
روى الناشط الإيطالي أنطونيو لا بيتشيريلا، أحد الذين كانوا على متن سفينة "حنظلة" لكسر الحصار المفروض على غزة في شهر يوليو/تموز الماضي، لـ"العربي الجديد" تفاصيل الاختطاف وما تعرض له المتضامنون من جنود الاحتلال وفي مراكز الاحتجاز، فيما تحدث بإسهاب عن استعداداته لرفع دعوى ضدّ إسرائيل بسبب احتجازه غير القانوني، معرباً عن أمله في أن يتمكّن من إيداعها لدى المحكمة في القريب العاجل.
وقامت قوات من البحرية الإسرائيلية في 27 يوليو الماضي بعملية قرصنة سفينة "حنظلة" لكسر الحصار عن قطاع غزة. وأظهر بثّ مباشر وقتها لحظة اقتحام الجنود السفينة بأسلحتهم، وإجبارهم المتضامنين على رفع أيديهم، قبل أن ينقطع البث مباشرةً عقب العملية. وأكّد ائتلاف "أسطول الحرية"، في بيان وقتها، أن قوات الاحتلال اعترضت بعنف سفينة "حنظلة" التي كانت في طريقها لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وذلك أثناء وجودها في المياه الدولية على بُعد نحو 40 ميلاً بحرياً من سواحل القطاع. وذكر الائتلاف، في بيان، أن الاتصال بالسفينة فُقد تماماً معها، بعد أن قطعت القوات الإسرائيلية الكاميرات ووسائل الاتصال على متنها. وأضاف أن جنود الاحتلال صعدوا إلى السفينة غير المسلّحة، واستولوا على حمولتها الإنسانية، واختطفوا 21 مدنياً كانوا على متنها، يمثلون 12 دولة، من بينهم برلمانيون وصحافيون ومحامون ونشطاء حقوقيون وبيئيون، في اعتداء مشابه لما تعرضت له السفينة مادلين في يونيو/حزيران الماضي.
كتابة مذكّرات عن رحلة سفينة "حنظلة"
أنطونيو لا بيتشيريلا: أرانا أكثر انبطاحاً أمام دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة
وأوضح أن أسباباً عدّة دعته إلى التفكير في رفع الدعوى على إسرائيل، أولها "الشخص الذي ألهمني للقيام بذلك، سيرجو توريبيو، وهو صديق وزميل إسباني كان على متن سفينتَي مادلين وحنظلة، ورفع دعوى قضائية ضدّ إسرائيل، وقررت بلاده الانضمام إلى الدعوى المدنية والدفاع عن مواطنها، الذي اختُطف في نهاية المطاف على نحوٍ غير قانوني في المياه الدولية، ما شكّل سابقةً مهمة"، وأضاف: "عندما التقيتُ قبل أيام في مدينتي باري بالمقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، حرصت على التحدث معي وتحفيزي على المضي قدماً في هذا الإجراء القانوني، الذي من شأنه أن يخلق سابقة مهمة"، لكنّه استدرك أنه "على الرغم من أن البانوراما السياسية الإيطالية تختلف عن مثيلتها في إسبانيا، فإني أرجو أن تقرّر الحكومة أو أي وزير الانضمام إليّ طرفاً مدنياً في الدعوى التي أنوي رفعها ضدّ إسرائيل، أو أن أتلقى رداً واضحاً ومنطقياً، ليتمكّن جميع المواطنين الإيطاليين من فهم وجهة نظر الحكومة بشأن القانون، وما إذا كان مجرد وسيلة قمع للحركات الاجتماعية والسياسية، التي، على سبيل المثال، تنظم تظاهرات واحتجاجات منذ عامين تحديداً بشأن قضية فلسطين، وتُقمع باستمرار، أيضاً من خلال القوانين التي تُقرّها هذه الحكومة".
استخدام متشدّد للقانون
ولفت لا بيتشيريلا إلى أن "هذا التشدّد في تطبيق القانون يتحوّل إلى تساهل بالغ عندما يتعلق الأمر بحماية مواطن إيطالي، وهو ما يسعى إلى فهمه، خاصة وأن الخطاب الرسمي للحكومة يتسم بالفخر المفرط في الدفاع عن الهوية والشخصية الإيطالية، بينما يراها، في الواقع، تتعرض للقمع، لا سيّما عندما يكون الطرف الآخر دولةً تصفها الحكومة بالحليف". وأشار إلى أن إيطاليا في كثير من الأحيان أكثر انبطاحاً أمام دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة، التي تتصرف بحرية شبه مطلقة، مضيفاً: "هذا هو الانطباع الذي لدي، لكنّني سأكون سعيداً جداً إذا تبيّن أنني مخطئ".
