
في تطور يعكس سير عمان نحو التوافق مع المعايير الدولية للحوكمة المالية، حصلت السلطنة على تصنيف "متوافق إلى حد كبير" (Largely Compliant) في مجال الشفافية الضريبية وتبادل المعلومات بناء على مراجعة وتقييم رسمي صادر عن المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) خلال شهر يوليو/تموز الجاري، ما سلط الضوء على العوامل الدافعة لهكذا تطور ودلالته الاقتصادية. وجاء التصنيف العماني الجديد نتيجة مراجعة شاملة لمنظومة التشريعات والإجراءات التنفيذية في السلطنة، بالإضافة إلى استعراض عملي للتدابير المتخذة على أرض الواقع خلال الفترة من 2021 إلى 2023، بما في ذلك آليات جمع المعلومات المالية، والحفاظ على سرية البيانات، والتعاون مع الجهات الحكومية، والقدرة على تبادل المعلومات الضريبية وفقًا للمعايير الدولية، حسبما أورد موقع منظمة (OECD) الدولية.
وفي هذا الصدد، يشير الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوقعات تؤشر إلى أن السلطنة ستواجه مقاومة أولية من جانب عدد من المواطنين والمقيمين عند تطبيق نظام الامتثال الضريبي المزمع تنفيذه في عام 2028، نظرا لأن الفكرة تعد جديدة ليس فقط في السياق المحلي، بل أيضا على مستوى دول الخليج. ويوضح الطوقي أن هذه المقاومة طبيعية، لأن ثقافة الالتزام الضريبي لم تترسخ بعد كجزء من السلوك الاقتصادي اليومي، سواء بالنسبة للعمانيين أو للوافدين، الذين غالبا ما يختارون القدوم إلى دول الخليج تجنبا للأنظمة الضريبية المفروضة في بلدانهم الأصلية.
ويشير الطوقي إلى أن هذه الخلفية قد تدفع بعض الأفراد إلى البحث عن طرق للتهرب الضريبي في عمان أو تجنب الالتزامات المالية الجديدة بأي وسيلة ممكنة، لكنه يشدد على أن الحكومة تمتلك الأدوات الرقابية والتقنية اللازمة لمكافحة هذه الممارسات، وأن الانتقال إلى نظام ضريبي منظم هو عملية تدريجية تتطلب وقتا طويلا لترسيخ الوعي وبناء الثقة بين الدولة والمواطن، لافتا إلى أن التوقيت المحدد للتنفيذ، وهو عام 2028، يعكس هذه الطبيعة التدريجية، ويمنح الجهات المعنية فرصة كافية لإكمال بناء منظومة الضرائب بشكل شامل وفعال.
ومن أبرز الفوائد المرجوة من إرساء هذه المنظومة، حسبما يرى الطوقي، تحسين تصنيف عمان في المؤسسات المالية الدولية، والتي تأخذ بعين الاعتبار شفافية الأنظمة المالية، ودرجة الامتثال الضريبي، واستقرار السياسات الاقتصادية، مضيفا أن التقدم في هذه التصنيفات من شأنه أن ينعكس إيجابا على قدرة الدولة على جذب الاستثمارات، وتقليل تكلفة الاقتراض، وتعزيز ثقة الأسواق المالية العالمية.
كما أن النظام الضريبي المنظم لا يخدم الدولة فحسب، بل يسهم أيضا في تنظيم حياة الأفراد، من خلال حثهم على توثيق تعاملاتهم وتنظيم حساباتهم وحفظ فواتيرهم وتحسين سلوك الإنفاق، ولذا يرى الطوقي أن التحول الجاري في عمان يعد خطوة مهمة نحو بناء اقتصاد رقمي شفاف يقلل التعاملات النقدية غير المسجلة ويدعم المحتوى المحلي، حيث يُصبح المستهلك أكثر وعيا بأهمية الشراء من داخل البلد، والاحتفاظ بالفواتير، والمساهمة في الدورة الاقتصادية الوطنية. ويخلص الطوقي إلى أن الهدف من الشفافية الضريبية ليس فقط جمع الإيرادات، بل بناء ثقافة اقتصادية حديثة تُسهم في استدامة النمو، وتعزيز الشفافية، وتمكين الدولة من تطوير بنيتها التحتية وخدماتها العامة بموارد محلية أكثر استقرارا.
