
أقرّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، فجر أول من أمس الجمعة، خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تعتمد على اجتياح مدينة غزة، ودخول الأماكن التي لم يسبق للجيش أن عمل بها على مدار 22 شهراً الماضية. وتعتمد الخطة الإسرائيلية على دخول المناطق التي لم يسبق الوصول إليها، بعد تهجير السكان نحو مناطق وتجمعات في المنطقة الوسطى، ومنطقة مواصي خانيونس ورفح التي تعج بالمهجّرين بالأساس، ما يعني حشر السكان على نحوٍ أكبر مما هو عليه الآن. ورغم المعارضة الشديدة لخطة اجتياح مدينة غزة التي وضعها المستوى السياسي من المؤسسة العسكرية، وتحديداً رئيس أركان الجيش إيال زامير وقادة المستوى الأمني، إلّا أن نتنياهو وحلفاءه في التيار الديني القومي؛ بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يدعمون هذه الخطوة. ويعارض الجيش فكرة احتلال قطاع غزة باعتبارها ستسهم في مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، والبالغ عددهم 20 أسيراً وفقاً لتقديرات إسرائيلية، فيما يقدر وجود نحو 30 جثة تحتفظ بها الأذرع العسكرية للمقاومة.
رامي أبو زبيدة: المقاومة تعتمد على أربع دوائر دفاعية متداخلة
وبرّر نتنياهو خطة اجتياح مدينة غزة بأنها تستهدف حسم الحرب مع حركة حماس وتسليم القطاع لقوة عربية لا تهاجم إسرائيل، على أن يكون نظام الحكم مستقبلاً مدنياً في غزة، لا يشمل حركتَي حماس أو السلطة الفلسطينية. وعلى مدار 22 شهراً عمل الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدّة بالقطاع، وكانت البداية في مناطق الشمال في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم انتقل لمدينة غزة وخانيونس في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول وحتى مايو/أيار 2024، وخلال هذه الفترة دمر الاحتلال الغالبية العظمى من البنية التحتية. وطوال هذه الفترة كان نتنياهو يزعم في كل مرة تدمير الكتائب المحسوبة على كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، إذ سبق أن أعلن القضاء على 20 من أصل 24 كتيبة تتبع إلى "القسام"، إلّا أن المعارك التي كانت تشهدها هذه المناطق لاحقاً كانت تثبت كذب الرواية الإسرائيلية، فقد سبق وأن عمل الاحتلال في مناطق شمالي القطاع 3 مرات، لا سيّما خلال فترة "خطة الجنرالات" قبل اتفاق يناير/كانون الثاني 2025. وبعد استئناف الحرب على غزة في مارس/آذار الماضي، عاد الاحتلال للعمل في مدينة خانيونس التي كان زعم سابقاً أنه طهّرها من العناصر المسلحة للمقاومة ومن البنية العسكرية، إلّا أن المقاومة كبدته فيها خسائر ضخمة، وكادت أن تنفذ فيها 3 عمليات أسر جديدة لجنود وضباط إسرائيليين.
شكل وطبيعة اجتياح مدينة غزة
ومع قرار "الكابينت" الأخير اجتياح مدينة غزة يدور الحديث عن شكل وطبيعة العمل العسكري في تلك المنطقة، لا سيّما وأنها تعتبر ذات طابع حضري وبيئة معقدة للقتال، وفيها مناطق لم يسبق وأن عمل بها جيش الاحتلال. وبحسب تقديرات فإنه يوجد في مدينة غزة 4 إلى 6 كتائب تابعة إلى "القسام" لوحدها، فضلاً عن المجموعات المحسوبة على سرايا القدس والأذرع العسكرية الأخرى، ما سيجعل المعارك ضارية وقوية. وفي مايو الماضي، أطلق جيش الاحتلال عملية عسكرية جديدة حملت اسم "عربات جدعون"، غير أنّ عدداً من وزراء "الكابينت" اعتبروا أنها أخفقت في تحقيق أهدافها، خاصة بعد مقتل 40 جندياً وإصابة العشرات خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيَين.
بيئة معقدة
وقال الباحث والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إنّ الاحتلال يتعامل مع مدينة غزة باعتبارها بيئة قتالية حضرية معقدة ومعادية بالكامل، ما يجعل من الصعب تنفيذ اجتياح شامل وسريع للمدينة، وأوضح أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، أن السيناريو الأقرب هو التوغل الزاحف عبر وحدات نخبة وقوات متخصّصة، مثل كتيبة "غولاني" ولواء الكوماندوز، مدعومة بآليات مدرعة، وتحت غطاء جوي كثيف يشمل الطائرات وعمليات القصف المتواصل و"الأحزمة النارية"، بهدف السيطرة على مناطق محدّدة، والبحث عن الأنفاق والمقاتلين والعتاد العسكري.
