خدمة الثورة على كافة الأصعدة.
قبائل جمهورية وأخرى ملكية
تُبرز مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الدور المحوري للقبائل اليمنية في الصراع بين الجمهوريين والملكيين وتوضح أن قبائل حاشد كانت بمثابة العمود الفقري للجيش الثوري. يقول الشيخ: "كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم في المعارك هم جيش الثورة، لأنه لم يكن هناك جيش رسمي... فكانت قبائل حاشد هم جيش الدفاع عن الثورة مع من كان يشارك من القبائل الأخرى".
هذا يوضح الفراغ العسكري الذي خلفه انهيار الجيش الإمامي كما يبين كيف سدت القبائل هذا الفراغ. لم تكن حاشد وحدها في هذا الميدان، فقد شاركت قبائل أخرى من أصحاب المشايخ الجمهوريين منهم ذو محمد بقيادة العميد عبد الله دارس، وقبائل الحداء بقيادة المشايخ بيت القوسي وبيت البخيتي والشيخ سنان أبو لحوم ومن كان معه من قبائل نهم المجمهرين، والشيخ أحمد عبد ربه العواضي، والشيخ سالم الحميقاني، والشيخ أحمد ناصر الذهب ومن معهم من مشايخ البيضاء وغيرهم. لكن الشيخ يوضح أن هؤلاء "كانوا يأتون عندما تطلبهم الدولة للقتال في منطقة من المناطق لفترة معينة. أما حاشد فقد كانوا أشبه شيء بالجيش الرسمي جيش الدفاع المستمر الذي تحمل مسؤولية الدفاع عن الثورة".
كان الشعور بالمسؤولية تجاه الثورة متأصلاً لدى قبائل حاشد، مشايخ وأفراداً ويفسّر الشيخ هذا الشعور قائلاً: "وفعلاً كان الشعور لدي قبائل حاشد مشائخ وأفراداً أنهم مسؤولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم، وهذا الإحساس تولد لدي حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة".
هذا الإحساس العميق بالمسؤولية جعلهم في طليعة المدافعين عن الجمهورية. في المقابل، كان هذا الفهم موجوداً لدى بعض القبائل التي حاربت الثورة حيث كانوا يعتبرون أن "الثورة هي ثورة حاشد ولهذا كانوا يحاربونها علي أساس أنهم يحاربون حاشد أكثر مما يحاربون الجمهورية"، مما يوضح كيف أن الولاءات القبلية كانت تتداخل مع الولاءات السياسية.
كان يطلق على أفراد القبائل الذين قاتلوا مع الثورة، سواء من حاشد أو من القبائل الأخرى، اسم "الجيش الشعبي" وكانت الحكومة تزودهم بالدعم والسلاح، ولكن "بأشياء قليلة وإمكانيات بسيطة وخاصة في بداية الثورة".
ويذكر الشيخ أن حاشد في بداية الثورة "قاتلوا عدة أشهر بدون رواتب من الحكومة، وكان أهل كل قرية يتحملون نفق"، مما يدل على التضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه القبائل.
تُبرز هذه المذكرات بوضوح الدور المحوري الذي لعبه الشيخ الأحمر وقبائل حاشد في الدفاع عن الثورة وترسيخ الجمهورية، كما تكشف عن تعقيدات المشهد السياسي والقبلي في اليمن خلال تلك الفترة، حيث تداخلت الولاءات القبلية مع الأهداف الوطنية.
لقد كان الشيخ الأحمر شخصية متعددة الأوجه، قائدًا عسكريًا محنكًا وسياسيًا فذًا، لم يتردد في التضحية بوقته وجهده في سبيل وطنه وتظل مذكراته وثيقة تاريخية لا تقدر بثمن، تقدم دروساً مستفادة حول القيادة، الصمود، وأهمية الوحدة الوطنية في أوقات الأزمات، كما تُسهم في فهم أعمق لجذور الصراع وتطورات الثورة اليمنية.
تُعد مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وثيقة تاريخية مهمة، تسرد فصولاً من حياة شخصية محورية في تاريخ اليمن الحديث، كما أنها تقدم رؤية عميقة للأحداث التي شكلت ثورة 26 سبتمبر 1962 والتي بمناسبتها نعيد أبرز محطات وتحديدا الفصل الثالث من المذكرات.
يعرض التقرير أبرز المحطات في هذه المذكرات وسنركز على الجمع بين السرد التاريخي والاقتباسات المباشرة، لتقديم صورة شاملة وواضحة عن تجربة الشيخ الأحمر ودوره الفاعل في تلك المرحلة المفصلية.