وترتكز أسباب التقدم، وفق التقرير ذاته، على حزمة من الإصلاحات التي تم تنفيذها على مدى السنوات الأخيرة: من بينها تحديث منظومة التشريعات الضريبية، وفرض إلزامية الاحتفاظ بسجلات مالية من قِبل المؤسسات المصرفية، بالإضافة إلى تعزيز قدرات هيئة الضرائب في الوصول للمعلومات ومضاعفة التعاون مع الجهات الرقابية الأخرى. كما ساعد التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، والانخراط في الالتزامات الدولية المندرجة تحت مظلة "الاتفاقية متعددة الأطراف للمساعدة الإدارية المتبادلة في المسائل الضريبية"، على تدعيم مكانة السلطنة في منظومة الحوكمة الضريبية العالمية، حيث أشار التقرير الأخير للمنتدى العالمي بوضوح إلى قوة البنية القانونية والإدارية في السلطنة، التي اعتبرها ملتزمة بشكل فعال بالمعايير العالمية في 9 من أصل 11 معيارا أساسيا خضعت للتقييم.
ولا تقتصر دلالة تصنيف عمان الجديد على الإطار الفني الضيق لمنظومة الضرائب، بل تتجاوز ذلك إلى تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد العماني، وتوطيد موقع السلطنة كمركز أعمال يتسم بالشفافية وحسن الإدارة، بحسب تقرير نشره موقع شركة "عمانتل"، المزودة لخدمات الاتصالات في السلطنة. ويلفت التقرير ذاته إلى أن التصنيف العماني الجديد يسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية، ويمنح السلطنة ميزة في المشهد التنافسي الإقليمي والعالمي، خاصة في القطاعات الأكثر حساسية للشفافية كالمصارف والتكنولوجيا المالية، كما أن الامتثال للمعايير الدولية يعضد جهود الحكومة في مكافحة التهرب الضريبي، ويدعم موقع السلطنة في الشراكات الدولية.
وبالنسبة إلى كلفة الامتثال الضريبي على التجار والمهنيين وأصحاب المحلات الصغيرة، يشير تقرير نشرته صحيفة "عمان أوبزرفر" إلى أن التوجه الحديث للسلطنة نحو الحوكمة الرقمية والشفافية وتبسيط الإجراءات أسهم في تقليص الأعباء الإدارية والتكاليف المرتبطة بعملية الامتثال، مشيرة إلى أن الهيئة الضريبية اعتمدت أنظمة رقمية متطورة، ووفرت بوابات إلكترونية لإيداع الطلبات والسجلات، ما يسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بتقليل الوقت والتكلفة المخصصين للامتثال التنظيمي، مقارنة بأنظمة تقليدية أكثر تعقيدا كان معمولا بها سابقا.
وإضافة إلى ذلك، حافظ النظام الضريبي على حوافز خاصة لهذه الفئة، منها الإعفاءات أو المعدلات الضريبية المخفضة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المؤهلة، مع تقليل التقارير المطلوبة وتبسيط متطلبات الحفاظ على السجلات المالية، بحسب التقرير ذاته، لافتا إلى أن هذا الانسجام بين التشريعات المحلية والمعايير الدولية يخلق بيئة ضريبية واضحة وقابلة للتنبؤ، ما يجعل الامتثال جزءًا تنظيميا يسيرا لا يثقل كاهل التجار أو أصحاب الأعمال الصغيرة.

أخبار ذات صلة.
