
قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى والأميركيتَين، ميروسلاف ينشا، "إن استمرار تدهور الأوضاع في غزة، يُعرّض أكثر من مليوني فلسطيني لمزيد من الخطر، ويُعرّض حياة الرهائن (المحتجزين الإسرائيليين) المتبقين للخطر. ويُنذر القرار الأخير الذي اتخذته حكومة إسرائيل بإشعال فصلٍ مُروّعٍ آخر في هذا الصراع، مع عواقب مُحتملة تتجاوز إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".
وجاء ذلك خلال اجتماع طارئ عقده مجلس الأمن الدولي في نيويورك، اليوم الأحد، بطلب من فلسطين ودعم من سلوفينيا وبريطانيا واليونان والدنمارك وفرنسا لنقاش التصعيد الإسرائيلي الأخير وتوسيع العمليات العسكرية في غزة. وتحدث المسؤول الأممي بداية عن خطة الحكومة الإسرائيلية لتوسيع عملياتها العسكرية للسيطرة على مدينة غزة بغية السيطرة العسكرية على القطاع بأكمله وقال: "في الثامن من أغسطس/آب، أفادت التقارير أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي وافق على خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المقترحة "لهزيمة حماس"، وأقرّ خمسة "مبادئ لإنهاء الحرب": نزع سلاح حماس، والإفراج عن جميع الرهائن، وتجريد قطاع غزة من السلاح، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإنشاء إدارة مدنية بديلة لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية"، واعتبر المسؤول الأممي الخطط الإسرائيلية تصعيداً آخر خطيراً.
وأضاف ينشا "في الوقت الحالي، لدينا تفاصيل رسمية محدودة حول الخطط العسكرية الإسرائيلية، ومع ذلك ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، تتوقع الحكومة تهجير جميع المدنيين من مدينة غزة بحلول 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ما سيؤثر على حوالى 800 ألف شخص، كثير منهم نزحوا سابقاً"، وأضاف "وتشير التقارير إلى أن جيش الدفاع (الاحتلال) الإسرائيلي سيحاصر المدينة بعد ذلك لمدة ثلاثة أشهر. ويتبع ذلك، بحسب التقارير، شهران إضافيان للسيطرة على مخيّمات وسط غزة وتطهير المنطقة بأكملها من الجماعات الفلسطينية المسلّحة".
وأضاف: "إذا نُفِّذت هذه الخطط، فمن المرجح أن تُسبِّب كارثةً أخرى في غزة، يتردد صداها في جميع أنحاء المنطقة، مُسبِّبةً المزيد من النزوح القسري والقتل والدمار، ما يُفاقم معاناة السكان التي لا تُطاق... لقد كانت الأمم المتحدة واضحةً في أن السبيل الوحيد لوقف المعاناة الإنسانية الهائلة في غزة هو وقف إطلاق نار كامل وفوري ودائم. يجب إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً ودون قيد أو شرط. ويجب على إسرائيل الامتثال لالتزاماتها بموجب للقانون الإنساني الدولي، بما يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان بسرعة وأمان ودون عوائق وعلى نطاق واسع. يجب حماية المدنيين، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني...".
وذكّر المسؤول الأممي بالرأي الاستشاري الصادر في 19 يوليو/تموز 2024، عن محكمة العدل الدولية الذي جاء فيه أن "إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ملزمة بعدم عرقلة الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه في تقرير المصير، بما في ذلك حقه في دولة مستقلة ذات سيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة".
وشدّد على أنه "لا يوجد حل عسكري للصراع المسلح في غزة أو للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع. ولن يكون هناك حل مستدام دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتحقيق حل الدولتين القابل للتطبيق. وغزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، ويجب أن تبقى كذلك".
