
أعلنت الجزائر، اليوم الخميس، إنهاء استفادة سفارة فرنسا لديها منذ عقود من أملاك تابعة للدولة في شكل مجاني، وإعادة النظر في عقود إيجار مبرمة مع مؤسسات فرنسية أخرى على الأراضي الجزائرية. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية بيانا للخارجية الجزائرية قالت فيه إنه جرى استدعاء القائم بالأعمال الفرنسي، وإبلاغه "بقرار السلطات الجزائرية إنهاء استفادة سفارة فرنسا بالجزائر من إجراء الوضع تحت تصرفها، وبصفة مجانية، من عدد من الأملاك العقارية التابعة للدولة الجزائرية".
وبحسب تقرير للوكالة الجزائرية يعود إلى مارس/آذار، تستأجر فرنسا 61 عقارا في الجزائر بأسعار مغرية، وأحيانا مقابل بدل "رمزي"، بينها 18 هكتارا للسفارة الفرنسية وأربعة هكتارات لمقر إقامة السفير في الجزائر العاصمة.
وقبل ذلك، اتهمت الجزائر فرنسا، الخميس، بـ"التبرؤ من مسؤولياتها" في الأزمة الثنائية، وأعلنت في بيان صادر عن وزارة الخارجية استنكارها اتفاق الإعفاء من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية. وقالت الخارجية الجزائرية إن رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تُبرّئ فرنسا تماما من مسؤولياتها الكاملة، وتُلقي باللائمة كاملة على الطرف الجزائري. ولا شيء أبعد عن الحقيقة وأبعد عن الواقع من طرح كهذا".
وأضافت: "في هذا الصدد، تودّ الجزائر التذكير مرة أخرى بأنها لم تُبادر يوما بطلب إبرام اتفاق ثنائي يُعفي حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر المهمة من التأشيرة. بل كانت فرنسا، وفرنسا وحدها من بادرت بهذا الطلب في مُناسبات عديدة. ومن خلال قرارها تعليق هذا الاتفاق، تكون فرنسا قد أَتاحت للجزائر الفرصة المُناسبة لتُعلن من جانبها نقض هذا الاتفاق بكل بساطة ووضوح".
جاء ذلك كله، بعدما وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأربعاء، حكومته للتحرك "بمزيد من الحزم والتصميم" تجاه الجزائر، مشيرا إلى "مصير" الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز، المسجونين في الجزائر، وطلب اتخاذ "قرارات إضافية" في هذا الصدد. وقال ماكرون في رسالة إلى رئيس وزرائه فرنسوا بايرو، نشرتها صحيفة لوفيغارو، إنه "يجب على فرنسا أن تكون قوية وتحظى بالاحترام".
وأضاف ماكرون في الرسالة الرسمية، التي تشير إلى مرحلة جديدة في الأزمة الدبلوماسية الحادة بين البلدين، أنّ فرنسا "لا يمكنها الحصول على ذلك من شركائها إلا إذا أظهرت لهم الاحترام الذي تطلبه منهم. وتنطبق هذه القاعدة الأساسية على الجزائر أيضا". ولتبرير توجيهاته، أشار الرئيس الفرنسي إلى الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة "تقويض الوحدة الوطنية"، والصحافي الفرنسي كريستوف غليز، الذي حكم عليه بالسجن سبع سنوات في الجزائر بتهمة "تمجيد الإرهاب".
ومن بين التدابير الواردة في الرسالة، طلب ماكرون من الحكومة أن تعلّق "رسمياً" تطبيق الاتفاقية المبرمة عام 2013 التي كانت تعفي حاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية الجزائرية من الحصول على تأشيرة للدخول والإقامة في فرنسا. ويذكر أن هذا الإجراء يُقرّ الوضع القائم حاليا بحكم الأمر الواقع، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في 14 مايو/أيار "إعادة جميع الدبلوماسيين الحاملين جوازات سفر دبلوماسية، والذين لا يحملون تأشيرة حاليا، إلى الجزائر". وقال إن فرنسا كانت تردّ آنذاك على قرار الجزائر "غير المبرر الذي لا يمكن تبريره" بطرد موظفين فرنسيين.
وطلب ماكرون من الحكومة أن تستخدم "فورا" أحد أحكام قانون الهجرة لعام 2024، وهو بند "يسمح برفض تأشيرات الإقامة القصيرة لحاملي جوازات السفر الوظيفية والدبلوماسية، وكذلك تأشيرات الإقامة الطويلة لجميع أنواع المتقدمين". وطلب الرئيس الفرنسي من رئيس وزرائه "تكليف وزير الداخلية" برونو روتايو، الذي يتبنى موقفا متشددا تجاه الجزائر، بـ"إيجاد سبل ووسائل تعاون مفيدة مع نظيره الجزائري في أسرع وقت ممكن"، و"أعرب عن أمله في أن يتحرك وزير الداخلية وأجهزته دون هوادة في مواجهة انحراف أفراد جزائريين في وضع غير نظامي".
وأضاف: "بعد أن تروا أن شروط نظامنا الدبلوماسي مستوفاة، يمكنكم السماح للقناصل الجزائريين الثلاثة الموجودين حاليا على أراضينا بممارسة مهامهم، مع المطالبة باستئناف التعاون في مجال الهجرة"، وتابع الرئيس الفرنسي: "هذا الاستئناف وحده سيتيح أن نستقبل خمسة قناصل آخرين ينتظرون الترخيص". وشدّد ماكرون على أن "رد السلطات الجزائرية على مطالبنا المتعلقة بالتعاون بشأن الهجرة والعمل القنصلي سيحدد خطواتنا التالية"، موضحا أنه "بمجرد استئناف الحوار، سيتعين علينا أيضا معالجة ملفات ثنائية حساسة أخرى"، مشيرا إلى "ديون المستشفيات" و"تصرفات بعض الأجهزة الحكومية الجزائرية على الأراضي الوطنية، وأيضا قضايا الذاكرة العالقة".
ورغم تبني ماكرون في رسالته نهجا أكثر صرامة تجاه الجزائر، لم يذهب إلى أقصى درجات التصعيد، إذ استثنى في رسالته مسألة اتفاقية عام 1968، التي تمنح امتيازات قانونية لمواطني الجزائر في فرنسا. وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن اتفاقية 1968 إنه "جرت مراجعتها كل 10 سنوات، حتى أفرغت من محتواها، وتستعمل اليوم فزاعةً من طرف أقلية (يمينية متطرفة)".
(فرانس برس، العربي الجديد)