الخروج من المعتقل وبداية الثورة
يبدأ هذا القسم بسرد مثير للحظة علم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بقيام الثورة اليمنية، وهو لا يزال في سجن المحابشة بحجة الذي قضى فيه ثلاث سنوات. يصف الشيخ تلك اللحظة قائلاً: "أعتقد أنني وأولاد العامل في المحابشة كنا أول من علمنا بخبر قيام الثورة…"،
هذا الاكتشاف المفاجئ للثورة، عبر أثير الراديو، أشعل الأمل في نفوس المعتقلين، فقد استمعوا إلى الأناشيد الحماسية والقرارات الجمهورية، بالإضافة إلى قصيدة الشاعر محمد الشرفي المجلجلة التي يقول في مطلعها:
أنا الشعب زمجرة من رعود
وأنشودة في شفاه الخلود
بعد هذا الخبر، لم يعد الشيخ إلى السجن، إذ توجه مباشرة إلى مقر العامل حيث كان يجتمع بعض المشايخ والموظفين. يروي الشيخ أنه دخل عليهم وسألوه عن الرأي. فأجابهم: "ابعثوا برقية تأييد هذا من مصلحتكم وهذا واجب إنها ثورة ثورة". هذا الموقف يعكس إيمانه الراسخ بالثورة وضرورة دعمها.
في عصر ذلك اليوم، جاءت برقية من الرئيس عبد الله السلال إلى العامل بإطلاق سراحه والتعجيل بوصوله. يصف الشيخ حواره مع الشيخ علي هبة، مدير السجن، حيث قال له: "سواء جاء إطلاق من السلال يا شيخ علي أو لم يجيء، لست متوقفاً، الصباح إن شاء الله أسافر". هذا الحوار يظهر إصرار الشيخ على الانضمام للثورة.
أمضى الشيخ تلك الليلة مع ناجي ماتع، مسؤول صحة للتلقيح في المنطقة، في حماس وفرحة، حيث استمعا إلى إذاعة لندن، المصدر الوحيد للأخبار حينها وفي منتصف الليل، سمعا خبر خروج الإمام البدر من بين الأنقاض وتوجهه إلى جبال حجة المنيعة.
أثار هذا قلق ناجي ماتع الذي قال: "والله لو يسمع مشائخ الشرفين بهذا الخبر لقبضوا عليك وسلموك هدية للبدر"، رد الشيخ مطمئناً: "لا تخف ليس معهم راديوهات".في الصباح، تحرك الشيخ ومعه حرس السجن (الرسم) وقد اختار طريق تهامة الأكثر أماناً، ووصل إلى عبس ظهراً يوم الجمعة وهناك استقبله المواطنون والمشايخ استقبالاً شعبياً كبيراً وأقيم حفل خطابي في منزل الشيخ عثمان محجب ثواب، ثم انتقلوا إلى بيت الحكومة.
واصل الشيخ طريقه إلى الحديدة، ووصلها عصر يوم السبت بعد تعطل السيارة، وهناك جرى استقباله استقبالاً جماهيرياً كبيراً وفي صباح اليوم التالي، توجه الشيخ إلى صنعاء، ووصلها عصراً.
التقى بالرئيس السلال في مقر القيادة بمجمّع العرضي وطلب منه زيارة القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الإرياني في القصر الجمهوري ثم بعدها طلب منه التوجه إلى الإذاعة لتوجيه كلمة للشعب، قائلاً: "أصحابكم لا يزالون محتارين والبدر لايزال يتنقل بين القبائل".
توجه الشيخ إلى الإذاعة وألقى كلمة حماسية ثورية دعا فيها قبائل حاشد وغيرهم للالتفاف حول الثورة والجمهورية والدفاع عنها.
الانتقال إلى الميدان ودور الشيخ القتالي
كان همّ الشيخ عبد الله الأساسي، كما يذكر في مذكراته، مرتكزاً على الجانب القتالي للدفاع عن الثورة وترسيخها. يقول الشيخ: "أنا في الحقيقة كان همي مرتكزاً علي الجانب القتالي للدفاع عن الثورة وترسيخها، ولهذا بدأت فوراً بعد وصولي صنعاء ولقائي بالزبيري والإرياني بالإعداد للدفاع عن الثورة، هذا التركيز على العمل الميداني يعكس إدراكه لأهمية الحسم العسكري في تثبيت أركان الجمهورية الوليدة.
تلقى الشيخ دعماً مباشراً من الرئيس عبد الله السلال حيث منحه ذخيرة و"قرابة مئة بندقية شيكي"، بالإضافة إلى بندقية (جرمل) خاصة به وألف ريال (فرانصي)، كما شمل الدعم "مدافع وعدداً من المدرعات المزودة بالرشاشات".