وبيّن أن التحديات أمام الاحتلال لتنفيذ خطة اجتياح مدينة غزة كبيرة، من أبرزها شبكات الأنفاق، وتقارب المباني، واحتمال وجود تلغيم مسبق، وصعوبة التمييز بين المقاتلين، إضافة إلى ضعف السيطرة الاستخبارية الدقيقة في بيئة حضرية مترابطة. أما محاور التوغل المتوقعة، فبحسب خبرات العمليات السابقة، فإنها تشمل المحور الشمالي، والمحور الغربي من ناحية مستوطنة "كريم" والطريق القطري الجديد أو طريق البحر، إضافة إلى المحور الجنوبي الغربي من جهة تل الهوى وشارع الرشيد، ومحور الشرق عبر حي الزيتون والشجاعية، كما لا يُستبعد استخدام أسلوب الإنزال أو الاختراق البحري للتوغل في المناطق الغربية أو الشمالية المحاذية للساحل، وفقاً لأبو زبيدة.
محمد الأخرس: الجيش الإسرائيلي يميل إلى سياسة "الإغارة"، أي الدخول المؤقت وعدم البقاء في الأرض
وفي ما يتعلق بتكتيكات المقاومة، أشار الباحث في الشأن العسكري إلى أنها تعتمد على أربع دوائر دفاعية متداخلة تشمل الهندسة الدفاعية، وحقول الألغام، والعبوات المموهة، وتفخيخ المباني والأنفاق التفجيرية، إضافة إلى استخدام الأنفاق القتالية لتنفيذ الكمائن، وعمليات حرب العصابات عبر وحدات صغيرة متنقلة مجهزة بمضادات الدروع وصواريخ خفيفة، إلى جانب وحدات المدفعية والهاون لتشتيت الاحتلال واستهداف تجمّعاته الخلفية، ورأى أن المقاومة تمتلك خبرة ميدانية تراكمية امتدت على مدى 22 شهراً من المواجهات، مكنتها من التكيّف مع مختلف مراحل الحرب، من خلال تكتيكات مثل الكمائن المزدوجة، وزرع العبوات الناسفة وتفجيرها عن بُعد، والهجوم عبر الأنفاق الخلفية لضرب مؤخرة تشكيلات العدو، والخداع الميداني عبر تفخيخ مبانٍ أو إنشاء نقاط وهمية، بالإضافة إلى استخدام المعركة النفسية من خلال نشر مقاطع توثق استهداف القوات الإسرائيلية.
الحصار أكثر من التوغل
بدوره، قال الباحث والمختصّ في الشأن السياسي محمد الأخرس إنّ الصيغة التي قدّمها قادة الجيش ورئاسة الأركان تقوم على فكرة الحصار أكثر من التوغل، وهو نمط عملياتي طُبق في بدايات عملية "عربات جدعون"، بهدف تقليل الاحتكاك المباشر مع المقاومة، ودفع المدنيين لمغادرة مناطقهم، مع إبقاء المقاتلين داخلها لمحاصرتهم لاحقاً ودفعهم للخروج أو الاستسلام، وأضاف الأخرس لـ"العربي الجديد" أنّ الجيش الإسرائيلي يميل إلى سياسة "الإغارة"، أي الدخول المؤقت وعدم البقاء في الأرض، في حين يسعى اليمين الإسرائيلي إلى إبقاء القوات أطول فترة ممكنة، ما يتيح خلق واقع سياسي جديد قد يبرّر الضم أو الاستيطان، وعدم عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم بعد تدمير منهجي للمنازل والمناطق السكنية.
وفي ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، أوضح الأخرس أن منهجيتها الأساسية تقوم على الاستنزاف والقتال بقدرات بشرية مدروسة لتقليل الخسائر في صفوف المقاتلين، إلّا أنّ شكل الهجوم الإسرائيلي سيحدّد طبيعة الاستجابة، ولفت إلى أنه إذا عمد الاحتلال إلى محاصرة المناطق ومنع خروج المقاتلين أو انتقال السكان، فإنّ النتيجة ستكون مواجهة صفرية واشتباك مباشر، إذ يجد الجميع أنفسهم "ظهورهم إلى الحائط". وأكد الأخرس أن النمط العملياتي سيبقى مرتبطاً بطبيعة السلوك الإسرائيلي العملياتي خلال تنفيذه لعملية اجتياح مدينة غزة، وهو أمر سيحدّد كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية معه والطريقة العملياتية للمواجهة والقتال.

أخبار ذات صلة.

