حاجتان سوريّتان
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

يلحّ الشعب السوري، من بين مطاليبه الكثيرة من السلطة الانتقالية، على أمريْن، يتوازيان مع تشديدِه على التعجيل بحلولٍ عمليةٍ ومنظورةٍ للأزمات المعيشية والاقتصادية الضاغطة... أولهما، مهنَنة المؤسّستين العسكرية والأمنية، ليس فقط بتعظيم قدراتهما وإمكاناتهما، وإنما أيضاً، أو قبل ذلك، بتأهيل المنتسبين فيهما، وتعريفهم بعلوم مهنتهم ومسؤولياتهم، وتدريبهم في اختصاصاتٍ متعدّدة، وبكل الشروط التي تمكّنهم من تأديتهم الوظائف المنوطة بهم بكفاءة، وأولها حماية كل من على الأرض السورية، وتوفير كل أسباب الأمن والأمان في البلاد. ومع التسليم بالحساسية العالية في هذا الشأن، إلا أن الحاجة إلى التذكير بهذه البديهيّات شديدة، وإنْ يجب القول إن أجهزة الجيش والأمن العام تقوم بما عليها، حالياً، بمقادير من الجدارة، في الوسع القول إنها مقاديرُ منقوصة. وإنْ يجب القول، أيضاً في الوقت نفسه، إن الظروف العامة والإشكالات والتحدّيات والعوائق في سورية كثيرة، يلزم شغلٌ كثيرٌ للتغلّب عليها، ويلزم أيضاً، إلى منزلة الوجوب، الإفادة من خبرات ضبّاط وضبّاط صفٍّ شريفين غير قليلين، ولم يرتكبوا الجرائم إيّاها في عهدي الأسديْن، في الجيش المنحلّ، وفي مؤسّسة الأمن السابقة.

وإذ جاء تقرير لجنة التحقيق وتقصّي الحقائق في أحداث الساحل السوري (مارس/ آذار)، ولو عرضاً، على بعض الذي يُؤتى عليه هنا في هذه العجالة، فالمتوقّع أن يخلُص تقرير اللجنة التي أعلن وزير العدل، الأسبوع الماضي، تشكيلَها بشأن أحداث السويداء (يوليو/ تموز) إلى هذا الأمر. ولنتذكّر في الواقعتيْن، أن أزيد من أربعمائة عنصر من الأمن والجيش، أو من فصائل تابعة لوزارة الدفاع، قُتلوا في كمائن فلولٍ من النظام الساقط، قبل المذبحة الطائفية المعلومة في سوريين علويين. وأن عشراتٍ من عناصر الأمن والجيش قُتلوا عند دخولهم السويداء، قبل أن تشتعل الأحداثُ وتتأزّم الأوضاع في عموم المحافظة. ويفيد هذا المعطى في المنطقتين بأن نقصاناً حادّاً في التأهيل اللازم لمرتّبات الجيش والأمن. وذلك كله عدا عن التثقيف الضروري بالانضباطية العالية والسلوك الرفيع والاحترام الأقصى لكرامات الناس وحقوقهم، فهذه كلها، ومعها المظهر العام للعسكري نفسه ولباسه، لوازم شديدة الوجوب، سيّما أنه لم يعد مقبولاً الحديث المتواتر عن "عناصر غير منضبطة"، وأن التحقيقات تأخُذ مجراها بشأنهم.

الأمر الثاني أن توسيع المشاركة في صناعة القرار، والانفتاح على مختلف الحساسيات السياسية والاجتماعية، والنظر إلى التعدّدية في المجتمع، من أهم ما لا يستقيم الحكم من دون الاعتداد بها، ما يعني مغادرة سياسة اعتبار الولاء قبل الكفاءة، وسياسة الاستحواذ، وتمكين موالي السلطة ومناصريها في مؤسّسات الدولة ومرافقها وإداراتها. والشكوى من هذا الحال عالية، مع التأشير إلى إقصاءٍ يجري لغير جماعة السلطة والمقرّبين منها ومن قياداتها. والراجحُ أن رئاسة الجمهورية وصل إليها أن الاستياء كان عريضاً من إدارة الحوار الوطني الذي انعقد في فبراير/ شباط الماضي. وربما يصل إليها أن المرجوّ أن يكون التمثيل في البرلمان المقرّر تعيين 70 من أعضائه وانتخاب 140 في الشهر المقبل حقيقياً في التعبير عن التنوّع الاجتماعي والسياسي والطائفي والمناطقي في البلد، مع وجوب شرْطي الكفاءة والجدارة لدى من يتدافعون إلى العمل النيابي ووظائفه الرقابية والتشريعية، ومستعدّين للعمل من أجل إنعاش حياةٍ سياسيةٍ بالحد الأدنى في مرحلة انتقالية، يُفترض أن تؤسّس لمرحلة استقرار سياسي ومؤسّساتي مستدام بعد مغادرة الوضع الراهن الذي تقرر أن يمتد خمس سنوات. 

ولئن تعدّدت تحفّظات نخبٍ سوريةٍ واسعةٍ ومؤاخذاتها على مضامين في الإعلان الدستوري وعلى طرائق إدارة المرحلة الانتقالية وكيفيّات تشكيل الهيئات والمؤسّسات المختصّة في غير قطاع، وفي غالبيّتها مؤاخذاتٌ وجيهة، فإن البناء على كل ما هو إيجابي، والتقاط المشترك مما يساعد في المضي إلى الأمام، أنفع من الوقوف عند الخلافات ومواضع الجدل، الأمر الذي يتطلّب، بداهةً، تخفّف السلطة من ارتيابها، الظاهر والخفي، ممن ليسوا في ضفّة الإسلام السياسي أو الجهادي، وتخفّف كثيرين من معارضي السلطة، أصحاب النزوعات المدينية والحداثية والليبرالية، من الحدّة في الخطاب، والنبرة العدائية، فالمصالحاتُ والتوافقاتُ والتفاهماتُ أول أولويات ما تحتاجه سورية في ظرفها الحسّاس الراهن... والله الموفق.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية