
مرّ أسبوع منذ أن أعلن ملك المغرب محمد السادس دعوته الجديدة إلى "حوار صريح ومباشر" مع الجزائر، من دون أن يأتي رد إيجابي من الأخيرة، ما يطرح سؤالاً كبيراً؛ لماذا لا تصل الرسالة المغربية إلى الجزائر، ولماذا لا ترد الجزائر على العرض السياسي المغربي؟ هذا إن كانت ترى فيه عرضاً بالأساس. مباشرة بعد القمة العربية التي عُقدت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، زار ملك الأردن عبد الله الثاني الجزائر، وعرض القيام بأي خطوة تساعد على تقريب العلاقة بين الجزائر والرباط، وبدء خطوات لخفض التوتر السياسي. لم يكن لدى الجانب الجزائري اعتراض من حيث المبدأ على الوساطة، لكنه اعتبر أن الرباط ليست في وضع (غياب الملك) يجعلها جاهزة لذلك.
قبل ذلك، في ربيع عام 2020، كانت القنوات الدبلوماسية الجزائرية قد نقلت إلى أعلى السلطات رسالةً من وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بشأن رغبته في "أكل الكسكسي في الجزائر". استخدم بوريطة هذا التعبير تحديداً لتأكيد رغبته في زيارة الجزائر. وافق وزير الخارجية الجزائري حينها صبري بوقادوم، لكنّ شيئاً ما حدث دفع الرباط إلى إلغاء الزيارة. من غير المجدي فهم أسباب ذلك، لكنّها فرصة سياسية ضاعت. القمة العربية نفسها في الجزائر كانت فرصة أخرى ضمن الفرص الضائعة. لم يحضر ملك المغرب محمد السادس، وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة حينها، بكثير من الوضوح والأسف، "كانت هناك فرصة لدفع العمل المغاربي وتنقية الأجواء، ولم يُستفَد من تلك الفرصة فعلاً". وأضاف أنه "سيبقى للمؤرخين إصدار الحكم إن كانت هناك فرصة ضاعت للمغرب العربي والعمل العربي المشترك وكذلك من يتحمّل مسؤولية ضياعها".
ليس مهماً البحث في شأن على من تقع مسؤولية ذلك، لكنها وغيرها فرص سياسية مباشرة وغير مباشرة ضاعت. ومع ضياعها حدث أن تضاعف التوتّر والشحن السياسي والإعلامي بين البلدين. قُطعت العلاقات الدبلوماسية، وبدا أن البلدين يقتربان من حالة صدام، وتفاقمت المخاطر المترتبة على ذلك. في ظلّ هذا الوضع، يعلن ملك الغرب في كل مرة عن "اليد الممدودة"، غير أن هذه الرسالة لا تصل إلى الطرف الجزائري ولا يُرَد عليها بأي صيغة كانت.
ثمّة حزمة أسباب يمكن أن تُفسّر الموقف الجزائري، بناء على ظروف وملابسات الفرص الضائعة منذ عام 2020، خارج السياق المتصل بقضية الصحراء. لا يثق الجانب الجزائري بالطرح المغربي، ويعتبر أن قرار الرباط ليس بيدها، وأن هذا الخطاب موجّه سياسياً إلى الخارج لإحراج الجزائر، أكثر من كونه موجّهاً فعلياً إلى الجزائر. وترى الأخيرة أن بعض السياسات لا تعكس في الواقع اليد الممدودة، فالتدفق الممنهج للمخدرات والشحن الإعلامي القائم، وهو متبادل للأسف، لا تفعل السلطات ما يجب للحد منه. ثم يضيف أنّ التطبيع المغربي مع إسرائيل بالصورة التي تتم وبحكم عامل الجغرافيا، عامل جديد يُفاقم مأزق اللاثقة، ويضخّم الهاجس الأمني بالنسبة للجزائر.
بغضّ النظر عما إذا كانت هذه الدوافع الجزائرية مقنعة أم لا، لكنها في النهاية تؤكد تثبيت خطوط الأزمة كما هي، فهناك فقدان تام لشهية الحديث السياسي بين الطرفين، واستسلام لوضع الأزمة في ظل تقلبات جيوبولتيك الإقليم والعالم، والاستعاضة بمفردات الإعلام المتشنجة والتي تغذي التوتر لتنشيط حوار غير مباشر. وفي غياب الحل والمبادرة الجادة، تبقى حقيقة أكيدة ومؤلمة، أن الأطراف المستفيدة من أزمة العلاقات الجزائرية المغربية كثيرة، لكن الخاسرين هما الجزائر والمغرب.

أخبار ذات صلة.