تفاصيل عملية اعتراض سفينة "حنظلة"
وفي ما يتعلق بتفاصيل عملية اعتراض سفينة "حنظلة" قال الناشط الإيطالي إنّ "ثمة جانباً واحداً لم أتطرق إليه من قبل ويتمثل في أنه قبل الاعتراض ببرهة، شرعت البحرية الإسرائيلية في استخدام قناة VHF رقم 16، التي عادة ما تظلّ متاحة لأطول وقت ممكن لاتصالات الطوارئ أو الاستغاثة، في بثّ هذا الهراء الطويل الذي تحدثوا فيه عن 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، ومدى فظاعته، وكيف أنّ هذا الحدث يضفي الشرعية على اعتراضهم لسفينتنا واختطاف طاقمها، لمنعنا من كسر الحصار العسكري المفروض على غزة"، وأشار إلى أن "الأمر برمّته بدا لي دعائياً للغاية، وجعلني أفكر لأول مرة في ما هو العمل العسكري الذي يحتاج إلى نوعٍ من الإعلان، نوعٍ من الدعاية الأولية. الحقيقة أنّني لم أكن قد سمعت أو رأيت شيئاً من هذا القبيل قط. ربما كان مُدبَّراً ليقوم شخص ما على الطرف الآخر بتسجيل اتصالات الجيش، أو أنها كانت عملية داخلية دعائية إعلامية كانوا قد شرعوا فيها".
وتابع لا بيتشيريلا: "بعد ذلك مباشرةً، حاصرنا زورقان عسكريان من طراز زودياك، نزل منهما نحو عشرين جندياً مسلحين برشاشات وواحد بكاميرا فيديو. منذ تلك اللحظة، وبعد تعطيل جميع كاميراتنا، قام (الجندي) بتصوير مشاهد مختارة لطاقم سفينة حنظلة في محاولة لنسج رواية تُظهر البحرية الإسرائيلية في صورة إنسانية"، واعتبر أن ذلك يكشف "حاجة إسرائيل إلى إنتاج شرعية إعلامية، من خلال مشهد بالغ العبثية، أمام جمهورها الداخلي وكذا الرأي العام في جميع تلك الدول المتواطئة في هذه الإبادة الجماعية، ومنها تلك الدول التي ننتمي لها، فأنا إيطالي وبلادي تزود إسرائيل بـ1% من أسلحتها".
أنطونيو لا بيتشيريلا: ما فعلناه كان الصواب بغضّ النظر عن ردة فعل إسرائيل
ورداً على سؤال حول سبب عدم توقيعه على إقرار الرغبة في إعادته إلى وطنه، أوضح لا بيتشيريلا أنه رفض ذلك لأن "التوقيع عليه كان سيعني الاعتراف بدخولي دولة إسرائيل على نحوٍ غير قانوني، وهو ما لم يحدث قط لأنّني اختُطفت ونُقلت إلى إسرائيل رغماً عني"، وأضاف أن السلطات حاولت إضفاء الشرعية على هذا الإجراء، الذي لا يتوافق حتّى مع قوانينهم، عبر تصويره إجراءَ هجرة بسيطاً، لا بوصفه إجراءً قسرياً ولا حتى ترحيلاً، بل إعادة طوعية "كما لو كانوا يُقدمون لي معروفاً". وأكد أن 15 فرداً آخر من الطاقم رفضوا التوقيع أيضاً، وكانوا حينها مضربين عن الطعام، وبعضهم عن الماء، ما أدى إلى نقلهم إلى مركز احتجاز لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام، رغم سعي السلطات الإسرائيلية إلى ترحيلهم بسرعة "لتجنّب تسليط الضوء على ما تريد إخفاءه".
وحول أهمية هذه المبادرات لكسر الحصار المفروض على غزة، قال لا بيتشيريلا إنّ "أول ما يتبادر إلى ذهني والأقرب إلى قلبي، هو التعبئة الاجتماعية والسياسية. ونظراً للانتشار الكبير للمبادرة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ولقوة التحرّك في محاولة لكسر الحصار، فإنّ ما فعلناه كان الصواب، بغض النظر عن ردة فعل إسرائيل، فهو يكسر ويقوض إلى حد ما حجاب العجز الذي نسجته وسائل الإعلام والحكومات حولنا عبر تجاهلنا وقمعنا لسنوات"، معتبراً أن هذه المبادرات تمثل "نسمة من الهواء العليل، وكأنها تنقل إرادة العديد من حركات التضامن والاحتجاج تجاه غزة. باختصار، كما لو كنّا نجلبهم رمزياً أكثر قرباً من غزة ومن ذاك الصراع مع القوات الإسرائيلية". ورأى أن "من شأن هذه التحركات أيضاً تشكيل ضغوط على وجه الخصوص في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة وفي كندا، وفي العالم ذي البشرة الأكثر بياضاً، حيث منبع الإبادة الجماعية، وحيث تبرم كل تلك الاتفاقيات الاقتصادية، وتوجه تلك الأموال التي تدعم الإبادة الجماعية اقتصادياً وسياسياً"، وقال إنّ "الوقوف على حقيقة أن ثمة مواطنين تحرّكوا من أجل قضية عادلة، وبسبب ذلك خضعوا للتوقيف والاختطاف والإيداع في مراكز احتجاز في إسرائيل، يمسّ قلوب الناس ويؤثر في ضمير الرأي العام ومن ثم ننتقل إلى ممارسة ضغوط على حكوماتهم التي تواجه صعوبات متنامية في تبرير وتمويل ودعم إبادة جماعية لشعب بأسره".

أخبار ذات صلة.

