
تشهد محافظة ميسان، جنوبي العراق، تدهوراً واضحاً في الوضع الأمني، نتيجة تفاقم النزاعات العشائرية وعمليات الاغتيال التي تصاعدت حدّتها في الآونة الأخيرة، ما جعل الملف الأمني في المحافظة يشكّل تحدياً للسلطات. وفي ظل تصاعد مخاوف المواطنين من حالة الانفلات، دفعت الحكومة العراقية بتعزيزات أمنية من العاصمة بغداد، في محاولة لإعادة فرض سلطة القانون واحتواء حالة الانفلات المتفاقمة.
تحوّلت النزاعات العشائرية في محافظة ميسان، خلال الفترة الأخيرة، من خلافات محدودة إلى مواجهات مفتوحة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا من المدنيين، فضلاً عن ضباط وعناصر في القوات الأمنية، وسط عجز واضح عن الحد منها أو التصدي للمسلحين. وقد تصاعدت وتيرة الاشتباكات العشائرية وعمليات الاغتيال في عدد من مناطق المحافظة، أبرزها الكحلاء، والمجر الكبير، وناحية العدل.
واندلعت منتصف الشهر الماضي، المواجهات العشائرية مجددا في المحافظة بعد تنفيذ عملية اغتيال لأحد الأشخاص بدافع الثأر عن جريمة قتل حصلت عام 2021، وهو ما دفع إلى تأجج الصراع مجددا ودخول عشائر أخرى على خط المواجهات ضمن ما يُعرف قبليا بـ "الحلف الذي يوجب اصطفاف عشائر مع بعضها".
وأمس الأربعاء، أعلن رئيس مجلس محافظة ميسان، مصطفى إدعيّر، وصول قوات أمنية للمحافظة قادمة من بغداد، لفرض الأمن والقانون. وقال إنه "نتيجة لانهيار الوضع الأمني في ميسان ووصوله إلى مراحل متدنية جداً، ومقتل عدد من الضباط والمنتسبين، اتخذ مجلس المحافظة عدة إجراءات إلى أن وصلنا إلى بوادر خير نحو اتخاذ وتطبيق القانون في المحافظة". وأكد، "وصول قوات أمنية من خارج المحافظة لغرض فرض الأمن والقانون"، معتبراً أنّ "المرحلة الحالية خطيرة، فالضباط لا يستطيعون حماية أنفسهم من عمليات القتل فكيف بالآخرين؟". وأضاف: "طلبنا من رئيس الوزراء فرض سلطة القانون بالقوة على الجميع. سيتم العمل على القضاء على الخارجين على القانون والذين يستخدمون السيارات المظللة والدراجات في عمليات القتل في المحافظة".
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد انتقد، الاثنين الماضي، تراجع أداء الأجهزة الأمنية في محافظة ميسان، مشيراً إلى أنّ هذا الضعف أسهم في تكرار حوادث النزاعات العشائرية والجرائم الجنائية، مشدداً على أهمية حفظ الأمن بمحافظة ميسان، وإنهاء النزاعات العشائرية والجرائم الجنائية التي تقع بين الحين والآخر، بسبب ضعف أداء الأجهزة الأمنية.
تدخلات حزبية في الملف الأمني
وبدأت القوات التي وصلت من بغداد، الانتشار في المناطق المرتبة أمنياً بالمحافظة، وتنفيذ عمليات الاستطلاع لوضع الخطة التي ستنفذها لفرض الأمن، وقال ضابط في قيادة عمليات ميسان، لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إنّ "القوات التي وصلت بدأت بالتعاون مع قوات أمن المحافظة بتعزيز وجودها، وقد عقدت اجتماعات عدة للتداول بالملف الأمني".
وأضاف: "نأمل أن يسهم وجود تلك القوات في استعادة الأمن وفرض القانون على الجميع"، مشيراً إلى أن "الوضع في المحافظة مقلق جداً وعمليات الاغتيال متواصلة، وتم اغتيال عدد من عناصر الأمن خلال الأيام الماضية". وأكد أنّ "مشكلة ميسان تكمن بمحاولة الأطراف السياسية والقوى المتنفذة المرتبطة بفصائل مسلحة، فرض نفسها على القرار الأمني، فهي تتدخل بشكل صارخ في إدارة الملف، ما تسبب بارتباك كبير، وعدم القدرة على اتخاذ قرار واحد".
دعوات لضبط السلاح المنفلت
من جهته، دعا الشيخ ثائر الساعدي، أحد وجهاء محافظة ميسان، إلى ضرورة ضبط السلاح المنفلت، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التدهور الأمني الخطير في ميسان لا تتحمّله العشائر وحدها، إذ إنّ عدداً كبيراً من أبناء العشائر ينتمي إلى فصائل مسلّحة وأحزاب وجهات سياسية، ما يجعل من هذا التداخل أمراً بالغ الخطورة". وأوضح أن "الكثير من الشباب يحملون السلاح بسبب امتلاكهم هويات تابعة لتلك الفصائل والأحزاب، ما يُسهّل عليهم التجوّل بسلاحهم دون رادع، وهو أمر بالغ الخطورة". وشدّد الساعدي على "ضرورة وضع حد لانفلات السلاح، ومنع حمله إلا في إطار الواجب الرسمي"، محذراً من أن "استمرار هذا الانفلات سيقود المحافظة إلى مزيد من الانحدار الأمني".
إطلاق النار مشهد يومي وسط النزاعات العشائرية
من جهتهم، يؤكد مواطنون أنّ الرصاص بات جزءاً من تفاصيل حياتهم اليومية. وقال الحاج أبو حسن، البالغ من العمر 60 عاماً، وهو من سكان منطقة الكحلاء، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نعيش حالة رعب حقيقية. تبادل إطلاق النار أصبح مشهداً يومياً في حياتنا. نريد فقط الحفاظ على سلامة أبنائنا من هذا الوضع الخطير". وشدّد على أن "الجهات المسؤولة مطالَبة بوضع حد لهذا الانهيار الأمني".
وتضع هذه الأحداث في محافظة ميسان، الحكومة العراقية أمام اختبار حقيقي، لإثبات قدرتها على بسط الأمن وسلطة القانون، في محافظة تتجه نحو الانزلاق الأمني، وتتنافس فيها الأحزاب والفصائل على إثبات وجودها وأخذ دور فيها.
وتُعتبر النزاعات العشائرية في مناطق جنوب العراق ووسطه، إحدى أبرز المشاكل الأمنية التي تعاني منها تلك المناطق، إذ تحصل من وقت لآخر مواجهات مسلحة تُوقع قتلى وجرحى بين عشائر مختلفة، لأسباب يتعلق أغلبها بمشاكل الأراضي الزراعية والحصص المائية، يُستخدم فيها أحياناً سلاح متوسط وقذائف هاون، والقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف. وفي عام 2018 اعتبر القضاء العراقي (الدكة العشائرية) فعلا إرهابيا يحاسب عليه بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن هناك عشائر كبيرة تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة لا يسري عليها القانون، وحتى القوات الأمنية تخشى محاسبتها.
