
عربي
دق استيلاء الرئيس دونالد ترامب على السلطة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي أجراس الإنذار في عالم السياسة النقدية، لكن ليس في زاوية سوق السندات حيث كان من الممكن أن يظهر أثر مباشر. فالمستثمرون لا يُسعّرون تضخماً أعلى في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الخبراء يرون أن تقويض استقلالية البنك المركزي قد يشكل خطراً كبيراً.
وتراجعت المقاييس السوقية للضغوط السعرية عن ذروتها في يوليو/تموز، واستقرت تقريباً عند متوسطها خلال العامين الماضيين، فيما تبقى المؤشرات متوسطة وطويلة الأجل قريبة من هدف الفيدرالي البالغ 2%، وفق ما ذكرته وكالة بلومبيرغ.
جاء ذلك رغم خطوات غير مسبوقة من الإدارة الأميركية لكسب نفوذ على أسعار الفائدة. فقد صعّد ترامب معركته لإقالة أحد حكام الفيدرالي إلى المحكمة العليا، بعد أشهر من مطالبته بخفض تكاليف الاقتراض وتلميحه إلى إمكانية إقالة الرئيس جيروم باول. كما دعا فريقه إلى إصلاح شامل للبنك المركزي واقترح أن يساهم الفيدرالي في خفض تكاليف الدين الحكومي، وهو أمر خارج نطاق صلاحياته. ورغم أن المستثمرين بدوا متوترين في قضايا أخرى مثل الرسوم الجمركية، لم يظهر اضطراب مشابه في ملف الفيدرالي، حيث يبدو أن الثقة بقدرة المصرفيين المركزيين على إبقاء الأسعار مستقرة ما زالت قائمة.
تخدير الأسواق
في السياق، يقول رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في "آر بي سي كابيتال ماركتس" بليك غوين لوكالة بلومبيرغ: "بالنسبة للأسواق، ربما لا يكفي الحديث النظري عن معنى استقلالية الفيدرالي". ويضيف: "أصبح الناس نوعاً ما مخدّرين تجاه كل ذلك، وكأنهم ينتظرون رؤية الأمر فعلاً. وفي حالة الفيدرالي، يعني ذلك قرارات إشكالية من وجهة نظر التضخم على المدى الطويل". كما أن الفيدرالي خفّض الأسبوع الماضي الفائدة للمرة الأولى في عام 2025، لكنه أكد أنه واعٍ لمخاطر التضخم وسيتقدم بحذر. أما أحدث المعينين من ترامب، ستيفن ميران، الذي يدعو للتحرك بسرعة أكبر، فلا يزال حالة شاذة.
وفي السياق نفسه، لا توجد مؤشرات قوية على أن المستهلكين الأميركيين يخشون دوامة أسعار. ففي استطلاع أجراه فرع نيويورك للفيدرالي ونقلته "بلومبيرغ"، استقرت توقعات التضخم لثلاث وخمس سنوات مقبلة عند نحو 3% منذ أشهر. وفي سوق السندات، يقف مقياس التضخم لخمس سنوات بعد نصف عقد عند نحو 2.3%، وهو قريب من قراءة الفيدرالي نفسه.
بدوره، يقول الاقتصادي في "معهد أندرسن" ونائب المدير السابق في قسم الشؤون النقدية بالفيدرالي جيمس كلوز، إن "استقرار توقعات التضخم يوحي بأن المستثمرين يعتقدون أن عملية أكثر طبيعية في إدارة السياسة النقدية ستسود رغم الضجيج، لكنه يصف هدوء السوق بأنه نوع من اللغز".
والحجة الأساسية لاستقلالية البنوك المركزية، بناءً على الدراسات العالمية، هي أنها تؤدي إلى تضخم أقل. وغالباً ما تظهر الأسواق الناشئة كقصص تحذيرية حين تؤدي الهجمات السياسية إلى ارتفاع حاد في توقعات الأسعار. إلا أن ما إذا كان هذا السيناريو يمكن أن يحدث في أكبر اقتصاد بالعالم، يبقى السؤال الجديد الذي تحاول الأسواق استيعابه. بينما تيم ماغنوسون، مدير الاستثمار في غاردا كابيتال بارتنرز يصرح لـ"بلومبيرغ": "أنا، مثل كثيرين آخرين، لا أشتري هذه الفرضية: لا أعتقد أننا سنسلك هذا الطريق". مع ذلك، هناك مؤشرات على قلق طفيف لدى المستثمرين من احتمال انفلات التضخم في ظل فيدرالي مُسيّس.
فجزء من انحدار منحنى العائد بين السندات طويلة الأجل والأقصر أجلاً يُعزى إلى هذه المخاوف، إضافة إلى عوامل أخرى مثل العجز التاريخي في الميزانية الأميركية. كما ارتفع التحوّط من التعرض للدولار هذا العام، ما دفع تدفقات قياسية نحو أصول في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة خارج الولايات المتحدة. لكن نظراً لمحدودية البدائل أمام المستثمرين بعيداً عن سندات الخزانة الأميركية، يبقى تبنّي وجهة نظر مخالفة – بأن الفيدرالي سيرضخ للضغط السياسي – خطوة مكلفة.
الأسواق تسعّر "ما تعرفه"
بالتوازي، يقول المدير الإداري في "تي إس لومبارد" ستيفن بليتز، إن "الأسواق ببساطة تسعّر ما تعرفه، وما تعرفه هو افتراض أن الأمور ستستمر في العمل مستقبلاً كما كانت في الماضي". ويصعب عزل أثر الضغط السياسي عن قرارات الفيدرالي، خاصة مع ضعف سوق العمل الذي يدفع البنك المركزي لخفض الفائدة أصلاً – حتى وإن لم يكن بالمستوى الذي يريده ترامب.
ما ينتظر الأسواق
طالما أن الأسواق تعمل وفق قاعدة "الرؤية هي التصديق"، فقد لا تقلق إلا عند حدوث تحول أكثر وضوحاً في نهج الفيدرالي، ربما بعد أن يعيّن ترامب خليفة لباول، الذي تنتهي ولايته في مايو. وإذا تسارع التضخم مع إصرار رئيس جديد على خفض الفائدة، فقد يؤدي ذلك إلى انحدار المنحنى وارتفاع توقعات الأسعار بشكل حاد. في السياق نفسه، يقول مارك سبيندل، مدير الاستثمار في "بوتوماك ريفر كابيتال": "غالباً ما تكون السرعة وليس الاتجاه هي ما تحدد سلوك الأسواق".
وإلى أن يحدث ذلك، لا يمكن للفيدرالي التعويل على الأسواق لردع ترامب عن إعادة هيكلة البنك المركزي. لذلك، يقول ديريك تانغ، الاقتصادي في "إل إتش/ماير لتحليلات السياسة النقدية" إن "الإشارة التي أستخلصها سيئة، وهي أن إدارة ترامب لديها مجال أكبر بكثير. فبسبب غياب أي ردة فعل، أعتقد أن الإدارة ستستمر في الدفع إلى الأمام".

أخبار ذات صلة.

ستارمر المأزوم يبحث عن خلاصه في الهند
العين الإخبارية
منذ 8 دقائق

عاما إبادة غزة يهزّان صورة إسرائيل في الغرب
العربي الجديد
منذ 40 دقيقة

شمال سيناء شاهدة على عامين من حرب غزة
العربي الجديد
منذ 40 دقيقة