جوع أطفال السودان... كارثة غير مرئية ضمن تداعيات الحرب
عربي
منذ 15 ساعة
مشاركة

تتواصل تداعيات الحرب في السودان، حيث يعاني آلاف الأطفال من سوء تغذية حاد، بينما باتت الأسر في سلة غذاء أفريقيا سابقاً، لا تملك توفير الغذاء لهم، ولا تملك المراكز الصحية المكملات الغذائية.

بعد عشرة أشهر على مولده في العاصمة السودانية الخرطوم، لا يتجاوز وزن الطفل مؤيد ستة كيلوغرامات فقط، وهو لا يبدي أي محاولة للمشي مثلما يفعل الأطفال في عمره، وحركته محدودة للغاية، ولا يتحرك إلا بمساعدة أمه التي توقفت عن عرضه على الأطباء بعد تشخيص حالته بـ"سوء التغذية الحاد" في إبريل/ نيسان الماضي.
تقول والدة مؤيد، هبة أحمد، وهي مدرسة بالمرحلة الابتدائية لـ"العربي الجديد": "مدخراتنا المالية نفدت خلال الشهور الأولى من الحرب، ولم تسلمنا وزارة التربية والتعليم رواتبنا الشهرية منذ أكثر من عام، ونعاني بشدة لتوفير وجبات الطعام اليومية، وأصبحنا لا نستطيع الشراء من السوق في ظل ارتفاع غير مسبوق للأسعار. نأكل وجبات بلا قيمة غذائية، وتوقفنا عن شراء الحليب والخضراوات والفواكه منذ العام الماضي، ونعتمد على وجبات نحصل عليها من التكايا الخيرية، وهي تتوقف بين الحين والآخر لعدة أيام بسبب نقص التمويل، لذا يعاني أطفالنا من سوء التغذية".
ومؤيد واحد من أكثر من 300 ألف طفل سوداني يعانون من سوء التغذية الحاد في ولاية الخرطوم وحدها، من بينهم 26,500 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وفقاً لأرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في 28 مايو/ أيار الماضي، وهناك عشرات الآلاف غيرهم في مناطق أخرى من السودان.
وكان السودان يُعرف سابقاً بـ "سلة غذاء أفريقيا" نظراً لإمكانياته الزراعية الهائلة، إذ يضم أطول امتداد لنهر النيل، ولديه أراض زراعية تصل إلى نحو 200 مليون هكتار، كما يتمتع بمساحات من الغابات المطرية تقدّر بنحو 74 مليون هكتار. وكان البلد يمتلك 138 مليون رأس من الثروة الحيوانية، وإنتاجاً سمكياً يقدّر بنحو 110 آلاف طن سنوياً، وتتوفّر له كميات من مياه الأمطار والأنهار يقدّر إيرادها السنوي بنحو تريليون متر مكعب. لكن الصراعات الداخلية والحروب أدت إلى تدهور جميع الموارد، ما جعله يواجه حالياً أزمة غذائية حادة وتهديدات بدخول مجاعة. 
بدوره، فقد السوداني مبارك عبيد طفله البالغ من العمر أربعة أعوام مطلع الشهر الحالي، بعد تدهور حالته الصحية نتيجة سوء التغذية الحاد. ويقول لـ"العربي الجديد": "عشت 18شهراً في مدرسة بمدينة أم درمان بعد نزوحي من محافظة أمبدة التي كانت تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، وتوقفت عن العمل منذ بداية الحرب، وأصبحت أوفر طعام أسرتي من خلال المطابخ المجانية في الأحياء، وعبر تبرعات الخيرين غير المنتظمة. نعيش جوعاً مستمراً منذ أكثر من عام، ما عرض أطفالي لأمراض سوء التغذية الحاد".

في ثلاثة أحياء سكنية بمنطقة شرق النيل التابعة لولاية الخرطوم، يتجاوز عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية 789 طفلاً، بعضهم لم يتجاوز عمره ستة أشهر، وأعلنت غرف الطوارئ في 11 يونيو/ حزيران، توقف عدد من المطابخ التي توفر وجبات مجانية للسكان.
يقول عضو في غرفة الطوارئ بالمنطقة، أيمن جبارة لـ"العربي الجديد": "أسباب انتشار سوء التغذية واضحة، وأبرزها التدهور الكبير الذي أصاب حياة السكان الذين عاشوا تحت الحصار لنحو عامين، بينما تدور في المنطقة عمليات عسكرية ضارية، وقد فقدوا مدخراتهم وأعمالهم، ونفدت المواد الغذائية تماماً، ولم يكن بمقدورهم جلب الغذاء من المناطق المجاورة. يتحسن الوضع الغذائي ببطء منذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس/ آذار الماضي، لكن توقف المطابخ معضلة كبيرة تضاعف سوء التغذية لدى الأطفال وكبار السن والنساء، والمنطقة لم تستعد الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب بعد رغم مرور ثلاثة أشهر على توقف العمليات العسكرية بها".
وارتفعت أعداد المصابين بسوء التغذية في مدينة أم درمان أيضاً. وكشف طبيب بمستشفى البلك الحكومي للأطفال، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" أن "عدد الأطفال الذين ترددوا على قسم التغذية بالمستشفى خلال شهر مايو/ أيار الماضي تجاوز 800 طفل، مقارنة بأعداد قليلة كانت تراجع القسم في العام الماضي. الأعداد مرشحة للزيادة نتيجة عودة آلاف الأسر التي غادرت المدينة أثناء المعارك العسكرية، إضافة إلى غلاء الأسعار، وانتشار أمراض مثل الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، وكلها تهدد حياة الأطفال".
وفي ولاية شمال دارفور، سجل مركز صحي بمخيم أبو شوك للنازحين نحو 1700 حالة سوء تغذية لدى أطفال في الفترة بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار، ويقول محمد هارون، وهو متطوع بغرف طوارئ مدينة الفاشر، لـ"العربي الجديد": "هذه الحالات صنفت في مرحلة سوء التغذية الحاد، وهناك آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في المخيم، والمركز الصحي يمتلأ يومياً بالأطفال".
ورغم تزايد أعداد الأطفال الذين يحتاجون إلى المكملات الغذائية في الفاشر، إلا أن مركز مخيم أبو شوك أوقف تقديم المكملات الغذائية والدوائية في 6 مايو الماضي بسبب نفادها. وقال وزير الصحة بولاية شمال دارفور، إبراهيم خاطر، لـ"العربي الجديد"، إن "حالات سوء التغذية بين الأطفال تتزايد بنسبة 10% شهرياً نتيجة الظروف المحيطة بالولاية التي تقع تحت حصار شديد من قبل قوات الدعم السريع منذ أكثر من 13 شهراً، ما أدى إلى نفاد المواد الغذائية".

وتوقع خاطر تزايد حالات سوء التغذية عند الأطفال خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن "الأشهر القادمة تشهد حلول فصل الخريف، والذي تنفد فيه السلع الغذائية عادة. آلاف النازحين يقبعون تحت الحصار، ويتم قصفهم يومياً من قبل الدعم السريع بجميع أنواع الأسلحة، ومن غير المُستبعد أن تزيد حدة نقص الغذاء، وبالتالي سوء التغذية".
وفي الثامن والعشرين من يوليو/ تموز أعلنت شبكة أطباء السودان عن وفاة 13 طفلا جراء سوء التغذية والنقص الحاد للغذاء بمخيم لقاوة بمدينة الضعين بشرق دارفور الذي يضم 7000 نازح غالبيتهم من النساء والأطفال، مشيرة إلى أن وفيات الأطفال حدثت في يونيو/حزيران الماضي وأن كثير من الأطفال داخل المخيم مصابون بالهزال الشديد بسبب نقص الغذاء.
ويشهد مخيم كلمة الواقع في جنوب إقليم دارفور حالة مشابهة لما يجري بمخيمي أبو شوك في الفاشر ولقاوة في الضعين، ويبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية فيه نحو 800 طفل، من بينهم 100 طفل يداومون على الحضور إلى الوحدة العلاجية للحصول على المكملات الغذائية بين فترة وأخرى.
وتقول مسؤولة تنسيقية اللاجئين والنازحين بالمخيم، زحل خميس، لـ"العربي الجديد": "فقد النازحون في المخيم أعمالهم ومدخراتهم بعد اندلاع الحرب، وتركوا ممتلكاتهم ومناطقهم فراراً من الانتهاكات، وظلوا أكثر من عامين بدون مصدر دخل، والكثير منهم يعتمد كلياً على الوجبات التي تقدمها التكايا الخيرية، وهى لا تكفي لكل سكان المخيم الذين يتجاوز عددهم 70 ألف نازح. كثير من الأطفال يموتون بسبب سوء التغذية في مخيم كلمة، وفي بقية مخيمات إقليم دارفور، ونخشى من زيادة عدد الضحايا خلال الأشهر القادمة".
وكشفت عضو نقابة الأطباء بالسودان، أديبة إبراهيم، أن "45 ألف طفل ماتوا خلال فترة الحرب نتيجة سوء التغذية"، وتؤكد لـ"العربي الجديد": "إلى جانب العدد الكبير من وفيات الأطفال، يعاني نحو 389 ألف طفل، و850 ألف امرأة مرضعة من سوء التغذية في عدد من الولايات حالياً. معاناة الأطفال لا تتوقف عند سوء التغذية، وإنما تعرض بعضهم لانتهاكات جسيمة خلال فترة الحرب، من بينها تعرض نحو 255 طفلاً تتراوح أعمارهم بين خمسة و16 سنة للاغتصاب".

وارتفعت أعداد الأطفال السودانيين الذين يعانون من سوء التغذية في مخيم قاقا للنازحين بشرق تشاد، إلى أكثر من 650 طفلاً حتى مطلع يونيو الحالي، ويقول إسحاق جبريل، وهو أحد سكان المخيم، إنه شهد وفاة 13 لاجئاً بسبب الجوع في مايو الماضي، ويوضح لـ"العربي الجديد": "أعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في المخيم أكثر بكثير من الرقم المُسجل لدى المشرفين، فاللاجئون توقفوا عن تسجيل أطفالهم المصابين بسوء التغذية لأن الجهات المسؤولة لم تقدم لهم أي إعانة منذ ثلاثة أشهر ماضية".
وتفيد وزارة الصحة الاتحادية السودانية بأن ولايات إقليم دارفور، وولايات الشرق التي تضم القضارف وكسلا، تضم أعلى معدلات الإصابة بسوء التغذية الحاد والوخيم بين الأطفال، بينما تظهر ولاية غرب كردفان أدنى معدلات الإصابة بعدد 623 طفلا في الولاية كلها.
ووفقاً لأرقام قسم التغذية بوزارة الصحة الاتحادية حول الإصابة بسوء التغذية في الفترة بين يناير وإبريل الماضيين، بلغ عدد الحالات المُسجلة في السودان 130,322 حالة، مقارنة مع 85,874 في نفس الفترة من عام 2024، وتحتل ولاية كسلا (شرق) المرتبة الأولى في أعداد الإصابات، بما يتجاوز 11,870 حالة، تليها ولاية شمال دارفور بـ9,142 حالة، ثم ولاية وسط دارفور بـ9,070 حالة، فولاية القضارف بعدد 5,833 حالة إصابة بسوء التغذية بين الأطفال.
وتعزو الوزارة الأمر إلى أسباب من بينها نقص إمدادات الغذاء، ونفاد المكملات الغذائية اللازمة، وتوقف عمل المرافق الصحية بسبب الحرب. وتقر وزارة الصحة بوجود 14 منطقة داخل 19 محافظة في السودان معرضة لخطر المجاعة خلال الفترة المقبلة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية