
ينعكس التباين بين الدول المعنية في الشأن السوداني على عمل اللجنة الرباعية الخاصة بأزمة السودان (الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر)، إذ أُرجئ اجتماع كان مقرراً نهاية يوليو/تموز الماضي، بسبب خلاف بين القاهرة وأبوظبي حول صياغة البيان الختامي ولغته تجاه الأطراف المتحاربة بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس في 30 يوليو الماضي. وذكرت الوكالة يومها أن أبوظبي أدخلت تعديلاً على مسودة بيان وزعته واشنطن، وينص التعديل "على عدم وجود أي حضور للجيش وقوات الدعم السريع في العملية الانتقالية المستقبلية"، ما اعتبرته القاهرة "غير مقبول".
تحرك القاهرة
بحسب مراقبين، فإن المصالح المصرية ترتكز على أربعة محاور تتحرّك معاً، أولها الأمن الحدودي والردع الوقائي. ووجه لقاء وزير الدفاع عبد المجيد صقر بعدد من مقاتلي المنطقة الجنوبية العسكرية، الجمعة الماضي، رسالة بأن الجبهة المصرية تراقب وتُظهِر جاهزية لاحتواء أي تسلل جماعي أو تحركات مسلحة عبر الصحراء الغربية–الجنوبية ومثلث الحدود مع ليبيا والسودان. يتكامل ذلك مع تعاون قبلي–محلي واتصالات ميدانية قديمة على خطوط الإمداد، إلى جانب قناة دبلوماسية ثنائية ظهرت في استقبال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس في القاهرة، الخميس الماضي، لتثبيت دوره مصر "راعية للدولة السودانية"، وتوسيع هوامش التفاهم المباشر مع القيادة التنفيذية في بورتسودان على ملفات الإغاثة والمعابر والطاقة والعمالة (عمال).
أما المحور الثالث، فهو المسار متعدد الأطراف، فرغم تعثّر "الرباعية"، لا تزال مصر تعتبر التنسيق مع الرياض وواشنطن ضرورة، بما في ذلك الربط بين ملفات السودان والقرن الأفريقي، وكبح امتدادات الصراع نحو ليبيا وتشاد، إذ لا يلغي الخلاف مع أبوظبي الحاجة إلى ترتيبات عملية حول المساعدات والضغط السياسي. وأخيراً، يأتي الاعتبار الإنساني–السياسي، إذ إن فظائع دارفور (غربي السودان، مثل مجزرة مخيم زمزم في إبريل/ نيسان الماضي) أعادت تسليط الضوء على كلفة استمرار الحرب على المدنيين وعلى سمعة الأطراف الداعمة (لطرفي الحرب). فالقاهرة تُدرك أن أي انهيار أوسع سيولِّد موجات نزوح وضغطاً دولياً على معابرها وخطوطها الجوية–البحرية.
ويؤكد خبراء أن القاهرة تريد وقف نزيف مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) وإقليم دارفور بتفاهمات ميدانية تُعيد فتح الممرات الإنسانية، مع ضغطٍ دبلوماسي لإيقاف أي إمداد خارجي يُؤجّج المعركة. يأتي ذلك إلى جانب ترسيخ مرجعية سياسية تُبقي على مؤسسات الدولة السودانية وتمنع "شرعنة الأمر الواقع" التي قد تنتجها مكاسب ميدانية لـ"الدعم السريع". بالإضافة إلى عزل مسرح الصراع عن الحدود المصرية ومنع قيام "حزام فوضى" يمتد من جنوب ليبيا إلى شمال السودان، وهو ما يتطلّب، عملياً، تنسيقاً أمنياً مصرياً–سودانياً أوسع، وتفاهمات هادئة مع اللاعبين الإقليميين المختلفين مع القاهرة في التكتيك. لكن خلافات الرعاة الإقليميين، وتباين الحسابات بين القاهرة وأبوظبي داخل "الرباعية"، تُضعف القدرة على إنتاج رافعة ضغط موحّدة على الأطراف السودانية.
حسام عيسى: زيارة كامل إدريس إلى القاهرة تأتي في إطار الجهود المصرية لدعم إعادة إعمار السودان
علاقات السودان ومصر
وقال السفير المصري السابق لدى السودان حسام عيسى إنه "من المعتاد أن تكون القاهرة أو الخرطوم هي الوجهة الأولى لأي مسؤول رفيع المستوى في البلدين"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن ذلك جرى في مناسبات سابقة سواء من الجانب السوداني أو المصري، معتبراً أن زيارة إدريس تأتي في إطار "الجهود المصرية لدعم إعادة إعمار السودان بعد تحرير الجزء الأكبر من أراضيه على يد القوات المسلحة السودانية". وأوضح أن هذه الجهود تشمل "إعادة تشغيل جسر الشحن البري واستئناف المشروعات التنموية المشتركة، وكذلك تسهيل عودة أعداد كبيرة من أفراد الجالية السودانية في مصر إلى بلادهم بشكل طوعي، لبدء إعادة الحياة في المدن السودانية الكبرى، وعلى رأسها الخرطوم والجزيرة وسنار".
من جهته، رأى الخبير الاستراتيجي والعسكري معتصم عبد القادر أن العلاقات السودانية المصرية هي "علاقات استراتيجية راسخة، لا تختزل في زيارة أو لقاء بعينه"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه الزيارات "مستمرة بطبيعتها، لكن اختيار رئيس الوزراء السوداني القاهرة أولَ وجهة خارجية له يعكس إدراكه، وإدراك الجميع، متانة الروابط بين البلدين والتأثير المتبادل بين أمنهما القومي".
معتصم عبد القادر: الجيش السوداني بات يفرض سيطرة كاملة على الأجواء السودانية
وفي رأيه، زيارة رئيس الوزراء السوداني تحمل أيضاً "بعداً عملياً يتعلق بإعادة بناء البنية التحتية للدولة السودانية، إلى جانب مواصلة ترسيخ العلاقات بين البلدين". وفي ما يتعلق بالتطورات العسكرية الأخيرة، رأى عبد القادر أنها "تؤكد أن الجيش السوداني بات يفرض سيطرة كاملة على الأجواء السودانية، وهو ما يعكس تطوراً نوعياً في بنيته، وإعادة تأهيل معداته وآلياته وخططه، في إطار معركته لحسم التمرد الذي انزوى بعيداً في الركن القصي من الحدود السودانية التشادية (إقليم دارفور)".

أخبار ذات صلة.

