
عربي
لم تكن الأرقام الكاذبة التي سردها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة هي الأولى من نوعها، بل سبقها أرقام كثيرة تنتمي إلى عالم الأكاذيب والمبالغات ظهرت بشكل واضح في حديثه عن الصفقات التي أبرمها خلال زيارته منطقة الخليج في شهر مايو/أيار الماضي، وحصيلة الرسوم الجمركية التي فرضها على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والاستثمارات الوهمية التي جذبتها الولايات المتحدة منذ بداية العام الجاري، والفساد داخل بنك الاحتياط الفيدرالي والمساعدات الأميركية لدول العالم، وكذبه عن اكتشاف إدارته خطة لإرسال 50 مليون دولار لتمويل الواقيات الذكرية في غزة، وعن ثروته الحقيقية وتهربه من الضرائب وحالات الإفلاس والتعثر التي مرت بها شركاته وغيرها.
وهذا أمر ليس بالجديد، ففي 30 إبريل 2019 كشف تقرير أعدته صحيفة "واشنطن بوست" بتجاوز ترامب حاجز العشرة آلاف "كذبة"، خلال فترة 823 يوما قضاها في البيت الأبيض، وأنه "كذب أو ضلل" 171 مرة خلال 3 أيام فقط هي: 25 و26 و27 أبريل 2019. كما خرج علينا قادة دول يتهمون ترامب صراحة بالكذب في أرقامه وتصريحاته.
وهنا لا يختلف سرد ترامب للأرقام مع حال قيادات الدول النامية، رغم أن الرئيس الأميركي ينتمي إلى عالم المال، فهو رجل أعمال وملياردير وإمبراطور قطاع العقارات قبل أن يتولى سدة الحكم، ولديه خبرة كبيرة في إبرام الصفقات، ورغم ذلك يكذب كما يتنفس ويتخذ الكذب سياسة.
خلال زيارته السعودية وقطر والإمارات قبل نحو خمسة شهور زعم ترامب أن قيمة الصفقات التي أبرمها خلال زيارة قصيرة تتجاوز 5.1 تريليونات دولار، بل رفع الرقم في مناسبات أخرى، حيث قال إن زياراته أسفرت عن اتفاقيات لاستثمار ما بين 12 و13 تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي.
لكن الواقع يقول إن الأرقام تقل كثيراً عن تلك التي أعلنها ترامب، وإن تعهدات دول الخليج له كان معظمها عبارة عن مذكرات تفاهم واتفاقات، ربما لن ترى النور، وذلك باستثناء صفقات شراء أسلحة وطيران. بل إن تحليلاً أجرته "رويترز" وقتها أظهر أن اتفاقيات الشركات البالغة قيمتها 549 مليار دولار في أثناء جولة ترامب في الخليج كان كثير منها مجرد مذكرات تفاهم غير ملزمة، وأن المبيعات الدفاعية في الصفقات مع السعودية وقطر رفعت حصيلة الزيارة إلى 730 مليار دولار، وليس 5.1 تريليونات دولار كما زعم ترامب.
مبالغة ترامب في الأرقام ظهرت أيضاً وبشكل واضح في حديثه عن إيرادات الرسوم الجمركية، حيث قال إن الرسوم التي فرضها على العديد من الشركاء التجاريين جلبت تريليونات الدولارات إلى بلاده، وهو ما يخالف تقديرات اقتصاديين أكدوا أن الرقم يمكن أن يتحقق خلال عشر سنوات وليس هذا العام. وكرر ترامب الرقم عدة مرات حين زعم أن تريليونات الدولارات تُحصّل من الرسوم التي لم تُسبب التضخم، أو أي مشكلات أخرى لأميركا، باستثناء تدفق مبالغ طائلة من النقد إلى خزائن الدولة.
ينسى ترامب وغيره من القادة أنه في ظل الثورة التكنولوجية وعصر المعلومات فإن البيانات باتت متاحة، وأن طالباً في المدرسة الابتدائية يستطيع وبسهولة أن يدقق أرقام أي رئيس دولة حتى لو كان ترامب
أما الواقع فقد كان له رأي آخر، فالأسعار شهدت زيادة في الأسواق الأميركية عقب فرض الرسوم، أما عن الإيرادات فقد كذبتها المصالح الحكومية ووزراء ترامب نفسه، فوزير الخزانة سكوت بيسنت توقع في أغسطس/آب الماضي أن تولد الرسوم الجمركية 300 مليار دولار سنوياً وليس ثمانية تريليونات دولار.
وتوقعت مؤسسة الضرائب الحكومية أن تجمع رسوم ترامب نحو 2.5 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، أما لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة فتوقعت أن تُولِّد الرسوم 2.8 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بحلول العام 2034 إذا استمرت.
ومنذ دخول رسوم ترامب حيز التنفيذ في إبريل/نيسان الماضي، حققت الرسوم نحو 96 مليار دولار من الإيرادات، بعد أن قفزت إلى 28 مليار دولار في يوليو/تموز، بزيادة 273%، و27 مليار دولار في يونيو/حزيران، و22 مليار دولار في مايو، و16 مليار دولار في إبريل. وجمعت الولايات المتحدة 142 مليار دولار من إيرادات الرسوم حتى الآن في السنة المالية الحالية، التي تنتهي في سبتمبر/أيلول، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الصادرة في أغسطس 2025.
أما آخر "افتكاسات" ترامب فكانت في الأمم المتحدة، حيث زعم أنه منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي جذبت الولايات المتحدة استثمارات قيمتها 17 تريليون دولار مقابل أقل من تريليون في عهد بايدن، وهو ما كذبته صحيفة نيويورك تايمز.
ينسى ترامب وغيره من القادة أنه في ظل الثورة التكنولوجية وعصر المعلومات فإن البيانات باتت متاحة، وأن طالباً في المدرسة الابتدائية يستطيع وبسهولة أن يدقق أرقام أي رئيس دولة حتى لو كان ترامب.

أخبار ذات صلة.

ما الذي نجا من الإبادة الثقافية؟
العربي الجديد
منذ 35 دقيقة