
عربي
أعلن إغلاق سلسلة متاجر كارفور البحرين عن انتهاء مرحلة من 17 عاماً في المملكة، حيث توقفت العمليات التجارية للعلامة الفرنسية فجأة يوم 14 سبتمبر/أيلول الجاري، ضمن موجة أوسع من الانسحابات المتسارعة، على وقع استجابة كبيرة لدعوات مقاطعة العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، شملت أيضاً سلطنة عمان في يناير/كانون الثاني الماضي، والأردن في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والكويت 16 سبتمبر/أيلول الجاري.
يمثل هذا التحول استراتيجية جديدة تديرها مجموعة ماجد الفطيم الإماراتية، المشغل الحصري لكارفور في الشرق الأوسط منذ 1995، والتي أصبحت المالك الوحيد لعمليات كارفور في المنطقة عام 2013 بعد شراء حصة الشراكة البالغة 25% من الشركة الفرنسية مقابل 530 مليون يورو، حيث استبدلت مؤخراً علامة كارفور بعلامتها التجارية الجديدة هايبر ماكس في جميع الأسواق التي انسحبت منها.
وعلى صعيد التوظيف، لم تصدر المجموعة أرقاماً محددة حول تأثر العمالة في البحرين، لكن بيانات تقرير لمنصة عالم المال تشير إلى تحول سلس، حيث افتتحت "هايبر ماكس" ستة متاجر في البحرين في اليوم التالي لإغلاق كارفور مباشرة، مع تشغيل أكثر من 1600 موظف وإطلاق منصة تجارة إلكترونية متكاملة.
تحول استراتيجي
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ "العربي الجديد"، إلى أن إغلاق جميع فروع كارفور في البحرين في منتصف سبتمبر الجاري يعكس تحولاً استراتيجياً في نموذج التوزيع، إذ يحتمل أن تكون العلامة التجارية المحلية الجديدة أكثر تكيفاً مع السوق البحرينية مقارنة بكارفور، التي تُعد شبكة عالمية ذات هيكلية ثقيلة وتكاليف تشغيل مرتفعة.
كما أن توقف كارفور عن النشاط فجأة قد يكون ناتجاً من عوامل داخلية تتعلق بوضع الشركة نفسه أو استجابة لضغوط السوق، مثل الرغبة في خفض أسعار المنتجات، خاصة مع تزايد الطلب على السلع المحلية وتخفيض الاعتماد على الواردات الأجنبية، حسب تقدير درويش، مشيراً إلى أن الشركة كانت تعتمد على توزيع منتجات خارجية متنوعة، لكن التحول الجديد قد يركز على منتجات محلية أو إقليمية، ما يقلل من تنوع الخيارات أمام المستهلك، لكنه يخفض التكاليف ويعزز السيولة المحلية.
وهنا يلفت درويش إلى أن انخفاض قيمة الدولار مؤخراً، الذي يرتبط مباشرة بأسعار السلع في الخليج، أدى إلى تراجع القوة الشرائية، خاصة مع ارتفاع كبير في أسعار الذهب، وهو مؤشر رئيسي على تراجع قيمة الدولار، معتبراً أن هذا التحول يدل على وجود رغبة صريحة لدى الموزعين لخفض الأسعار.
ويرى درويش أن هذه الرغبة قد تترافق مع تقليل الاعتماد على السلع المستوردة، واستبدالها ببدائل محلية أو إقليمية ذات جودة مشابهة وسعر تنافسي، مما يعيد تشكيل الرفوف التجارية في السوق البحرينية.
وبالنسبة لمستقبل الموظفين في كارفور البحرين، يتوقع درويش أن يتم تحويل أغلبية العاملين في فروع كارفور إلى العلامة التجارية الجديدة، خاصة في الفئات المتوسطة والدنيا، حيث تعتبر تكاليفهم التشغيلية أقل، ما يسهل الحفاظ على وظائفهم ضمن هيكلية جديدة.
أما الموظفون في الفئة الإدارية العليا، فيتوقع درويش أن تشملهم عمليات "إعادة هيكلة"، لأن رواتبهم تشكل عبئاً على التكاليف، واصفاً ذلك بأنه "نمط شائع في الشركات عند التحول أو التغيير البنيوي".
تشكيل جديد لأسواق التجزئة
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، رئيس المركز الدولي للدراسات التنموية، مصطفى يوسف، لـ "العربي الجديد"، إلى أن توقف نشاط كارفور في البحرين خطوة تعيد تشكيل خريطة توزيع التجزئة في سوق صغيرة، لكنها حساسة سياسياً واقتصادياً، لافتاً إلى أن العاملين المحليين في الفروع المغلقة ربما يواجهون "صعوبات مؤقتة" حتى يجدوا بدائل في قطاعات التجزئة الأخرى.
فالسوق البحرينية ليست صغيرة فقط، بل توجهها، حسبما يرى يوسف، ديناميكيات تتجاوز المعايير الاقتصادية التقليدية، حيث تُستبعد العلامات العالمية التي تُربط بدعم سياسي أو إعلامي للعدوان الإسرائيلي على فلسطين.
وهذا التوجه لا يعد مجرد مقاطعة اقتصادية، بل هو إعادة توجيه استراتيجي لصالح الشركات المحلية، التي لا تدخل في لعبة السياسة الدولية، وتعتبر خياراً آمناً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، حسب تقدير يوسف، الذي يرجح أن تسيطر مجموعة بحرينية محلية على حصة كارفور العالمية وتُعيد تعيين موظفيها وتحافظ على مواقعها، لكن تحت علامة تجارية جديدة تحمل طابعاً وطنياً.
ومن شأن ذلك أن يبعد العلامة التجارية الجديدة عن أي ارتباط مع علامات عالمية ارتبطت بدعم إسرائيل، مثل ستاربكس أو بيتزا هت أو برغر كينغ، حسب يوسف، مبيناً أن تلك العلامات التجارية العالمية باتت في مرمى مقاطعات مماثلة في دول عربية أخرى.
وهنا يلفت يوسف إلى أن التجربة في مصر تظهر نموذجاً مماثلاً، فعندما انسحبت العلامات العالمية الداعمة للاحتلال، استُبدلت بشركات محلية مثل منصور والمغربي أو مؤمن أو كوكدور، وتم نقل العمالة والبنية التحتية دون انقطاع، لأن الطلب على السلع الأساسية لا يتوقف، بل يتحول مسار توزيعه.
وإزاء ذلك، يتوقع يوسف أن يتأثر العاملون في فروع كارفور بالبحرين لفترة قصيرة فقط، لأن المخزون والمساحات والأنظمة اللوجستية موجودة، والطلب على المنتجات لا يزال قائماً، وكل ما تحتاج إليه السوق هو إعادة تسمية وتعديل الهوية، لا إعادة بناء.

أخبار ذات صلة.

مستقبل اقتصاد إسرائيل بعيداً عن دعم أوروبا
العربي الجديد
منذ 44 دقيقة

عندما تتوقّف الحرب في مقبرة الغزاة
العربي الجديد
منذ 52 دقيقة

سؤال إلى فتح وحماس: ما خطّتكم الآن؟
العربي الجديد
منذ 52 دقيقة

لماذا أخفق حراك تشرين العراقي؟
العربي الجديد
منذ 53 دقيقة