ومن جهته، قدم مدير قسم التنسيق في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، راميش راجاسينغهام، إحاطته أمام المجلس حول الوضع الإنساني في غزة. وتوقف عند عدد من النقاط من بينها تبعات الإعلان الإسرائيلي الأخير، والوضع الإنساني. وعبر عن قلقه البالغ في إحاطته حول القرار الإسرائيلي قائلاً "إزاء استمرار الصراع وزيادة الخسائر البشرية التي يُحتمل أن تتفاقم في أعقاب قرار حكومة إسرائيل بتوسيع العمليات العسكرية في غزة. يُمثل هذا تصعيداً خطيراً في صراعٍ تسبب بالفعل في معاناةٍ لا تُصدق. لأكثر من 670 يوماً، عانى الفلسطينيون في غزة من عمليات قتل وإصابات يومية. قُتل أكثر من 61 ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من 18 ألف طفل، وجُرح 151 ألف فلسطيني"، وأشار كذلك إلى وجود قرابة خمسين محتجزاً إسرائيلياً في القطاع يرجح أن قسماً منهم ما زال على قيد الحياة، كما أشار إلى وجود آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم نساءٌ وأطفال، معتقلين في السجون الإسرائيلية، وعدد كبير منهم دون تهمةٍ أو محاكمة، أو دون الضمانات اللازمة.
وحول الأوضاع الإنسانية، قال: "تعجز الكلمات عن وصفها... ما تبقى من شريان حياة ينهار تحت وطأة الأعمال العدائية المستمرة والنزوح القسري ونقص المساعدات المنقذة للحياة. تتزايد الوفيات المرتبطة بالجوع، لا سيّما بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. منذ تصاعد الأعمال العدائية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وثّقت السلطات الصحية في غزة وفاة 98 طفلاً بسبب سوء التغذية الحاد، منهم 37 طفلاً منذ 1 يوليو/تموز. لم تعد هذه أزمة جوع وشيكة، بل مجاعة حقيقية".
وتوقف عند الدمار في غزة، إذ "هُجّر جميع سكان غزة تقريباً قسراً في وقت ما خلال العامين الماضيين. وأُجبر الفلسطينيون في غزة على النزوح إلى منطقة هي أقل من 14% من مساحة القطاع، وهي مناطق غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات الأساسية والمأوى. وسيؤدي توسع العمليات العسكرية إلى تفاقم هذه الظروف".
وأصدرت كل من المملكة المتحدة، والدنمارك، وفرنسا، واليونان وسلوفينيا، (الدول الأوربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لدورته الحالية) بياناً مشتركاً قرأه سفير سلوفينيا قبل الدخول إلى قاعة مجلس الأمن لحضور الاجتماع حول التطورات الأخيرة في غزة والقرار الإسرائيلي، ويشار إلى أنّ الدول الخمس قدمت إحاطات وطنية خلال الجلسة مشابهة لما جاء في البيان.
ودان سفير سلوفينيا، صموئيل زبوغار، باسم الدول الخمسة "قرار حكومة إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة. هذه الخطة تُنذر بانتهاك القانون الإنساني الدولي"، ودعت الدول الخمس "إسرائيل إلى التراجع عن هذا القرار فوراً وعدم تنفيذه و"نُؤكد أن أي محاولة للضم أو توسيع المستوطنات تُمثل انتهاكاً للقانون الدولي. إن توسيع العمليات العسكرية لن يُعرّض حياة جميع المدنيين في غزة للخطر، بمن فيهم الرهائنُ المتبقون، وسيُسفر عن مزيد من المعاناة غير الضرورية"، وشددت كذلك على "ضرورة نزع سلاح حماس وعدم وجود أي دور مستقبلي لها في إدارة غزة، إذ يجب أن يكون للسلطة الفلسطينية دور محوري، لكنّ هذا القرار الذي اتّخذته الحكومة الإسرائيلية لن يُسهم في ضمان عودة الرهائن، بل يُعرّض حياتهم لمزيد من الخطر، كما سيُفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلاً في غزة، ويُعرّض حياة المدنيين الفلسطينيين لمزيد من الموت والنزوح الجماعي".
