
اعتبرت جامعات الأردن الحكومية رفع الرسوم الخيار الأسرع لتقليص فجواتها المالية، رغم أنه يزيد الأعباء المالية على الطلاب وأسرهم، وعلى غرار الأعوام السابقة، كررت الجامعات الأردنية الرسمية هذا العام رفع رسوم الدراسة للساعات المعتمدة بطريقة مباشرة وأحياناً غير مباشرة عبر استحداث تخصصات بتسميات جديدة وتغيير تسميات أخرى قديمة، وكلها برسوم أعلى.
ويفيد مطلعون بأن جامعات حكومية كثيرة في الأردن، مثل اليرموك ومؤتة، تواجه أزمة مالية خانقة تحاول تجاوزها عبر معالجات جزئية على حساب الطلاب. ويشيرون إلى أن الجامعات التي بلغت مديونيتها نحو 193 مليون دينار (272 مليون دولار) نهاية عام 2023 تعاني في ظل تراجع الدعم الحكومي إلى نحو 70 مليون دينار (نحو 100 مليون دولار).
يقول الطالب أحمد العبادي الذي أنهى الثانوية العامة (التوجيهي) هذا العام، لـ"العربي الجديد": "أصبح اختيار التخصص الجامعي صعباً، فمعظم التخصصات الجديدة رسومها مرتفعة، وربما يقتصر التعليم الجامعي قريباً على الأغنياء فقط".
ويوضح أن "غالبية التخصصات الجديدة المدرجة في قائمة القبول الموحد للجامعات الرسمية تتراوح رسوم ساعاتها الدراسية بين 50 و80 ديناراً (70 و113 دولاراً)، كما يتحكم الموقع الجغرافي في اختيارات الطلاب الذين يبحث غالبيتهم عن جامعات قريبة برسوم مقبولة لتخفيف أعباء المواصلات أو استئجار سكن جامعي". ويطالب أحمد بأن تكون الرسوم الدراسية في متناول الجميع، وألا تتسبب في حرمان طلاب من تخصصات يرغبون بدراستها بسبب الأوضاع المادية.
ويقول علي الزعبي، والد أحد الطلاب الذين أنهوا الثانوية العامة هذا العام، لـ"العربي الجديد": "لاحظت ارتفاع رسوم معظم التخصصات، ومن بينها الجديدة التي أعلن عنها في قائمة القبول الموحد". يتابع: "التعليم الجامعي حق لجميع الطلاب المجتهدين والمميزين، ويجب أن تدعم الحكومة الجامعات الرسمية على الأقل كي يختار الطالب الاختصاص بحسب رغبته وقدرته".
جامعات الأردن الحكومية وتكريس الطبقية
من جهتها، تقول الطالبة في كلية الطب البشري بجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، عضو كتلة التجديد العربية، شمس جديد، لـ"العربي الجديد"، إن "إدارة الجامعات الحكومية استغلت غياب الانتخابات الطلابية، وضيّقت على القوى والفعّاليات الطلابية لرفع رسوم التخصصات وتكريس العقلية الربحية في التعليم، وهو ما فعلته جامعة مؤتة في ثلثي تخصصاتها بنسب تصل إلى 100%، في حين استحدثت أخرى تخصصات برسوم عالية، واستبدلت بعضها بذريعة مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، لكن برسوم مضاعفة ربما بنسبة 200%. وهذه السياسة تكرّس الطبقية التي تقصي طلاب فقراء من حق التعليم". وتلفت إلى "غياب الدور الحكومي الذي يُفترض أن يزيد الدعم الممنوح للمؤسسات التعليمية الرسمية، بدلاً عن تمرير هذه السياسات من دون رقابة أو تحديدات. وندعو إدارات الجامعات إلى التراجع عن التعامل مع المؤسسة التعليمية بعقلية تجارية من أجل تسديد نفقاتها من جيوب الطلاب".
