"كليوباترا العاشقة".. إعادة تموضع المرأة في نصوص السلطة
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

ماذا لو كان التاريخ قد كُتب بأقلام النساء؟ وما الذي لا تزال علينا إعادة قراءته من مرايا أولئك اللواتي استُبعدن طويلاً من نصوص السيادة والسلطة؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرحها مسرحية "كليوباترا العاشقة" التي تعرض حالياً على منصة مسرح ميريدا الروماني، ضمن فعاليات المهرجان الكلاسيكي الذي تستضيفه المدينة الإسبانية، ويستمر حتى نهاية أغسطس/ آب.

ليست كليوباترا التي تتناولها المسرحية ابنة العاطفة وحدها، بل ابنة الدولة أيضاً. يتقمصها النص المسرحي للكاتب والمخرج فلوريان ريسيو على هيئة سيدة تتجاوز الحب، لِتُعادِل مصر نفسها. تتجسد أمامنا لا عشيقةَ يوليوس قيصر أو أنطونيو، بل مفكرة في شؤون السلطة، إلهةً أرضيةً تدير ملفات الحكم باليد التي تكتب الشعر، وتُراوغ به القدر.

"لدي رؤية" بهذه العبارة تبدأ المسرحية، وتبدو فيها الملكة المصرية كأنها تتحدث إلينا في زمن مضغوط،، لا يختلف كثيراً عن الزمن الذي نعيشه، حيث الحب والحرب والهوية تتداخل جميعاً في بوحٍ ميتافيزيقي.

ما نُسج حول النساء في التاريخ كان محض إسقاطات ذكورية

مع محاولتها تحقيق رؤيتها، تظهر كليوباترا نتاجاً لصراعات الأسرة، وتحالفات الضرورة، والزواج الإجباري داخل السلالة البطلمية، بل حتى واجهة دينية تُقدَّم بوصفها تجسيداً للإلهة إيزيس. مع ذلك، فإنها لا تفقد وعيها بحقيقة كونها امرأة تُصارع من أجل بقاء بلدها، وسط إمبراطوريات لا ترحم.

ما يلفت في العرض ليس إعادة الاعتبار التاريخي لشخصية كليوباترا، بل جرأة تفكيك الأسطورة في فضاء مسرحيّ لا يزال يحمل صدى التراجيديات القديمة. يعيدنا العمل إلى تشكيل صورة الملكة بنبرة تمزج القوة بالهشاشة، إذ تنكسر العاطفة على صخرة المصالح الإمبراطورية، ويتجلى الحب أداة سياسية، لا مجرد شعور.

يكشف العمل عن هشاشة الزمن، وتواطؤ السلطة، ومكر الذكورة. فمارك أنطونيو يظهر باعتباره حالة ضياع بين الحب والسياسة، في ما يشبه مرآة للاضطراب الذكوري أمام امرأة أكثر اتزاناً. وبينما تترنّح الإمبراطوريات، تحافظ كليوباترا على توازنها إلى اللحظة الأخيرة، حين تدرك أن الخسارة الحقيقية ليست سقوط الحب، بل سقوط الوطن.

لا تعيد مسرحية "كليوباترا العاشقة" صياغة الحكاية فحسب، بل تعيد تموضع المرأة في سرديات السلطة. فهنا، لا تكون البطلة مجرد تابع لرغبات الرجال، بل فاعلة في رسم المصير. هي دولة تمشي، وجغرافيا تتكلم، وتاريخ يعترض على نفسه. لذلك إن العمل، في جوهره، ليس مسرحية عن الماضي، بل حوار مع الحاضر. يذكّرنا بأنّ كثيراً مما نُسج حول النساء في التاريخ كان محض إسقاطات ذكورية، وأن استعادة صورة كليوباترا على المسرح ليست مجرّد إعادة تمثيل بل إعادة كتابة. وبينما تُختم المسرحية وسط تصفيق الجمهور، تعاد الأسئلة التي بدأنا بها إلى الأذهان: ماذا لو كان التاريخ قد كُتب بأقلام النساء؟ وما الذي لا تزال علينا إعادة قراءته من مرايا ألئك اللواتي استُبعدن من نصوص السيادة؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية