
رغم إجراءات الاحتلال الإسرائيلي القمعية في مسافر يطا جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، ارتفعت أصوات نساء تجمّع "أم الخير" في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، إذ يدخل إضرابهنّ المفتوح عن الطعام اليوم الرابع على التوالي، مطالبات بتسليم جثمان الشهيد المعلم عودة الهذالين الذي احتجز الاحتلال جثمانه بعد أن استشهد الاثنين الماضي برصاص المستوطن المتطرف يانون ليفي، في حادثة موثّقة بالمقاطع المصوّرة.
وقد أعلنت ستون سيدة من نساء تجمع خربة أم الخير، تراوح أعمارهنّ بين 15 و50 عامًا، دخولهن في هذا الشكل الاحتجاجي، مؤكدات أن الإضراب سيستمر حتى تحقيق المطالب كاملة، وعلى رأسها دفن الشهيد عودة في قريته بجنازة لائقة، من دون شروط تفرضها سلطات الاحتلال، بحسب إخلاص الهذالين إحدى النساء المضربات، وقريبة الشهيد عودة.
وتقول إخلاص لـ"العربي الجديد": "إن الإضراب جاء رداً على استمرار احتجاز جثمان الشهيد الهذالين، ومنع دفنه في قريته، ومحاولة فرض قيود على جنازته، من بينها تحديد عدد المشاركين". وتضيف "نحن مضربات وفاءً لدم عودة الذي سُفك دفاعاً عن الأرض، ومن أجل أبنائنا المعتقلين الذين دافعوا عن حقهم بالحياة والكرامة". وتشير إلى أن جميع نساء التجمع شاركن في اتخاذ القرار الجماعي بالدخول في الإضراب، بعد أن قوبلت مطالبهن بالتسويف، قائلة: "حين رأينا أن الاحتلال يرفض تسليم الجثمان، قررنا أن نخوض الإضراب باسم كل نساء أم الخير، نحن هنا معاً في خيمة الاعتصام وبيت العزاء، أرسلنا رسائلنا للمؤسسات الدولية والنشطاء الأجانب بأننا لن نصمت".
وترى إخلاص أن "الجريمة التي ارتُكبت بحق الشهيد عودة الهذالين، وهو أعزل يوثّق اعتداءات المستوطن المتطرّف يانون ليفي، يجب أن تُقابل بموقف شعبي صلب"، قائلة: "عودة لم يكن يحمل حجرًا أو سلاحًا، لقد قتلوه بدم بارد أمام الكاميرات، وهم يمنعون حتى جنازته الآن، ويعتقلون أقاربه، ونحن نطالب بالإفراج عنهم ضمن مطالب الإضراب". وتضيف "نريد تسليم الجثمان دون شروط، وأن ندفنه في أرضه التي وُلد فيها، لا أن يُفرض علينا مكان دفنه أو عدد من يُشيّعونه، هذه حقوق طبيعية".
وكانت سلطات الاحتلال قد عرضت على العائلة عدة خيارات بشأن دفن الجثمان، وجميعها مرفوضة بالنسبة للأهالي، لأنها تنتقص من كرامة الشهيد، وفق ما يقول ياسر الهذالين، أحد أقارب الشهيد الذي يوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن من بين هذه الخيارات أن يُدفن الشهيد في مدينة الخليل أو مدينة يطا، مع منع دفنه في مسقط رأسه في أم الخير، إضافة إلى فرض منع تام لإقامة بيت عزاء أو جنازة أو أي تجمّع.