ولتعزيز قوته، أخرج السلال معه "سرية من فوج البدر، مدربين تدريباً جيداً، ومجموعة من الضباط". هذا التسليح والدعم البشري كان حاسماً في تمكين الشيخ من قيادة العمليات العسكرية بفاعلية.
بدأ الشيخ تحركاته الميدانية يوم الاثنين، وأمضى ليلته في خمر وفي يوم الثلاثاء، شهدت المنطقة حشداً قبلياً مهيباً "خَرَجَتْ حاشد من كل قرية كالجراد المنتشر منتشين نشوة كبيرة، لا أحد يستطيع وصف مشاعرهم فرحاً بوصولي وكان يوم وصولي بالنسبة لهم مثل يوم العيد".
هذه العبارة تبرز مدى الارتباط بين الشيخ وقبيلته، كما توضح كيف أن وصوله كان حافزاً كبيراً لهم للانضمام إلى صفوف الثورة. قام الشيخ بتجييشهم وتحركوا لملاحقة الإمام البدر، ولم يكن قد دخل بيته في الخمري أو رأى عائلته، مما يدل على تفانيه في مهمته.
أهم المعارك مع البدر ودور القبائل
بعد عودة البدر من الخوبة بدأت جولة جديدة من القتال. يصف الشيخ الأحمر هذه المرحلة قائلاً: "أول ما رجع البدر من الخوبة، بدأ القتال في المناطق القريبة من الخوبة، وقد حدثت فيها معارك كثيرة في الجمَّا وفي الملاحيط".
تمركز البدر في مناطق مثل حزة تحت جبل رازح وفي المروة بوادي خلب وكان يتلقى السلاح والمؤن ويوزعها على القبائل.
كانت أولى نجاحات الملكيين إخراج القوم من حصن وشحة، وهو أهم حصن في السلاسل الجبلية وبعد ذلك، اتجهوا نحو كشر وحجور، ثم المحابشة. كانت المحابشة تتمركز فيها قوات الجمهورية، وخاضوا فيها معارك عديدة.استمرت تحركاتهم نحو حجة، حيث احتلوا مناطق فيها وحاصروها بين الحين والآخر.
في خضم هذه المعارك، تلقى الشيخ الأحمر رسالة من الإمام المخلوع البدر، كانت تحمل "ترغيب وترهيب يشير فيها إلي أعمال المستعمرين الفراعنة وأذنابهم... ويدعونا إلي مناصرته والقتال في سبيل الله والدين والوطن والعِرض"، واشترط البدر عليهم "فتح البلاد أمام الجيوش المنصورة وتسليم رهائن الجهاد". هذه الرسالة تعكس محاولة البدر استقطاب القبائل وتخويفهم، لكن الشيخ الأحمر وقواته لم يتأثروا بها.
على الجبهة الشمالية، في لواء صعدة، احتل الملكيون رازح وساقين. يذكر الشيخ أن "فيها عدد قليل من حاشد الذين دخلوا مع الشهيد الشيخ محمد غثاية أحد مشائخ البلاد وتجارها حاصروه وقتلوه مع أطفاله". كانت قوات الجمهورية قليلة هناك ولم يبق مع الجمهوريين سوى حاشد بكاملها في المواجهة، باستثناء قبيلة عذر التي رفضت الجمهورية من اليوم الأول.
استمر القتال مع عذر حيث تمكن الجمهوريون من اكتساحهم حتى وشحة لكن بعد وصول الإمدادات والمسلحين الذين لحقوا بالبدر، هاجم الملكيون القفلة. يوضح الشيخ أن "أغلبهم كان قتالهم لنا عن عقيدة وتشيع، ومن ناحية ثانية كان ذلك التمرد نتيجة لما حصل وما كانوا يسمعون به من القتل والإعدامات في صنعاء".
استمر الشيخ في الدفاع عن القفلة، معتبراً إياها "المركز المتوسط الذي نستطيع التوجه منها إلي هنا وهناك" وقد تمكنوا من الاستيلاء على مدينة شهارة، المعقل الرئيسي والتاريخي للإمامة، بعد حرب شديدة، لكنهم لم يبقوا فيها طويلاً.