وأشارت الدول الخمس كذلك لتقارير الصليب الأحمر حول المجاعة "وموت الأطفال جوعاً ووصول مستويات الجوع لدرجة مخاطرة المدنيين بحياتهم في مواقع "توزيع المساعدات" (الأميركية الإسرائيلية، إذ فاق عدد الذين استشهدوا في الحصول عليها ألف شخص) لإطعام أسرهم. هذه أزمة من صنع الإنسان، وبالتالي، ثمة حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف المجاعة وزيادة تدفق المساعدات إلى غزة".
وأضاف السفير السلوفيني باسم الدول الخمس "لدينا رسالة واضحة لإسرائيل: ارفعوا القيود المفروضة على إيصال المساعدات للسماح للأمم المتحدة وشركائها الإنسانيين بالعمل بأمان وعلى نطاق واسع، بما يتماشى مع مبادئ الإنسانية، والنزاهة، والحياد والاستقلال، من الضروري أيضاً أن تتمكّن المنظمات غير الحكومية الدولية من العمل في غزة. يجب إلغاء شروط التأشيرات والتسجيل الإسرائيلية غير المعقولة، وفتح جميع الطرق البرية أمام الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء وحليب الأطفال والأدوية والوقود والمياه النظيفة".
وشدّد على أنه " بعد 22 شهراً من المعاناة في غزة، حان الوقت للدبلوماسية، لا لمزيد من الحرب"، ودعا "كلا الطرفين إلى ضمان وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والمضي قدماً في الجهود الرامية إلى تحقيق حل الدولتين على وجه السرعة".
إلى ذلك، تحدث السفير الجزائري للأمم المتحدة، عمار بن جامع، عن ارتكاب إسرائيل لجرائم الحرب وشدّد على ضرورة ألّا تتمتع إسرائيل بالإفلات من العقاب وعلى ضرورة المساءلة. وأضاف "بعد 22 شهراً من التهجير القسري والتجويع والتطهير العرقي فإن هذه العملية لن تقوم فقط بزيادة الخراب في غزة، بل ستقضي بالكامل على ما تبقى فيها... كما لو أن قتل 62 ألف شخص منهم 18 ألف طفل لم يكن كافياً... كما لو أن التجويع حتى الموت لم يكن كافياً"، وأضاف "أهداف سلطات الاحتلال الإسرائيلية واضحة. يريدون دفع بقية السكان خارج وطنهم... وألّا يبقى للفلسطينيين أي علم دولة أو مستقبل في وطنهم وأن لا يبقى أي فلسطيني من النهر إلى البحر، ولكنهم ينسون أن الأرض تتذكر شعبها... على الرغم من وحشية القمع لن يتخلى الفلسطينيون عن موطنهم، ولن يتخلوا عن حقوقهم. نحن نؤمن بقدرتهم على الصمود، وغزة، على الرغم من جراحها ستعود وتنهض من جديد في يوم من الأيام".
أما السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، دورثي شيا، فانتقدت عقد الاجتماع. وقالت إن الجولة الأخيرة من المفاوضات انهارت "لأن حماس حظيت بالتشجيع من خلال الجهود التي تستهدف إسرائيل بالأكاذيب والمزاعم، أي مؤتمر حل الدولتين والإعلانات الأحادية المتعلقة بالاعتراف بدولة فلسطينية"، ودافعت عن قرارات إسرائيل وحربها والقرار الأخير ووضعته في "سياق حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها"، ووصفت قتل المدنيين الفلسطينيين بالمأساوي، محمّلة حركة حماس المسؤولية عن ذلك.
من جهته، شدّد السفير الفلسطيني للأمم المتحدة، رياض منصور، على أن المجتمع الدولي يجب أن يتحرك ولم يعد مقبولاً أن يبقى مكتوف الأيدي، وشدد على ضرورة إنهاء الحرب ووقف استخدام التجويع سلاحَ حرب وزيادة المساعدات بالتنسيق مع الأمم المتحدة والانسحاب الكامل لإسرائيل من القطاع، وشدد على أن إسرائيل تقوم بإطالة أمد الحرب لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وليس للقضاء على حماس.
