
عربي
بعد سنوات من الغربة عاد شبان سوريون إلى البلاد حاملين خبرات ومهارات اكتسبوها بعيداً عن مدنهم وبلداتهم المهدمة، بينما فضل آخرون البقاء في الخارج تاركين خلفهم وطناً يملأه الحنين والأسئلة.
يؤكد عمر القادري، وهو شاب في العقد الثالث من العمر أمضى ثماني سنوات في ألمانيا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العودة لم تكن سهلة، لكنه شعر بأن مسؤوليته تجاه وطنه أكبر من أي اعتبار شخصي، ويقول: "رؤية المدن التي عشنا فيها مهدمة، ورغبة الناس في التغيير، جعلاني أقرر العودة وبدء مشروع لإعادة تأهيل مبانِ متضررة في حيّنا".
في المقابل، ليست العودة خياراً لميسون شحود، وهي صحافية درست وعملت في فرنسا، وتقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بأن جزءاً من حياتي أصبح خارج وطني حيث كل شيء يختلف، والعودة الآن تعني التخلي عن حياتي ومستقبلي". وتمثل ميسون بالتالي شريحة الشباب التي تفضل البقاء في الغربة، مستفيدة من الفرص العملية والاجتماعية التي توفرها لهم، بينما يظل الوطن شعوراً عاطفياً في القلب.
وبين الرغبة والرفض، يقف الشاب العشريني خلدون عبد الرحمن الذي عاش خمس سنوات في الإمارات حائراً، ويقول لـ"العربي الجديد": "يميل قلبي إلى العودة لكنني أخشى من صعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة في الداخل". يضيف: "أريد العودة لكنني أخشى أن أشعر بأن حياتي توقفت هنا". وهكذا يمثل خلدون تجربة شريحة واسعة من الشباب يعيشون بين الانتماء للوطن والاعتياد على الحياة في الخارج، ويحملون معهم الأسئلة بلا أجوبة واضحة.
وتكشف تجارب هؤلاء الشباب التحديات الكبيرة في تحقيق الاندماج الاجتماعي أو الاقتصادي بعد الغربة في الخارج، لذا يرى خبراء اجتماعيون أن العودة ليست مجرد قرار شخصي، بل عملية نفسية واجتماعية معقدة.
وتقول الدكتورة فاطمة يوسف، الأستاذة في علم الاجتماع، لـ"العربي الجديد": "تتطلب العودة إلى الوطن إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة، وهو أمر يحتاج إلى وقت وجهود مشتركة. يمكن أن يشكل الشبان العائدون قوة دافعة في إعادة البناء شرط توفير بيئة داعمة تشمل فرص عمل مناسبة وبرامج تعليمية، لكن التحديات النفسية والاقتصادية كبيرة، حيث يعاني العديد منهم من صدمات نفسية نتيجة سنوات اللجوء، وأيضاً من صعوبات في التكيّف مع الواقع الاقتصادي في الداخل".
وتتحدث عن أنه "رغم أن بعض الشبان يرغبون في العودة فهم يواجهون تحديات كبيرة في التأقلم مع الواقع السوري بسبب الأوضاع الاقتصادية والخدماتية الصعبة. ويجعل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية ونقص فرص العمل الحياة اليومية عبئاً على العائدين. وتعاني الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء والمواصلات من خلل مستمر، ما يزيد صعوبة إعادة الانخراط في المجتمع. هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية تدفع الكثير من الشبان إلى التفكير ملياً قبل العودة، لأنها تشكل تحدياً لهم في تطبيق خبراتهم ومهاراتهم في مشاريع تنموية أو في سوق العمل المحلي، ما يجعل من الاندماج عملية تحتاج إلى صبر ودعم حقيقي".
وعموماً يعتبر الاندماج الاجتماعي في سورية بعد سنوات الحرب واللجوء عملية معقدة تتطلب جهوداً مشتركة من جميع الأطراف. ويمثل توفير بيئة نفسية داعمة وبرامج تعليمية وفرص عمل للشباب العائدين خطوة أساسية نحو تحويل العودة من تجربة صعبة إلى فرصة لبناء مستقبل أفضل للشباب ووطنهم على حد سواء.
وبعد سنوات من الحرب التي دفعت ملايين السوريين إلى الغربة بحثاً عن الأمان والعمل والدراسة، تشير إحصاءات إلى أن عدد اللاجئين في دول الجوار وحدها يصل إلى نحو 4.5 ملايين، يتوزعون بين تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. وتستضيف تركيا وحدها أكثر من 2.8 مليون لاجئ سوري يشكل الشباب نسبة كبيرة منهم، في حين يعيش في ألمانيا نحو 1.28 مليون سوري، ويشكل الشباب شريحة فعّالة في مجتمعها. وفي السويد يصل عدد السوريين إلى نحو 197 ألفاً معظمهم من الشباب الطامحين لإكمال تعليمهم أو البحث عن فرص عمل.
ورغم هذه الهجرة الواسعة، بدأت بعض الدول المضيفة في تسهيل العودة الطوعية، وسجل لبنان نحو 191 ألف عودة طوعية للاجئين السوريين حتى منتصف العام الحالي. وتعكس هذه الأرقام حجم التحدي أمام الشباب العائدين الذين يجدون أنفسهم أمام واقع اقتصادي واجتماعي مختلف يحتاج إلى وقت وبذل جهود كبيرة للاندماج.
