هل سقط ليو جيان تشاو في مصيدة النمور الصينية؟
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

أثار تجاهل وزارة الخارجية الصينية، وكذلك المكتب الإعلامي التابع لرئاسة الوزراء الصينية، استفسارات وكالات إعلامية أجنبية بشأن تقارير أفادت، أمس الأحد، باعتقال وزير دائرة الاتصال الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشاو الكثير من علامات الاستفهام حول مصيره وحقيقة خضوعه للاستجواب بعد عودته إلى البلاد عقب جولة خارجية. 

ولطالما ارتبط غياب شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة الصينية والحزب الشيوعي الحاكم عن الظهور، أو الإعلان عن اعتقالهم وفتح تحقيقات بحقهم، بحملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ توليه السلطة في عام 2012. تعهد شي حينها بملاحقة "النمور"، وهو لقب يطلق على القادة الأقوياء الذين يستغلون مناصبهم، هدفها، وفق مراقبين، في المقام الأول، تصفية الخصوم السياسيين والمنافسين المحتملين له. وفي رأي هؤلاء المراقبين، مهدت هذه الحملة الطريق أمام الرئيس الصيني لتمديد حكمه لولاية ثالثة، في 2022، من دون أي اعتراض، على الرغم من أن ذلك كان مخالفاً لدستور الحزب الشيوعي الحاكم. ووفقاً لهيئة الرقابة العليا لمكافحة الفساد في الصين، جرى التحقيق مع 58 مسؤولاً رفيع المستوى تحت إشراف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، العام الماضي.

احتجاز ليو جيان تشاو

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس الأحد، عن مصادر مطلعة، أن السلطات الصينية اعتقلت ليو جيان تشاو بعد عودته إلى بكين، في أواخر يوليو/تموز الماضي، آتياً من رحلة عمل في الخارج، من دون التمكن من تحديد سبب اعتقاله. وذكرت الصحيفة أن ليو من قدامى السلك الدبلوماسي الصيني، وشارك في محاربة الفساد في ملفات الكسب غير المشروع داخل الحزب الشيوعي. بحسب الصحيفة، فإن احتجاز الدبلوماسي الصيني يُمثّل أعلى مستوى تحقيق يشمل دبلوماسياً صينياً رفيع المستوى منذ أطاحت بكين تشين جانغ من منصب وزير الخارجية عام 2023 بعد أقل من سبعة أشهر فقط على توليه منصبه، ليخلفه الوزير الحالي وانغ يي. علماً أن ليو جيان تشاو كان مرشحاً لخلافة تشين الذي ذكرت "وول ستريت جورنال" في وقت سابق أن تحقيقاً داخلياً للحزب أظهر أن تشين انخرط في علاقة خارج نطاق الزواج استمرت طوال فترة عمله سفيراً لبكين في واشنطن.

وكان آخر نشاط دبلوماسي لليو جيان تشاو زيارته في 29 يوليو/ تموز الماضي إلى الجزائر، حيث التقى هناك عدداً من المسؤولين ورؤساء الأحزاب السياسية من بينهم: مصطفى حيداوي، رئيس المجلس الأعلى للشباب ووزير الشباب الجزائري، والأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية عبد الكريم بن مبارك. وقبل ذلك بيومين شارك ليو جيان تشاو أيضاً في قمة حركات التحرير التي عقدت في جوهانسبرغ، حيث ترأس وفداً من الحزب الشيوعي الصيني، والتقى هناك برئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا. وقد يؤدي غيابه، وفق الصحيفة التي قالت إن وزارة الخارجية الصينية لم ترد على طلب للتعليق، إلى تآكل الخبرة الدبلوماسية في بكين، إذ يفضل الرئيس الصيني الولاء السياسي في تعيينات الموظفين.

وشغل ليو جيان تشاو (61 عاماً) عدة مناصب في وزارة الخارجية الصينية منذ عام 1987. وفي عام 2002، أصبح المتحدث الرسمي باسم الوزارة الخارجية مدة ست سنوات. ومنذ عام 2009 حتى عام 2013، شغل منصب سفير الصين لدى الفيليبين ومن ثم لدى إندونيسيا. ومنذ عام 2013 حتى عام 2015، شغل منصب مساعد وزير الخارجية، كما عمل مديراً لمكتب التعاون الدولي للجنة المركزية لفحص الانضباط، ونائب مدير المكتب الوطني لمكافحة الفساد. وفي عام 2018، انتُخب نائباً في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، قبل أن يُعين في عام 2022 وزيراً لدائرة الاتصال الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وهو حالياً عضو في اللجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني. 

"وول ستريت جورنال": زيارة ليو جيان تشاو إلى واشنطن ونيويورك عام 2024 لاقت ثناء أميركياً

لفتت الصحيفة إلى أنه بعد إقالة تشين، اعتبر ليو مرشحاً قوياً لخلافته نظراً إلى خبرته وأقدميته داخل الجهاز الدبلوماسي الصيني. وخلال رحلة إلى واشنطن ونيويورك في أوائل عام 2024، نال ليو الثناء على إيصاله الجذاب للرسائل حول الحاجة إلى علاقات أميركية صينية مستقرة، وفقاً لأشخاص حضروا اجتماعات معه في ذلك الوقت. خلال تلك الرحلة، تفاعل ليو مع مراكز أبحاث أميركية مثل جمعية آسيا، ومستثمرين مثل الرئيس التنفيذي لمجموعة بلاكستون ستيفن شوارزمان، ومؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس راي داليو، بالإضافة إلى مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بما في ذلك وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن. لكن الرحلة نفسها أثارت الدهشة في بكين، التي عدت تقديم ليو نفسه وزيرَ الخارجية المنتظر قبل إعلان رسمي، لم يكن سليماً من الناحية السياسية.