يؤكد الشيخ أن أهم المعارك كانت معارك الدفاع عن حجة وصعدة، بينما شهارة "سقطت بسرعة وهي لم تكن علي درجة كبيرة من الأهمية... وبقاؤها في أيدينا أو سقوطها في أيديهم لا يترتب عليه هزيمة أو نصر مثل صعدة أو حجة". كانت القوة التي مع الشيخ أغلبها قبلية، وعدد الجنود الرسميين قليلاً جداً. أرسل الرئيس السلال سرية صاعقة من الجيش المصري بقيادة المقدم أحمد حلمي، مكثوا معهم أكثر من سنة ونصف، وكانوا "مقاتلين شرسين وشجاعاً".
يروي الشيخ موقفاً للمقدم أحمد حلمي في معركة قريبة من القفلة. وقف يطلق النيران بدون متراس ووقتها شده الشيخ للجلوس، فرد عليه: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
في عام 1964، خرج الزبيري إلى خمر لطلب دخول جيش من حاشد لفك الحصار عن صنعاء وبالفعل دخلوا صنعاء بجيش كبير من حاشد والقاضي الزبيري في مقدمتهم ثم خرجوا إلى سنحان مع مجاهد أبو شوارب لفك الطريق في شهر رمضان وقد حاولوا التفاهم مع أهل بلاد الروس وشرق سنحان. لكن الأمير عبد الله بن الحسن رفض الانسحاب من سيان قائلاً: "ما أخرج من سيان إلا علي ظهري". قُسم الجيش في ثلاثة اتجاهات.
هجموا فجراً على سيان والمناطق الشرقية. تقدم مجاهد أبو شوارب ومعه مجاميع عسكرية جمهورية، منهم الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان يقود دبابة، وحاصروا سيان من الجنوب، وما أن بدأ علي عبد الله صالح يرمي بالدبابة، حتى هرب عبد الله بن الحسن. أما الشيخ الأحمر وجيشه فقد تقدموا على بيت الشاطبي وفي اتجاه قرية سيان من الشرق لقطع الطريق على عبد الله بن الحسن، لكنه هرب باتجاه خولان. بعد ذلك، عادوا إلى بلاد الروس وتفاهموا مع أهلها وفتحوا الطريق من نقيل يسلح، وانتهى كل شيء في عام 1964م.
بعد عيد رمضان، جاء استنجاد من حجة حيث حاصرها الملكيون وطلب المشير السلال من الشيخ الأحمر أن يكمل "الجمالة" ويتوكل على الله إلى حجة، وبالفعل أخذ الشيخ جيشاً من سنحان وبلاد الروس واتجهوا نحو حجة، حيث فتحوا الطريق وفككوا الحصار. استمروا في القتال وتصفية مناطق حجة، وقد سقط فيها حوالي مئة شهيد.
يذكر الشيخ أن الرئيس جمال عبد الناصر زار صنعاء في نيسان (إبريل) 1964، بينما كانوا هم في حجة. عندما طُلب منه القدوم إلى صنعاء، رفض قائلاً: "لن أنزل من حجة والمعركة قائمة إذا أراد فليزورنا إلي حجة". كان هناك تنسيق بين القوات المصرية وقبيلة حاشد، إذ كان المصريون "لا يطمئنوا إلا في المعارك التي معهم فيها قبيلة حاشد".
أول منصب: وزير الداخلية
يكشف الشيخ عبد الله الأحمر في مذكراته عن عزوفه الكبير عن الانشغال بالقضايا السياسية في بداية الثورة. كان تركيزه منصباً بالكامل على الجانب الميداني والقتالي. يقول الشيخ: "أنا في الحقيقة كان لدي عزوف كبير عن الانشغال بالقضايا السياسية قبل أن تترسخ الثورة وينتهي العمل الميداني... ولم يكن عندي نزوع إلي العمل في المجال السياسي أو الاشتغال به أبداً". هذا التصريح يوضح طبيعة شخصيته كقائد عسكري ميداني في المقام الأول.على الرغم من هذا العزوف، تم إقناعه بتولي منصب سياسي. يذكر الشيخ أن "أبو الأحرار القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان... هم الذين دفعوني إلي هذا الميدان رغماً عني، وأقنعوني وأقنعوا الكثير من العناصر الذين كان دورهم مقتصراً علي الميدان من المشائخ والعسكريين". هذا يبرز الدور المحوري للمثقفين والسياسيين في توجيه القادة العسكريين نحو العمل السياسي.
كان هذا التعيين في منتصف عام 1964 حيث تولى الشيخ الأحمر منصب وزير الداخلية في حكومة حمود الجائفي. يصف الشيخ هذا المنصب بأنه "الوظيفة الشائكة والصعبة في ذلك الوقت لأن معظم الأمور الداخلية مرتبطة بها". ورغم دخوله هذا المجال السياسي، لم يترك العمل في الميدان القتالي أو العسكري، حيث واصل القيام بالدور الذي تحمله على عاتقه للدفاع عن الثورة، هو ورجاله وفي مقدمتهم العميد مجاهد أبوشوارب، والقادة الميدانيون من مشايخ حاشد.
