
عادت قضية المعمرين في تركيا إلى الواجهة عقب وفاة هودي غوركان، أكبر معمرة في تاريخ تركيا المعاصر، الأسبوع الماضي، عن عمر ناهز 131 سنة، في ولاية أورفا (جنوب)، وتزامن ذلك مع بيانات رسمية حول ارتفاع متوسط عمر الأتراك.
وشهدت غوركان المولودة في يوليو/تموز 1894، أحداثاً متعددة خلال ثلاثة قرون عاشت فيها، إذ عاصرت السلطنة العثمانية، وإعلان الجمهورية التركية، ومئوية تأسيس الجمهورية في 2023، أو ما يسميه الأتراك ولادة الجمهورية الثانية، ورحلت تاركة 7 أبناء و110 أحفاد، إضافة إلى عدد كبير من أبناء الأحفاد.
وأكد المعهد التركي للإحصاء ارتفاع متوسط العمر بنحو سنة كاملة لكل فرد عما كان عليه في السابق، وكشف المعهد أن "متوسط العمر المتوقع عند الولادة وصل إلى 78.1 سنة، مقارنة بـ 77.3 سنة في إحصاء الفترة من 2021 إلى 2023. وتعيش المرأة التركية أكثر من الرجل بنحو 5.2 سنوات، إذ يصل متوسط العمر المتوقع للرجال إلى نحو 75.5 سنة، بينما متوسط عمر النساء يصل إلى 80.7 سنة".
وركز المعهد على دور التعليم في زيادة متوسط الأعمار، مشيراً في بياناته إلى أن ارتفاع مستوى التعليم يرتبط مباشرة بزيادة متوسط العمر المتوقع، فالأفراد ذوو التعليم العالي يعيشون أكثر بنحو خمس سنوات مقارنة بذوي التعليم دون الثانوي، سواء من الرجال أو النساء، كما أن له تأثيراً على عدد السنين التي يتوقع أن يعيشها الإنسان من دون مشاكل صحية مزمنة تؤثر على حياته اليومية، لكن الرجال يتمتعون بمدة حياة صحية أطول من النساء بـ 2.6 سنة.
يقول أستاذ علم الاجتماع في مدرسة سيفيم جوهادار، حسين كنكر، إن "زيادة متوسط عمر الأتراك حالة طبيعية ناتجة من واقع تحسن الخدمات، وزوال معاناة التنقل، ووفرة الغذاء ومياه الشرب، والمراكز الصحية، لكن لم يزل متوسط الأعمار في تركيا أقل من الاتحاد الأوروبي، في حين يبلغ متوسط عمر نساء تركيا 80 سنة، والرجال 74.6 سنة. يبلغ المتوسط الأوروبي 84 سنة للنساء ونحو 78.7 سنة للرجال".
ويشير كنكر إلى أن "التعليم العالي ينعكس على طريقة تناول الغذاء، ومن ذلك تقليل السعرات الحرارية، وعلى القناعة بضرورة ممارسة الرياضة، وعيادة الطبيب، فضلاً عن أن من يتابعون تعليمهم بعد الجامعي لا يستهلكون طاقاتهم وأجسادهم في أعمال مجهدة. الدراسات تعيد أسباب زيادة متوسط أعمار النساء إلى تزايد وفيات الرجال في الحوادث وغيرها، كما أن ضغوط العمل تزيد من استهلاك الجسم، وبالتالي الأمراض، وربما لأن النساء أكثر عناية بأجسادهن، وبعض الدراسات تعزو السبب إلى أن الخلايا التي تتطور إلى حيوانات منوية عند الرجال، وتلك التي تتطور إلى بويضات عن النساء، لها دور في تفاوت متوسط عمر النساء".
ويرى مدير مركز الفكر للدراسات بإسطنبول، بكير أتاجان، أن بلده دولة شابة مقارنة مع الدول الأوروبية، أو دول آسيوية مثل الصين واليابان، وأن أحدث الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد سكان تركيا بلغ87.685.427 نسمة، وأن كبار السن عددهم نحو 9.2 ملايين نسمة، في حين أن شريحة الشباب نحو 18,4 ملايين، وعادة يتم التقييم وفق سن العمل قياساً لعدد السكان، والأشخاص في هذه الفئة عددهم نحو 60 مليون نسمة.
وحول ارتفاع متوسط العمر، يوضح أتاجان، لـ"العربي الجديد"، أن "تركيا من الدول قليلة استهلاك المخدرات والكحول، كما أن نسبة السمنة لا تقارن بمستويات أوروبا أو الولايات المتحدة، فضلاً عن تطور النظام الصحي ومجانية الرعاية الصحية والاجتماعية للمسنين، وكلها عوامل مساعدة، إضافة إلى نقاء الجو، وسلامة الغذاء والمياه. قليلا ما نسمع عن موت نتيجة أمراض كما كان الأمر في الماضي، ومعظم الوفيات، عدا الحوادث والظروف الخاصة، تكون وفاة جينية، أي بسبب الشيخوخة البيولوجية وليس بسبب الأمراض".
ويلفت الباحث التركي إلى أن المهم هو اتباع أسلوب حياة صحية قبل احتساب متوسط العمر، داعياً إلى استمرار حملات التوعية بمخاطر الطعام غير الصحي، والكحول، ومخاطر عدم ممارسة الرياضة، والأهم التدخين الذي تبلغ نسبته أرقاماً قياسية لدى النساء والرجال، مع ضرورة توفير حياة كريمة ولائقة لكبار السن، سواء عبر تخصيص معاشات الشيخوخة بما يتناسب مع غلاء المعيشة، أو زيادة الخدمات وعدد دور رعاية المسنين، وتركيا رائدة في هذا المجال، وتتعامل وفق منطق الدولة الأبوية.
ويبلغ عدد دور رعاية المسنين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية 152 داراً، بسعة 15 ألفاً و264 شخصاً، في حين يبلغ عدد دور رعاية المسنين التابعة للمنظمات العامة الأخرى 25، بسعة 3504 أشخاص، وإجمالي عدد دور رعاية المسنين الخاصة 233 داراً، بسعة 14 ألفاً و917 شخصاً. وتقدم هذه المؤسسات خدمات الرعاية الاجتماعية، وبرامج التأهيل النفسي والطبي، وخدمات للمصابين بأمراض مثل ألزهايمر.