الرسوم المرتفعة ستؤدي إلى هجرة معاكسة من الجامعات الحكومية إلى الخاصة التي تقدم عروضاً برسوم مخفضة
ويختلف عدد الساعات الدراسية اللازمة لنيل درجة بكالوريوس في الجامعات الأردنية بين التخصصات العلمية والأدبية. ويتراوح إجمالي الساعات المطلوبة للحصول على الدرجة، بحسب متطلبات الجامعة والكلية والتخصص، بين 132 و135 ساعة معتمدة في معظم التخصصات، لكن بعضها مثل الهندسة المدنية تتطلب 160 ساعة معتمدة، فيما قد تصل في تخصص الطب إلى نحو 260 ساعة معتمدة.
ويقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب (ذبحتونا) الدكتور فاخر دعّاس لـ"العربي الجديد": "أتخذ قرار رفع الرسوم الجامعية، وأصبحنا أمام خصخصة حقيقية للجامعات الرسمية الحكومية. وأحد مفاهيم الخصخصة هو رفع يد الدولة عن الدعم الحقيقي لهذه الجامعات، وأي مؤسسة حكومية تُحرَّر أسعارها تصبح مخصخصة بطريقة أو بأخرى". يتابع: "نحن أمام واقع جديد يتمثل في تحرير الرسوم الجامعية الذي لم يأتِ عبر رفع الرسوم مباشرة، بل من خلال استحداث تخصصات بتسميات جديدة، أو تخصصات قديمة بتسميات جديدة، أو استبدال تخصصات قديمة بأخرى جديدة، أما أسعارها فمرتفعة جداً مقارنة بالرسوم السابقة، فتلك التي كانت رسوم ساعتها الدراسية بين 15 و20 ديناراً (21 و28 دولاراً أميركياً) أصبحت بين 65 و80 ديناراً أردنياً (90 و113 دولاراً)، وهذا للمقبولين وفق التنافس الحر. وهناك تخصصات جديدة ذات رسوم أكبر. ومثلًا يزيد سعر الساعة الدراسية في طب الأسنان عن 150 ديناراً (210 دولارات)".
ويرى دعّاس أنه "إذا لم تُفرمّل هذه التوجهات سترتفع كل رسوم التخصصات في الجامعات الحكومية بعد خمس سنوات وتصبح باهظة، ما يجعل الطلاب يختارون التخصصات وفق قدراتهم المالية وليس بحسب ميولهم أو معدلاتهم أو رغباتهم أو تميّزهم. ومثلاً قد لا يدرس طالب مميز الهندسة لأنه مضطر إلى مراعاة القدرات المادية لعائلته، وربما لا يدرس أصلاً في وقت تُفتح الأبواب على مصراعيها لمن يملكون المال والقدرة على دفع رسوم مرتفعة".
ويشير إلى أن صندوق دعم الطالب الذي يقدم المنح والقروض لطلاب في الجامعات الحكومية سيتأثر بشكل كبير إذا بلغت ميزانية الصندوق 50 مليون دينار (70 مليون دولار)، وستغطي 50 ألف طالب. وكان معدل رسوم الطالب 200 دينار (280 دولاراً)، فإن مضاعفة الرسوم أو أكثر سيجعل الصندوق لا يغطي سوى 25 ألف طالب فقط، وهذا يعني انخفاضاً كبيراً في عدد الحاصلين على المنح والقروض.
ويرى أن الرسوم المرتفعة ستؤدي إلى هجرة معاكسة من الجامعات الحكومية إلى الخاصة التي تقدم عروضاً برسوم مخفضة تصل إلى 80% خاصة بالطلاب المتفوقين، ما يعني أن هذه الجامعات ستفقد الطلاب المتفوقين مع مرور السنوات. وهذه الهجرة ستضعف المردود المالي للجامعات الحكومية، وقد تؤدي إلى تراجع مستوى التعليم فيها.
ويقول إن رفع الرسوم في الجامعات الحكومية يعطي نتائج عكسية. ومثلًا امتنع طلاب عن التسجيل في جامعة آل البيت الحكومية بعدما رفعت أسعار رسوم ساعات التعليم، ثم تراجعت الجامعة عن القرار.
وختم دعّاس بالدعوة إلى وضع استراتيجية وطنية للارتقاء بالتعليم العالي على صعيدي الجودة والمخرجات، وليس حصر الأمر بضبط النفقات وزيادة الإيرادات، فالمهم هو الحفاظ على مستوى تعليم جيد في الجامعات.

أخبار ذات صلة.



