
جسدت مجموعة من اليافعات الفلسطينيات، الاثنين، ملامح الواقع الذي يعشنه في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر الـ22 على التوالي عبر لوحات فنية تشكيلية مزجت ملامح الألم والأمل بمستقبل أكثر أمناً واستقراراً.
وتجمعت 30 فتاة حول لوحات المعرض الفني الذي نظمته مبادرة "ارسم وتنفس" بالتعاون مع بلدية غزة داخل حديقة مركز إسعاد الطفولة، وسط مدينة غزة، للاحتفاء بالإبداع، وبأصوات شابة تعبر عن ذاتها بالريشة والألوان.
وتنوعت اللوحات التشكيلية التي ضمتها زوايا المعرض الفني، حيث عبرت الفتيات عن واقع الخوف والقلق والحزن والوداع بفعل تواصل حرب الإبادة، كذلك صورن ملامح التجويع والحصار التي بدت واضحة على الأجساد الهزيلة والعيون الخائفة التي جسدتها اللوحات. وحمل المعرض بلوحاته التشكيلية معاني إنسانية عميقة، وعبّر عن كل مشاعر الخوف والفقد والحنين والحياة تحت الحصار والدمار، إلى جانب رسالة القوة والأمل والإصرار، وأن الفنانين مستمرين في تجسيد الواقع رغم مختلف التحديات.
وعبّرت الفتاة رهف الوحيدي (15 عاماً) عن مشاعرها وأفكارها من خلال المشاركة في ورشة الرسم، وقد أنتجت لوحة تقارن بين حياة المرأة الفلسطينية قبل الحرب وبعدها، حيث كانت النساء يعشن في حياة ملؤها الأمن والاستقرار، وقد تحول ذلك الواقع إلى خوف وقلق وفقد خلال الحرب.
فيما تجسدت ملامح الخوف في لوحة الفتاة مريم بهار، التي رسمت فتاة خائفة تحاول صم أذنيها عن صوت الانفجارات التي رسمت خارج النافذة الملاصقة لها، وتحدثت لـ"العربي الجديد" عن أهمية الريشة والألوان في التعبير عن الواقع الصعب.
وفي محاولة لإبراز القوة والصمود، قدّمت الفنانة بيجال عويضة رؤية مختلفة للمرأة، إذ صورتها قوية وبألوان صاخبة، تعبيراً عن أحقيتها في حياة آمنة ومزدهرة بعيداً عن الحرب والقتل والخوف. وقالت عويضة في حديث مع "العربي الجديد" إن لوحتها تضمنت رموزاً مهمة، حيث استخدمت الألوان الترابية المرتبطة بالأرض، وأوراق الزيتون النابتة من جذور صلبة، إضافة إلى الأزرق رمز البحر، كما جسدت في الرقبة الطويلة كبرياء المرأة وشموخها، وفي الزخارف أناقتها وجمالها.
وعبّرت الفنانة ميرال قديح (17 عاما) عن واقع المجاعة والخوف الذي يعيشه أهالي قطاع غزة، من خلال لوحات استخدمت فيها اللون الأسود والرمادي القاتم، في مسعى لعكس ملامح المجاعة والإبادة الجماعية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني في غزة. وقالت لـ"العربي الجديد": "رسمت امرأة فقدت زوجها وقد لبست الثوب التراثي الفلسطيني، فيما حرم طفلها من والده، كذلك رسمت لوحة أخرى لطفل جائع".
واختارت الفنانة أمل درويش (17 عاما) تصوير الدمار والقصف، وجسدت الصراع المتواصل بين الحياة الصعبة والأمل، وتطرقت كذلك إلى صمود المرأة وثباتها في الأرض على الرغم من صعوبة الواقع. بينما عبّرت الفنانة مريم سالم (15 عاما) عن الصمود والأمل والقلق ومختلف المشاعر المتضاربة عبر لوحة فنية. وقالت: "رسمت أنثى على الحاجز وهي مليئة بالأمل للرجوع إلى بلادها التي حرمت منها، وقد توشحت بالكوفية التي تعتبر رمزاً أصيلاً من رموز القضية الفلسطينية".
ونال المعرض إعجاب الزوار، ورأت روان الشوا أن الفتيات عبّرن عن الواقع الذي يعيشه أهالي قطاع غزة خلال الإبادة والمجاعة عبر الريشة والألوان، مشيرةً إلى أن الرسم وسيلة من وسائل التفريغ النفسي. أضافت: "كل لوحة تعكس وجع وألم، ما بين إشعال النار وتحضير الطعام والخوف من القصف، وهي أمور نعاني منها على مدار الوقت".
من ناحيتها، قالت منسقة المعرض الفنانة نورا القصاصية إن مشروع "تنفس وارسم" عبارة عن ورشات فنية للشفاء بالفن، وقد انطلق من قلب المعاناة التي يعيشها أهالي القطاع، ويهدف إلى استخدام الفن وسيلةً للتفريغ النفسي، وعلى وجه التحديد للفتيات اليافعات اللاتي يحملن أعباء لا توصف، من تهجير وفقد وخوف وجوع.
وأضافت القصاصية أن المشروع استهدف الفتيات من سن 15 إلى 20 عاماً، ووفّر لهن مساحة آمنة للتعبير عن ذواتهن، خاصة اللواتي تعرضن لصدمات قاسية وانقطاع طويل عن التعليم والأنشطة الترفيهية. كما أشارت إلى أن مخرجات الورشات تمثلت في لوحات صادقة وغنية بالمشاعر، مؤكدةً أن المعرض "ليس مجرد عرض للرسومات فقط، بل محاولة لاستعادة صوتنا الذي يحاول الاحتلال إسكاتَه، وللاعتراف بموهبة الفتيات وقدرتهن على تحويل الألم إلى لون وشكل ورسالة".
بدورها، لفتت مديرة مركز حديقة إسعاد الطفولة التابع لبلدية غزة، فريال حلس، إلى أن المركز يقدم مجموعة من الفعاليات والأنشطة التربوية والثقافية والفنية لفئات الأطفال واليافعين، كان أحدها المعرض الذي ضم أعمال 30 فتاة، عبّرن عن أصواتهن ورؤيتهن للواقع بلغة تشكيلية.
ورأت حلس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المعرض الذي أُقيم بالتعاون مع مبادرة "ارسم وتنفس" يُعد صرخة موجهة إلى العالم، بأن الشعب الفلسطيني شعب حي يستحق العيش بكرامة وحرية وأمن كسائر شعوب الأرض. وأشارت إلى أن المشاركات قصصن من خلال لوحاتهن حكايات جميلة ومرعبة في الوقت نفسه عن واقع المعيشة في غزة خلال حرب الإبادة، وصوّرن المجاعة والقتل والدمار والنزوح المستمر.
