
عربي
ما صُنع في يالطا في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، السوفييتية في حينه، بين الاتحاد السوفييتي وبريطانيا والولايات المتحدة، في فبراير/ شباط 1945، سينتهي هناك تقريباً أو في الجوار، أيّ في القرم. تفاصيل الأيام الماضية توحي بكثير على صعيد العلاقات الأميركية ـ الروسية، واستطراداً الروسية ـ الأطلسية. كان مفاجئاً في السياق توجيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعواته لأوكرانيا للتحرّك باتجاه استرداد أراضيها المحتلة، بما فيها القرم، تحت شعار أن "روسيا نمر من ورق". المفاجئ أن ترامب نفسه كان منذ أشهر متمسّكاً بفكرة تخلّي أوكرانيا عن القرم والأجزاء المحتلة من لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون. لم يستوعب الروس مواقف الرئيس الأميركي التي أتت في سياقات خرقهم أجواء بولندا ورومانيا وإستونيا، فيما يبقى مجهولاً ما إذا تورطوا أيضاً في خرق الأجواء الدنماركية والنرويجية.
تزامناً، نجحت أوكرانيا حتى الآن في إشعال أزمة طاقة في الأراضي الروسية عبر استهدافها مصافي ومحطات نفطية، خصوصاً في الجنوب الروسي مع قرب فصل الشتاء، بل حصلت كييف أيضاً على ضوء أخضر من ترامب يسمح لها باستهداف الأراضي الروسية بصواريخ أميركية، في حال هاجمت موسكو محطات الطاقة الأوكرانية. يُمكن ترجمة اندفاعة ترامب إلى دعم أوكرانيا في الإطار نفسه حين كان منتقداً لها ومدافعاً عن روسيا منذ أسابيع خلت، أي استنزاف وابتزاز الطرفين لجلبهما إلى طاولة مفاوضات، من أجل إنهاء الحرب، غير أنه يتوجّب هنا فهم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس بالشخص الذي يخضع، لا لأنه "قوي" و"جبار"، بل أيضاً لأنه تجاوز خطوطاً حمراء في حربه الأوكرانية، واضعاً سقوفاً عالية من الصعب التراجع عنها، وإلا عُدّ مهزوماً. تماماً كما أن استدعاء قوات كورية شمالية لتحرير أجزاء من مقاطعة كورسك الروسية من القوات الأوكرانية، يتوجّب وضعه في خانة انعدام القرار الروسي في رفع مستويات التعبئة داخل البلاد من جهة، وأيضاً من أجل الحفاظ على القوات الموجودة في المناطق الأوكرانية المحتلّة في مواقعها، لا استدعائها إلى مواقع متحرّكة، وكان ذلك من أجل تنظيم هجوم صيفي واسع فشل على أبواب بوكروفسك في دونيتسك، رغم التوغّل المُكلف في بلدات في دنيبروبتروفسك.
ومع أن بوتين باشر بتوجيه رسائل من قبيل أنه مستعدّ لتمديد معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت 3) عاماً إضافياً، بعد انتهاء مدتها في فبراير/ شباط المقبل، وأيّد فكرة ترامب في إنهاء تطوير الأسلحة البيولوجية، غير أنه لن يتمكّن من كسب المزيد من الوقت لمواصلة حربه. وقد يكون أيقن أن ترامب ليس بالحليف الذي يُمكن المراهنة عليه، مع تكرار الرئيس الأميركي بصورة شبه يومية دعوته إلى الهند والصين وأوروبا للتوقّف عن شراء النفط والغاز الروسيَّيَن "من أجل وقف حرب أوكرانيا". هنا المعضلة الكبرى، حين تسمع الكرملين يتحدّث عن ضيق اقتصادي أو أزمة اقتصادية، ولو وصفها بالصغيرة والطبيعية، لا بدّ من العودة إلى الثمانينيّات التي أدّى انخفاض أسعار النفط فيها إلى انهيار السوفييت في أواخر عقدهم. وامتدت الأزمة الاقتصادية إلى تسعينيّات مدمّرة، إلى درجة انعدمت فيها الطبقة الوسطى في روسيا وريثة السوفييت.
تلك الذكريات لا تقتصر على من عايشها، بل انتقلت إلى الأجيال التالية، تماماً مثلما يتطرّق بوتين إلى "ملهمه" بطرس الأكبر، الذي حكم منذ نحو ثلاثة قرون. الذاكرة البعيدة أقصوصة تصنع ذكرى. الذاكرة القريبة تجربة تدفع القلوب إلى التوجّس. لم يعد الاقتصاد الروسي قادراً على المواجهة مع تتالي العقوبات، ومع تراجع أسعار النفط الروسي في الصين والهند، كما أن قطع خطوط الغاز الروسية الممتدّة إلى أوروبا لم تعد مقتصرةً على زمن بوتين، بل أيضاً على خلفه، أي أن على الروس مستقبلاً التفاعل مع اقتصاد لا يشبه ذلك الحالي ولا السوفييتي. بوتين يُشعل إرهاصات أوروبا، على أن ينتهي كل شيء حيث بدأ، في القرم.

أخبار ذات صلة.

ستارمر المأزوم يبحث عن خلاصه في الهند
العين الإخبارية
منذ 8 دقائق

عاما إبادة غزة يهزّان صورة إسرائيل في الغرب
العربي الجديد
منذ 40 دقيقة

شمال سيناء شاهدة على عامين من حرب غزة
العربي الجديد
منذ 40 دقيقة