أما الخيار الآخر، بحسب ما عرضه الاحتلال فيقضي بالسماح بدفنه في أم الخير، ولكن بشرط ألا يتجاوز عدد المشاركين في التشييع 15 شخصًا فقط، على أن يجري الدفن ليلًا تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، ومن دون جنازة أو بيت عزاء. ويقول ياسر الهذالين "رفضنا هذه الإملاءات بشكل قاطع، نحن لن نتسلم جثمان عودة إن لم يكن التسليم بالطريقة التي تليق به، وفق عاداتنا وتقاليدنا، نريده أن يُدفن في أرضه، في أم الخير، وأن نُقيم له جنازة تليق بتضحيته ومكانته، ولن نمنع الناس من تقديم العزاء، إذا كانوا لا يريدون تسليمه إلا بهذه الطريقة المهينة، فليبقَ عندهم".
ويشير ياسر إلى أن سلطات الاحتلال لم ترد على مطالب العائلة منذ أربعة أيام، وما تزال تماطل من دون أي استجابة، رغم الضغوط القانونية والحقوقية الجارية للإفراج عن الجثمان، عبر محامين، ومجلس قروي أم الخير، وجهات دولية ونشطاء حقوقيين. ويقول ياسر الهذالين: "حين استشهد عودة، توافدت القبائل المجاورة والتجمعات البدوية إلى أم الخير، لكن قوات الاحتلال اقتحمت المنطقة وفضّت التجمهر وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة لـ24 ساعة، رغم الحضور الكبير من النشطاء الأجانب، ومع ذلك، أصر الأهالي على العودة إلى خيمة الاعتصام وبيت العزاء، رغم كل ما فرض عليهم من قيود".
ويعبّر قريب الشهيد عودة عن استياء العائلة من غياب الجهات الرسمية الفلسطينية، قائلًا: "حتى الآن لم يزر أم الخير أي وفد من محافظة الخليل، أو من إقليم حركة فتح، أو من الفصائل، أو من الأجهزة الأمنية، ولم يأتِ أحد لتعزية العائلة، رغم أن الجريمة لاقت صدى كبيراً، ومن حضر كانوا النشطاء الأجانب وسكان التجمعات والقرى المجاورة".
ويوضح ياسر أن قوات الاحتلال اعتقلت نحو 19 رجلًا من أبناء خربة أم الخير، أُفرج عن تسعة منهم، في وقت ما يزال ثمانية آخرون قيد الاعتقال من بينهم اثنان من أبنائه، وجميعهم من أقارب الشهيد عودة. ويقول "التحقيق مع المعتقلين كان بلا هدف، فقط لتوجيه التهديدات والإهانات وتلفيق الاتهامات، نحن لسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق ندافع عن بيوتنا، والاحتلال ومستوطنيه من يسعون لطردنا من أرضنا، لكننا لن نغادرها".
وكان القضاء الإسرائيلي قد تساهل وانحاز إلى المستوطن يانون ليفي، رغم قتله عودة الهذالين عن سبق إصرار وترصّد، ولم يسجنه ويعاقبه واكتفى بوضعه تحت الحبس المنزلي. وكان من المفترض تمديد اعتقال المستوطن ثمانية أيام، لكن تم تقليصها، ومن المتوقع إطلاق سراحه قبل الموعد أيضًا، بذريعة الدفاع عن النفس، ومن غير المستبعد أن يعود خلال الأيام المقبلة لتنفيذ اعتداءات جديدة بحق السكان، وفق ياسر.
وناشد ياسر، الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة الفلسطينية بالتدخل العاجل للإفراج عن جثمان الشهيد، ودفنه في أم الخير بجنازة لائقة، وإطلاق سراح الشبان المعتقلين، كما دعا المؤسسات الحقوقية والدولية، والفصائل، إلى الوقوف إلى جانب الأهالي في أم الخير، الذين يواجهون منذ سنوات محاولات ترحيل منظمة. وأضاف: "الاحتلال يسعى منذ ثلاث سنوات لتفريغ المنطقة، من خلال مصادرة الأراضي، وتجريف الأشجار، وحرماننا من مصادر رزقنا، كالماشية والمياه والكهرباء، وهدفهم إخلاء أم الخير بالكامل، ونحن نطالب الجميع بدعمنا لمنع ذلك".

أخبار ذات صلة.



