عندما يتحاور الإعلاميون
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
لقائلٍ أن يقول إنه لا نفع ملموساً من جمع مئات أو عشرات من الإعلاميين في ملتقىً بجلساتٍ عديدةٍ يتداولون فيها شؤون مهنتهم وراهنها، أو يُنصتون إلى خبراء سياسيين ويحاورونهم في أسئلة الحاضر والمستقبل، لأن طابع هذه المنتديات أنها مكثّفة، والنقاشُ فيها يتعلّق بآراء وتصوّراتٍ واجتهاداتٍ، فليست مؤتمرات بحثٍ ودرْسٍ بأوراقٍ ذات سمْت أكاديمي. وتُرمى هذه المنتديات بالارتجاليّة، وبأنها مناسباتُ علاقاتٍ عامّة بلا رؤى تنبني عليها استراتيجياتٌ أو خططٌ أو منهجيات عمل. وأياً تكن مقادير الصحّة، جزئياً، في هذا الكلام، فإنها لا تخصم من القيمة الخاصّة لهذه التظاهرات، فلم يكن أهل الإعلام يوماً مدرسيين، فقطاعهم خدمي، في وصفٍ جائز له، وسريع التطوّر، وتتغيّر أدوات عملهم وأساليبه وأنماط العمل فيه. ولهذا، يصبح من طبيعي الأمور أن تتخفّف مداولاتهم، إذا ما احتشدوا، مما يُنتظر من جمعٍ أكاديمي. والأهم أن لقاء أصحاب هذه المهنة، بحدّ ذاته، أمرٌ محمود، سيما إذا اتصف جمعُهم في أي منتدىً بتنوّع خبراتهم ومشاغلهم، وإذا كانوا من أجيالٍ شابّةٍ وأخرى مخضرمة، وإذا جنحت القضايا التي يقلّبونها إلى ما هو سياسي وتقني واجتماعي واقتصادي، فلا تنحصر بالمهني المحض. مناسبة إثارة هذه التوطئة انعقاد ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في دورته الثالثة في عمّان، الأحد والاثنين الماضيين، بتنظيم مركز حرية وحماية الصحفيين، ومؤسّسه نضال منصور، في 33 جلسة حوارية، طرح فيها 98 متحدّثاً من الأردن وعدة دول عربية وأجنبية تصوّراتهم واجتهاداتهم، بحضور ومشاركة 759 من أهل الإعلام والصحافة وتقنيات الميديا والتواصل، وباستضافة شخصياتٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ معنية بالشأن العام. وكان عظيم الأهمية أن يقرأ كلُّ هذا الحشد أسماء كل الشهداء الصحفيين والمصوّرين الفلسطينيين في غزّة على شاشة كبرى في جلسة الافتتاح. وكان مهمّاً أن يسمع الجميع من الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، أنطوني بيلاني، في الجلسة نفسها، رفض الطغيان والمجازر في فلسطين. وكان مهمّاً أن سورية ضيف الشرف لدورة المنتدى هذه، وقد استضيف من شبابها صحفيون وصحفياتٌ تحدّثوا عن المشهد الإعلامي الراهن في بلدهم، وصعوبات عملهم، كذلك استضيف من أهل الخبرة والدراية في مسألة العدالة الانتقالية من تحدّثوا عن انعطافة سورية المنهكة من حالٍ إلى حال. الظاهرة الأدعى إلى التفكّر أن من أتيح له متابعة ملتقياتٍ إعلاميةٍ عديدةٍ في دبي والدوحة وبيروت، مثلاً، قبل نحو 15 عاماً (وبعدها قليلاً وقبلها قليلاً)، سيلاحظ تدافعاً كبيراً لجيلٍ متجدّد من الشباب والشباب أصحاب اقتراحات مختلفة ومشاغل أخرى وأسئلة مغايرة بعيدة كثيراً عما كانت تلك المنتديات تتداول فيها، بل إنك لا تكاد ترى من ذلك الجيل الذي انسحب من صدارة المشهد الصحفي (أو التواصلي؟) العربي، ويمكن الزّعم إن تقدّم الأسماء المصرية واللبنانية، سيما المخضرمة، لم يعد قائماً. وإذ عاين صاحب هذه الكلمات في أثناء ملتقى عمّان هذا الحال، فإنه استشعر في باله شيئاً من الحرج، إذ يبرَع الجيل الشاب في طرح القضايا والأسئلة بكيفيّات عملية وجذّابة، ومدهشة أحياناً، لكن ما يُؤسَف له أن فرص هذا الجيل، وإنْ باتت في الفضاءات والوسائط الرقمية أكثر، محدودة، أو ليست على ذلك الزخم الذي كان سابقاً، إبّان تنافس الصحف الورقية، بل والفضائيات العربية أيضاً على الكفاءات المهنية، وقبل أن يعرف المشهد السياسي العربي اصطفافاتٍ حادّة وأوضاعاً انقلابية عما كانت عليه سابقاً. اكترث ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال بجديد هذه الأسئلة التي تطرح تحدّياتٍ متسارعةٍ على كل من يعمل في مهنة الإعلام حالياً، فتداول أهل اختصاصٍ وخبرةٍ في عدّة جلسات في "التحدّيات القانونية في الفضاء الرقمي"، وتخيّل "فضائيات المستقبل في ظل الذكاء الاصطناعي" واكتساح "البودكاست" ما إذا كان فنّاً جديداً أو موضة، ونوقشت أيضاً قضية "الترند على حساب المصداقية" في منصّات التواصل، والتفت الملتقى إلى قضايا العدالة المناخية، وإلى مسألة صانعي المحتوى في الأزمات والحروب. وقد بدا لكثيرين، محقّين ربما، أن سؤال مستقبل الصحافة الورقية، وقد ناقشتْه أولى جلسات الملتقى (بمشاركة كاتب هذه السطور) صار مستهلكاً ربما. ... وليس غرض هذه المقالة بسط الموضوعات التي زادت على الثلاثين (منها الصحافة في خطّ المواجهة والصحافة الخليجية والإعلام في خدمة المجتمع المدني)، وإنما هي الإشارة إلى زمنٍ يتغيّر، وإلى أن أنماط الأداء الإعلامي والتواصلي تفرض على القائمين عليه والعاملين فيه تجدّد قدراتهم أولاً بأول، وتثمير إمكاناتهم... والحديث في هذا طويل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية