
يشهد قطاع الطاقة في سورية أزمة حادة نتيجة سنوات الحرب والتدهور الاقتصادي، حيث تضررت البنى التحتية بشكل كبير، وانخفض إنتاج النفط والغاز بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تظهر مؤشرات حديثة على تحرّكات حكومية لإعادة تأهيل القطاع، بدعم من استثمارات عربية وأجنبية، وابتكارات في مجال الطاقة والمياه، وسط تحديات اقتصادية معقدة لا تزال تعيق تحقيق التعافي الكامل.
وفي تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، كشف مدير الاتصال الحكومي في وزارة الطاقة السورية، أحمد سليمان، أن إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سورية تحتاج إلى استثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، منها نحو مليار دولار لإعادة تأهيل المنشآت النفطية التي تعرضت لخسائر كبيرة منذ عام 2011، حيث انخفض إنتاج النفط من 400 ألف برميل يومياً إلى نحو 100 ألف برميل فقط.
وأضاف أن هناك خططاً لتطوير الحقول النفطية لاستعادة إنتاجها السابق وتجاوزه بعد استعادة السيطرة الكاملة على المناطق المنتجة. وأشار إلى مذكرة تفاهم حديثة مع أذربيجان تم بموجبها ضخ 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً عبر خط الغاز التركي، بدعم من صندوق قطر للتنمية، ما سيسهم في توليد 700 إلى 800 ميغاواط من الكهرباء.
استثمارات في قطاع الطاقة
هذا التطور سيسمح بزيادة ساعات تشغيل الكهرباء من 4–5 ساعات إلى حوالي 10 ساعات يومياً، مقابل 14 ساعة تقنين. وبيّن سليمان وجود نحو عشرين حقل غاز في سورية، أغلبها حقول صغيرة الإنتاج، مع استكشافات جديدة وحقل قيد التطوير حالياً. وتطرّق إلى البنية التحتية القديمة التي تشمل خط نفط كان يربط العراق بسواحل المتوسط عبر سورية، مؤكداً أن الخط متهالك ويحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيله، وهناك نقاشات مع الجانب العراقي لوضعه ضمن مشاريع استثمارية مستقبلية.
وكشف عن دخول استثمارات سعودية قوية إلى السوق السورية، خُصص جزء منها لقطاع الطاقة، مع توقع تنفيذ أكثر من خمسة مشاريع في الفترة المقبلة لتحسين الواقع المعيشي ورفع كفاءة الكهرباء. كما تحدث عن مشروع لتحلية المياه من طرطوس إلى جنوب دمشق، مستفيدين من التجربة السعودية في هذا المجال، باستخدام تقنيات متقدمة ومعايير عالمية. وأضاف أن الإنتاج المحلي من الغاز يصل إلى 6 ملايين متر مكعب يومياً، مع إضافة الغاز الأذربيجاني، وخطط للوصول إلى 12 مليون متر مكعب يومياً.
وأوضح أن خط الغاز بين تركيا وسورية قادر على استيعاب حتى 6 ملايين متر مكعب يومياً، ما يتيح زيادة الكميات مستقبلاً. أما عن تعرفة الكهرباء، فأشار إلى أنها شبه مجانية حالياً ولا تتجاوز 0.01 سنت للكيلوواط، ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً ويعيق صيانة المحطات واستيراد الوقود. وهناك دراسة لإعادة النظر بالتعرفة بما يحقق توازناً بين قدرة المواطن على الدفع وتوفير موارد للوزارة.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور سامر الأيوبي لـ"العربي الجديد" إن قطاع الطاقة يعاني من أزمات مركبة تشمل البنى التحتية المتضررة، والقيود المالية، والعقوبات الدولية، ما يؤثر سلباً على القطاعات الحيوية والحياة اليومية للمواطنين. وأكد الأيوبي أن دخول استثمارات من دول خليجية وأذرية يعزز فرص التعافي، لكن نجاحها مرتبط ببيئة استثمارية مستقرة ومبسطة، فضلاً عن ضرورة تنويع مصادر الطاقة لتشمل المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح.
وشدد على أن رفع تعرفة الكهرباء يجب أن يتم بحذر مع آليات دعم للشرائح الضعيفة، لتفادي تحميل المواطنين أعباء إضافية في ظل تدهور الوضع الاقتصادي. وتشير بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية "سابقاً" إلى أن الخسائر المتراكمة في قطاع النفط والغاز منذ عام 2011 تجاوزت 340 مليار دولار، ما يبرز حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية للقطاع.