يذكر الشيخ بعض هؤلاء القادة الذين قضوا نحبهم أو لا يزالون أحياء، مثل علي حميد جليدان وحمود عاطف والشيخ علي شويط وغيرهم. هذا يؤكد استمرارية دوره المزدوج كقائد عسكري ووزير ويعكس تفانيه في خدمة الثورة على كافة الأصعدة.
قبائل جمهورية وأخرى ملكية
تُبرز مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الدور المحوري للقبائل اليمنية في الصراع بين الجمهوريين والملكيين وتوضح أن قبائل حاشد كانت بمثابة العمود الفقري للجيش الثوري. يقول الشيخ: "كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم في المعارك هم جيش الثورة، لأنه لم يكن هناك جيش رسمي... فكانت قبائل حاشد هم جيش الدفاع عن الثورة مع من كان يشارك من القبائل الأخرى".
هذا يوضح الفراغ العسكري الذي خلفه انهيار الجيش الإمامي كما يبين كيف سدت القبائل هذا الفراغ. لم تكن حاشد وحدها في هذا الميدان، فقد شاركت قبائل أخرى من أصحاب المشايخ الجمهوريين منهم ذو محمد بقيادة العميد عبد الله دارس، وقبائل الحداء بقيادة المشايخ بيت القوسي وبيت البخيتي والشيخ سنان أبو لحوم ومن كان معه من قبائل نهم المجمهرين، والشيخ أحمد عبد ربه العواضي، والشيخ سالم الحميقاني، والشيخ أحمد ناصر الذهب ومن معهم من مشايخ البيضاء وغيرهم. لكن الشيخ يوضح أن هؤلاء "كانوا يأتون عندما تطلبهم الدولة للقتال في منطقة من المناطق لفترة معينة. أما حاشد فقد كانوا أشبه شيء بالجيش الرسمي جيش الدفاع المستمر الذي تحمل مسؤولية الدفاع عن الثورة".
كان الشعور بالمسؤولية تجاه الثورة متأصلاً لدى قبائل حاشد، مشايخ وأفراداً ويفسّر الشيخ هذا الشعور قائلاً: "وفعلاً كان الشعور لدي قبائل حاشد مشائخ وأفراداً أنهم مسؤولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم، وهذا الإحساس تولد لدي حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة".
هذا الإحساس العميق بالمسؤولية جعلهم في طليعة المدافعين عن الجمهورية. في المقابل، كان هذا الفهم موجوداً لدى بعض القبائل التي حاربت الثورة حيث كانوا يعتبرون أن "الثورة هي ثورة حاشد ولهذا كانوا يحاربونها علي أساس أنهم يحاربون حاشد أكثر مما يحاربون الجمهورية"، مما يوضح كيف أن الولاءات القبلية كانت تتداخل مع الولاءات السياسية.
كان يطلق على أفراد القبائل الذين قاتلوا مع الثورة، سواء من حاشد أو من القبائل الأخرى، اسم "الجيش الشعبي" وكانت الحكومة تزودهم بالدعم والسلاح، ولكن "بأشياء قليلة وإمكانيات بسيطة وخاصة في بداية الثورة".
ويذكر الشيخ أن حاشد في بداية الثورة "قاتلوا عدة أشهر بدون رواتب من الحكومة، وكان أهل كل قرية يتحملون نفق"، مما يدل على التضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه القبائل.
تُبرز هذه المذكرات بوضوح الدور المحوري الذي لعبه الشيخ الأحمر وقبائل حاشد في الدفاع عن الثورة وترسيخ الجمهورية، كما تكشف عن تعقيدات المشهد السياسي والقبلي في اليمن خلال تلك الفترة، حيث تداخلت الولاءات القبلية مع الأهداف الوطنية.
لقد كان الشيخ الأحمر شخصية متعددة الأوجه، قائدًا عسكريًا محنكًا وسياسيًا فذًا، لم يتردد في التضحية بوقته وجهده في سبيل وطنه وتظل مذكراته وثيقة تاريخية لا تقدر بثمن، تقدم دروساً مستفادة حول القيادة، الصمود، وأهمية الوحدة الوطنية في أوقات الأزمات، كما تُسهم في فهم أعمق لجذور الصراع وتطورات الثورة اليمنية.