
عربي
تحاول العشرينية زهرة أوعلي إعادة ترتيب حياتها بعد تجربة قاسية إثر قرار والدها تزويجها برجل يكبرها بعشرين عاماً، لكنها لم تستطع تجاوز الآثار المدمّرة لهذا الزواج ونتائجه على مستقبلها بعد طلاقها. تقول الشابة المتحدرة من منطقة أوريكة جنوب مدينة مراكش لـ"العربي الجديد": "كنت في سن الـ16 حين أخبرتني والدتي أن أستعد للذهاب مع والدي إلى مراكش لطلب الإذن بالزواج من المحكمة. حينها أدركت أن حلمي بمتابعة دراستي كي أصبح أستاذة قد أجهض، لكن ما لم يخطر في بالي بعد الزواج من رجل يكبرني بعشرين عاماً أنني سأحمل خلال سنة واحدة لقب مطلقة، وأعود إلى بيت والدي الذي كان يعتقد بأنه بتزويجي يُخفف عبء نفقاتي عليه".
خلال السنوات الماضية تحوّل زواج القاصرات في المغرب إلى مصدر قلق لمنظمات حقوقية عدة بسبب تزايد عدد الفتيات المتزوجات قبل السن القانوني، وما يترتب على هذا النوع من الزواج من تبعات وآثار وخيمة على صعيد تمتع الأطفال بحقوقهم، وجعلهم أكثر عرضة للعنف البدني والنفسي والاستغلال الجنسي، خصوصا أن الفتيات يتحملن مسؤولية أكبر من سنهن، وعبئاً يفوق طاقتهن.
وأخيراً تحدث وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن تراجع كبير في عدد حالات زواج القاصرات، وأشار إلى 8 آلاف و955 حالة العام الماضي، في مقابل 26 ألفا و298 حالة عام 2017، أي بنسبة 65%.
وفي وقت تواصل فعّاليات سياسية وحقوقية ممارسة ضغوط في معركتها من أجل تعديل مواد قانون الأسرة التي تمنح الاستثناء لتزويج القاصر، تشكل الأرقام الرسمية المعلنة أخيراً، نقطة تحوّل في معركة محاصرة ظاهرة زواج القاصرات، إذ تظهر أنها تنخفض سنة بعد أخرى.
وفيما لم تنجح مدونة الأسرة منذ تعديلها عام 2004، في محاصرة زواج القاصرات رغم أنها رفعت سن الزواج إلى 18، تكشف الأرقام الجديدة أن الوضع بدأ يتغيّر، خاصة بعدما أكد وهبي أمام البرلمان أن الجهود التي بذلتها الوزارة بالتعاون مع قطاعات حكومية ومنظمات للمجتمع المدني بدأت تعطي ثمارها.
وأكد وهبي أن مدونة الأسرة وضعت مسطرة قانونية دقيقة لتقنين زواج من هم دون سن الـ18، من أجل حماية الفتيات والفتيان من أي استغلال قد يضرّ بمصالحهم، ولضمان صيانة حقوقهم الأساسية. وأكد أن وزارة العدل أولت اهتماماً خاصاً بزواج القاصرات منذ أن صدرت مدونة الأسرة، واتخذت تدابير عدة لتفعيل القوانية المتعلقة بزواج فتيات دون سن الأهلية، ومن بينها توجيه منشورات لقضاة الأسرة كي يحرصوا على تطبيق القوانين في شكل سليم.
ويستند قضاة الأسرة في المغرب في منح الإذن بزواج قاصرات وقاصرين إلى المادة 20 من مدونة الأسرة التي تتيح لهم منح الإذن بزواج فتى أو فتاة دون السن، وذلك بقرار يُعلّل بوجود مصلحة وأسباب مبررة بعد الاستماع إلى والدي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بطبيب يؤكد القدرة على الزواج، أو إجراء بحث اجتماعي.
يقول الناشط الحقوقي بوبكر أونغير لـ"العربي الجديد" إن "تراجع تزويج القاصرات في المغرب يعود إلى أسباب عدة، منها وجود تشديد قانوني على التزويج الذي أصبح شبه مستحيل في القضاء المغربي ومجرّما قانونياً، ونمو الوعي القانوني لدى المغاربة، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية التي تسببت في تراجع الزواج بشكل كبير في البلاد ورفعت نسب الطلاق".
ويرى أونغير أن "الحدّ من ظاهرة زواج القاصرات يتطلب تشديد العقوبات القانونية، وتكثيف التعبئة المجتمعية بمشاركة المجتمع المدني وجميع الفاعلين، مثل السلطات القضائية والمعنيين بالموضوع وخطباء المساجد والتجمعات الدينية التي تلعب دوراً مهماً في التوعية. ونطالب الجميع بتكثيف الجهود التي تفضي إلى تراجع زواج القاصرات، والعمل لتمكين الفتيات من الدراسة ومحاربة التسرب من أجل تقليص هذه الظاهرة المشينة".
وترى رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء في المغرب (غير الحكومية) سميرة موحيا، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "تراجع حالات زواج القاصرات يرتبط بتزايد الوعي بخطورة التزويج القسري للطفلات لدى القائمين على قبول طلبات التزويج، وذلك بفضل عمل ونضال الحركة النسائية والحركة الحقوقية، وأيضاً بوجود تقييد أكثر لطلبات إذن الزواج جراء وجود مراقبة ومتابعة كبيرتين من طرف الجمعيات التي تعمل في المجال، وتستقبل نساء وفتيات يعانين من هذا النوع من الزواج". تضيف: "رغم تنامي الوعي بخطورة زواج القاصرات وتسجيل تراجع في عدد حالاته، نؤكد ضرورة إلغاء تزويج الطفلات وتحديد سن 18 لأهلية الزواج باعتبار أن الزواج هو إنشاء أسرة والسهر عليها وإدارتها، ويتطلب عطاءً مادياً ومعنوياً من الطرفين ووعياً بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهما".
وتلفت إلى أنه "رغم تراجع زواج القاصرات في المجال الحضري، لكنه لا يزال حاضراً في المناطق القروية والجبلية. ونرفض تبرير هذا النوع من الزواج بأسباب اقتصادية واجتماعية، لأن تنمية القرى والبوادي والمناطق الجبلية مسؤولية الدولة والحكومة. ولا يمكن أن تدفع الطفلات ثمن تقاعس الحكومة أو السلطات أو الجماعات عن تنمية هذه المناطق، لذا يجب أن يتحلى السياسيون وصانعو القرار بالشجاعة والجرأة لوضع قانون أسري يتلاءم مع الواقع الذي تعيشه الفتيات والنساء المغربيات وينسجم مع الدستور والالتزامات الدولية، فضلاً عن تنمية المجال القروي والمناطق الجبلية".
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية) اعتبر في رأي أصدره في فبراير/ شباط 2024 بعنوان "زواج الطفلات وتأثيراته الضارّة على وضعهن الاقتصادي والاجتماعي"، أن "تزويج الفتيات ينتهك حقوق الطفل وهو تمييز مبني على الجنس يتسبب أيضاً في إقصائهن من التعليم ويحرمهن من الاستفادة من الفرص الاقتصادية، ويعرضهن للعنف الأسري والزوجي والجنسي واللفظي الذي يؤثر سلباً على صحتهن النفسية".
وأوصى المجلس بتتبع وتقييم التقدم الذي حققه القضاء في التصدي لظاهرة تزويج الطفلات، ووضع نظام معلوماتي ينسجم مع حقوق الطفل ومصلحته وأهداف التنمية المستدامة، وتقديم السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة تقارير للجان المعنية بمجلسي البرلمان حول تطوير وتيرة تزويج الطفلات والتدابير المتخذة في إطار السياسات العمومية ذات الصلة للحدّ من أسبابه.