لا مؤشرات على اعتقال ليو 

في تعليق على ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، قال الخبير في العلاقات الدولية لي وين، الذي يقيم في بكين، إن "الكثير من الادعاءات الغربية التي تتعلق بسلوك ومساءلة مسؤولين صينيين ثبت أنها غير دقيقة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنها "تندرج ضمن الحملة التي تقودها قوى غربية للتشكيك بنزاهة وكفاءة قادة الحزب الشيوعي لأهداف باتت واضحة". وشدد على أن هذه الحملة طاولت حتى شخص الرئيس الصيني شي جين بينغ، عندما تواترت تقارير سابقة تحدثت عن غياب شي عن المشهد السياسي عدة أيام، وروجت آنذاك لمحاولة انقلاب عسكري داخل الجيش، لافتاً إلى أنها تقارير "عادة لا تعلق عليها السلطات الصينية المعنية، لأن مصادرها وغاياتها مكشوفة".

 لي وين: لا يبدو أن هناك ما يستدعي مساءلة ليو جيان تشاو

أما بالنظر إلى الحراك الدبلوماسي لليو جيان تشاو بصفته وزيراً لدائرة الاتصال الدولي في الحزب الشيوعي، فاعتبر لي وين أنه "من خلال رصد مواقفه وتصريحاته وتتبع سيرته ومسيرته السياسية، لا يبدو أن هناك ما يستدعي المساءلة، وإن كان ذلك أمراً مشروعاً بموجب القانون الداخلي للحزب". ولفت إلى أن "أبرز تصريح لليو جيان تشاو انتقاده، أخيراً، وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، واتهامه بالتحريض على الصراع في المنطقة (جنوب شرق آسيا) من خلال المبالغة في تصوير التهديدات الصينية"، في إشارة إلى قول ليو في حفل افتتاح منتدى السلام العالمي في بكين، الشهر الماضي، إن خطاب هيغسيث في حوار شانغريلا الأمني السنوي الذي عقد في سنغافورة، مايو/أيار الماضي، كان تجسيداً جديداً لفكرة الهيمنة. وكان وزير الدفاع الأميركي اعتبر خلال حوار شانغريلا أن الصين تزعزع استقرار المنطقة من خلال مضايقة جيرانها في بحر الصين الجنوبي بينما تعمل على بناء جيشها بسرعة، مشيراً أيضاً إلى خطر الغزو الصيني لتايوان.

تداعيات سياسية

في المقابل، رأى دا مينغ، الباحث في مركز يون لين (تايوان) للأبحاث والدراسات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "صمت بكين إزاء أمر يتعلق بشخصية حزبية رفيعة هو تأكيد ضمني لعملية المساءلة، لأن الأصل في عمل المكتب الإعلامي التابع لمجلس الدولة، والمتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، هو تفنيد مثل هذه التقارير ودحض الادعاءات". ووفق دا مينغ، "لدينا تجارب سابقة، ربما آخرها ما يتصل بوزير الدفاع الصيني دونغ جون، الذي لا يزال غائباً عن المشهد السياسي (منذ أواخر العام الماضي)، كما أنه لم يشارك لأول مرة في حوار شانغريلا الأمني في سنغافورة، ما يعزز الافتراض بأنه يخضع للتدقيق والمساءلة القانونية أمام لجنة الانضباط التي يقودها الرئيس الصيني".

دا مينغ: تنحية مسؤولين صينيين له علاقة بتصفية حسابات سياسية

وأوضح دا مينغ أن "تكرار إيقاف مسؤولين كبار في الحزب الشيوعي وتنحيتهم، خصوصاً المرتبطين بملف العلاقات الخارجية والدفاعية، يحتمل أمرين: الأول حساسية هذه المناصب التي يكون فيها الانضباط الحزبي عاملاً حاسماً في اختيار المسؤولين". أما الأمر الثاني، "فله علاقة بتصفية حسابات سياسية ضمن الدائرة القريبة من شخص الرئيس، ويبدو أن هناك منافسة شديدة بين قيادات الصف الثاني، وما يعزز ذلك أن ليو جيان تشاو كان مرشحاً بقوة لخلافة وانغ يي في منصب وزير الخارجية". وأضاف أن "استمرار هذا النهج في التصفية والاغتيال السياسي ضمن ما يعرف بحملة مكافحة الفساد سيترك دون أدنى شك آثاراً كبيرة على مسار عمل الحزب والدولة، خصوصاً ما يتعلق برسم السياسات الأمنية والدفاعية". وفي رأيه، "لك أن تتخيل كيف يمكن أن تعمل وزارة الدفاع في ظل حالة الغموض التي تحيط بمكانة وزيرها وصلاحياته، فضلاً عن أن اثنين من الوزراء السابقين (الجنرال لي شانغ فو، في منصب وزير الدفاع في 2023، ووزير الخارجية تشين جانغ في العام نفسه) تعرضا للعزل بتهمة الفساد وانتهاك القوانين والضوابط الحزبية".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية