كلّ هذا التحريض
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
لم يكن اعتلاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عادياً هذا العام. لا من ناحية مضمون الخطاب الذي ألقاه أمام قادة العالم، ولا المدّة التي استغرقها، ولا حتى الشكل ولغة الجسد التي رافقت كلماته، والتي تنم كلّها عن ازدراء لكلّ ما هو غير أميركي في القاعة. منذ ما قبل انعقاد الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى القادة، كان الرئيس الأميركي يتصرّف وكأنه مستضيف هذا التجمّع، متناسياً الاتفاق الذي على أساسه احتضنت الولايات المتحدة مقر الأمم المتحدة في نيويورك. أصدر أوامر لإدارته بحجب تأشيراتٍ عمن لا يرغب بوجودهم، وجاء في مقدمة القائمة الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، رغم أن القضية الأساس المطروحة أمام الأمم المتحدة هي الوضع في قطاع غزّة في ظل العدوان الإسرائيلي المتصاعد، وما رافق ذلك من تبدّل للرأي العام العالمي، تجلى في موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، والتي يرفضها ترامب ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ومن الواضح أن الاثنين لم يرغبا في مزيد من تسليط الضوء على هذه الاعترافات بوجود رئيس "الدولة الجديدة"، والتي استغلّ ترامب خطابه أمام العالم للتحريض ضد الاعتراف بها، باعتباره "مكافأة على الفظاعات"، والتي لم يحدّدها، ولكنه تجاهل الفظاعات المرتكبة من دولة الاحتلال، متّهماً حركة حماس برفض "العروض المعقولة" لوقف الحرب في قطاع غزّة. لم يتوقف التحريض في الكلمة على فلسطين و"دولتها"، فالخطاب الذي استمر أكثر من 55 دقيقة حمل كماً هائلاً من التعالي والسخرية من كلّ السياسات الأممية التي لا تتوافق مع التوجّهات الأميركية التي حملها ترامب إلى البيت الأبيض. وكان النصيب الأكبر من السخرية والتحريض ضد سياسات الهجرة والمهاجرين، متفاخراً بالسياسات الأميركية التي تمنع تدفق المهاجرين، سواء الشرعيين أو غير الشرعيين، إلى البلاد، داعياً الدول الغربية إلى السير على خطى الولايات المتحدة. ولم يخف الرئيس الأميركي الخلفية الدينية التي على أساسها يجب أن تمضي سياسات مكافحة الهجرة، إذ اعتبر أن "من حقّ الدول وقف تدفق المهاجرين بسبب ما يجلبونه من عادات وتقاليد وديانات أخرى إليها". وضرب ترامب مثالاً على ذلك بالوضع في لندن، والتي قال إنها "تغيّرت كثيراً وستعتمد قريباً الشريعة الإسلامية بسبب عمدتها الفظيع"، في إشارة إلى صادق خان الذي قاطع حفل العشاء الذي أقيم على شرف الرئيس الأميركي في القصر الملكي البريطاني خلال زيارته لندن، اعتراضاً على السياسات اليمينية التي يعتمدها ترامب في ما يخصّ المهاجرين ودعمه إسرائيل. وربما تكون بريطانيا مثالاً معاكساً على ما يريد ترامب الإشارة إليه في ما يتعلق بالهجرة، فتوجّه حزب المحافظين في بريطانيا قبل عشرة أعوام كان مماثلاً لسياسات ترامب، وطُبق في "بريكسيت" الذي خرجت البلاد بموجبه من الاتحاد الأوروبي، ومعه غادر آلاف العمال الأوروبيين الأراضي الإنكليزية، وهو ما انعكس، بشكل مباشر، على اليد العاملة في البلاد التي لا تزال تعاني من نقصٍ في الحرفيين والعمّال. والحديث هنا يقتصر على مغادرة أوروبيين، من دون التطرّق إلى الجنسيات الأخرى الأفريقية والآسيوية، والتي سيؤدّي خروجها، أو إخراجها كما يريد ترامب، إلى انهيار الاقتصاد البريطاني. والأمر لن يختلف كثيراً في الولايات المتحدة، والتي يشكّل المهاجرون، القدماء والجدد، عصب قوتها الاقتصادية. وبالعودة إلى الخطاب، لم ينس ترامب مهاجمة الأمم المتحدة ومؤسّساتها باعتبارها أولاً تساهم في "تمويل هجوم على الغرب" عبر دعم الهجرة غير النظامية، وثانياً تروج "أكاذيب"، في مقدّمتها قضية الاحتباس الحراري التي يعتبرها ترامب "خدعة كبرى"، فبرأيه التغير المناخي "أكبر عملية احتيال دبّرت في العالم، وبصمة الكربون خدعة ابتدعها أشخاصٌ ذوو نيات شرّيرة يسعون إلى دمار كامل". لم يكن خطاب ترامب مليئاً بالتحريض فقط، بل أيضاً بالأكاذيب والخداع والتعالي والازدراء للعالم، والذي لا يزال علينا أن نتعايش معه أكثر من ثلاث سنوات أخرى.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية