
في ظل التطور المتسارع للتقنيات الجديدة، وسرعة الأخبار، وصعود أسواق لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن، قد يبدو غريباً أن يظل الذهب — هذا المعدن القديم — حاضراً بقوة في المشهد الاقتصادي. ليس كذكرى، بل كخيار فعلي. رغم كل ما تغيّر، هناك شيء واحد لم يتزحزح: الناس ما زالوا يرون في الذهب قيمة لا تبهت.
رغم التغيرات التي طالت كل شيء من حولنا — من الهواتف وطرق الدفع، إلى مفاهيم المال والاقتصاد — لم تهتز صورة الذهب. بقي كما هو وكأن الزمن لا يعنيه.
الذهب في عصر اللايقين
في أوقات الغموض واللايقين، لا يبحث المستثمرون دائماً عن مكاسب ضخمة، بل عن ملاذ آمن. الذهب يؤدي هذا الدور. ليس لأنه يحقق أرباحاً دائمة، بل لأنه نادراً ما ينهار.
في فترات التوتر لا يحتاج الأمر إلى تحليل مالي معقّد لفهم سبب التوجه الجماعي إلى الذهب. أحياناً، يكفي أن تتذكّر كيف تشعر حين ينهار كل شيء من حولك، وتبقى قطعة الذهب تلمع كما هي.
قراءة مختلفة لسعر الذهب في الإمارات
عند تصفّح سعر الذهب اليوم في الإمارات، لا تتوقف عند الرقم الظاهر على الشاشة. اسأل نفسك: لماذا تغيّر هذا السعر؟ ما الذي دفعه إلى الصعود أو الهبوط؟
الأمر لا يتعلق بالإمارات وحدها، بل هو انعكاس لما يحدث في العالم بأسره. الأسواق مترابطة، والمزاج العام ينتقل من دولة إلى أخرى كما ينتقل الضوء في غرفة واحدة.
وقد يحدث أن يتحرك السعر دون سبب واضح، ثم، بعد يوم أو يومين، تظهر أخبار تؤكد أن المشترين لم يكونوا يسعون لصفقة رابحة، بل لهروب مؤقت من قلق لا يمكن التنبؤ به.
الذهب كمؤشر للعاطفة قبل الأرقام
من يتابع تحركات أسعار الذهب يومياً، سيلاحظ ظاهرة لافتة: الذهب يتأثّر بما يشعر به الناس أكثر مما يتأثّر بالأرقام الجامدة. أحياناً يصعد لأنه يعبر عن خوف عام، وأحياناً ينخفض لأن الأسواق تشعر بالارتياح. من منظور اقتصادي صرف، قد يبدو هذا غير منطقي، لكنه من منظور إنساني شديد المنطق.
وهنا يبرز تساؤل مهم: هل الذهب سلعة أم مرآة؟ ربما هو الاثنين معاً. لكنه بلا شك لا يتحرّك فقط بسبب تغيّر معدلات التضخّم أو قرارات البنوك المركزية، بل لأنه يعكس قلق الناس، ثقتهم، وتوقّعاتهم المجهولة.
معدن لا يحتاج إلى تحديث
في عالمٍ يتغيّر فيه كل شيء بسرعة مذهلة، هناك شعور بالراحة حين تتعامل مع شيء لا يتغيّر. الذهب لا يصدر تحديثات برمجية، لا يُخزَّن في السحابة، ولا يُنسى خلف كلمة مرور. إنه ببساطة. كما هو منذ آلاف السنين. وهذه الثبات، رغم بساطته، يمنح شعوراً عميقاً بالاستقرار.
البشر بطبيعتهم لا يحبون التغيير المفرط. وسط الضجيج الرقمي والبيانات المتدفقة، يقدم الذهب حالة من الاتزان، أشبه بجسر قديم لا تزال الناس تثق في عبوره.
لماذا لم تستطع البدائل إزاحة الذهب؟
رغم ظهور بدائل استثمارية حديثة — من العملات الرقمية إلى الأسهم والعقارات — لم يفقد الذهب مكانته كأداة موثوقة.
العملات الرقمية، رغم ضجيجها، لا تزال غير مستقرة، وتعيش تقلبات حادة بين ليلة وضحاها. الأسهم قد تنهار بسبب إشاعة أو تغريدة، والعقارات تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تُثمر.
في المقابل، لا يوزع الذهب أرباحاً ولا يحقق عوائد خيالية، لكنه يمنح شعوراً فريداً: الثقة. وهذه الثقة ليست بالأمر السهل في اقتصاد عالمي سريع التقلب.
متى تهتز الثقة في الأسواق؟
الأسواق لا تفقد ثقتها دائماً بسبب أحداث كبيرة. أحياناً، تكفي نتائج مالية مخيبة لشركة كبرى، أو إعلان مفاجئ عن رفع أسعار الفائدة، لتبدأ حالة من الحذر.
عندها، يتراجع الإقبال على المخاطر، وتزداد الحاجة إلى ملاذ آمن، وهنا يعود الذهب للواجهة. ليس طمعاً في أرباح، بل هرباً من الخسائر.
الذهب يصبح حينها مساحة محايدة أو مكاناً آمناً يعيد فيه المستثمرون تقييم خياراتهم وسط زحمة الاحتمالات المتقلبة.
هل يمكن أن يتغير كل هذا مستقبلاً؟
السؤال مشروع، والإجابة ليست سهلة. فكما تغيرت أدوات المال وأساليبه، قد تتغير أيضاً مفاهيم الثقة والأمان.
لكن حتى اليوم، لم تظهر أداة أخرى تجمع بين الندرة، والاستقرار، والقبول العالمي كما يفعل الذهب.
وربما ما يمنحه هذه القوة ليس خصائصه الفيزيائية فقط، بل رمزيته العميقة: الأمان حين تتلاشى بقية أشكال الأمان.
في النهاية
الذهب لن يكون بالضرورة الوسيلة الأسرع لبناء الثروات، ولن يحقق قفزات سعرية مستمرة في أوقات الاستقرار. لكنه يظل هناك، كأنه ينتظر اللحظة المناسبة ليُظهر قيمته الحقيقية. لا يطالب بالاهتمام، لكنه حاضر حين يحتاجه الناس.
وفي عالم يتسابق مع الزمن، يبقى الذهب في مكانه، لا يلمع دائماً. لكنه لا يصدأ أبداً.
______________________________
يهمّ فريق تحرير "العربي الجديد" أن يوضح لقرائه أنّه دقق في هذا المحتوى الإعلاني، غير أنّ الجهة المعلنة تتحمّل مسؤوليته كاملاً.
