
يستضيف غاليري P21 في لندن معرضاً فوتوغرافياً بعنوان "رحلة 0710"، أشبه ببيان بصري حي، يقدّم سرداً فوتوغرافياً عن تقاطع النضال السياسي مع الفن، بعدسة المصوّر البريطاني وين كامبل. بعدسته، يقتحم كامبل حدود المكان والهوية والالتزام، ويوقّع أول حضور منفرد لفنان أسود في هذا الغاليري الذي اعتاد احتضان أعمال من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لحظة رمزية تتقاطع فيها النضالات، وتتجاوز الحدود والهويات، في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى التضامن بين المقموعين.
افتتح المعرض في 10 يوليو/ تموز ويستمر حتى 12 سبتمبر/ أيلول، ويضم سلسلة من الصور الوثائقية الحيّة التي التقطها كامبل خلال احتجاجات التضامن مع غزة في شوارع بريطانيا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلى جانب لقطات حميمة من الحياة اليومية في الضفة الغربية. بين الوجوه والجموع، بين الشعارات وملامح الصمت، بين القمع والأمل، تتنقّل عدسته. لا تبتغي صوره إثارة الشفقة أو إعادة إنتاج صورة الفلسطيني بكونه ضحية، بل ترصد فعل الصمود الإنساني المستمر، وتعيد تقديم الفلسطيني في لحظات كرامته وقوته وهشاشته أيضاً. صور مسكونة بالغضب مثلما هي مشغولة بالحب، لا تخشى التوتر بين الجمال والمعاناة.
وُلد وين كامبل في حيّ بريكستون اللندني، مهد الثقافة السوداء ومقاومة العنصرية، حيث تشكّل وجدانه منذ الطفولة. بدأ حياته المهنية في التصميم الغرافيكي والإخراج الفني، قبل أن يكتشف أن الكاميرا تمنحه مساحة أوسع للتعبير والانخراط في الشأن العام. انطلق مشروعه الفوتوغرافي الجريء بعد مقتل جورج فلويد عام 2020، حين وثّقت عدسته لحظات الغضب والاحتجاج في شوارع لندن، وأصدر لاحقاً كتاباً بعنوان A Celebration of Demonstration أرّخ فيه ذلك الغليان. منذ ذلك الحين، كرّس فنه لتوثيق الحركات المناهضة للعنصرية والقمع.
ما يميز معرضه الأخير، أن فلسطين لا تأتيه باعتبارها قضية بعيدة، بل امتداداً لنضاله الشخصي والجماعي. في رؤيته، الجدران التي تفصل السود عن حقوقهم في لندن هي ذاتها التي تقيمها إسرائيل في الضفة الغربية؛ كلاهما يعيش تحت أنظمة مراقبة وقمع وسيطرة استعمارية. يقول كامبل إنه يتعامل مع الصورة كجسر نحو التضامن الإنساني، لا كتوثيق محايد. يختار الانحياز للضمير الإنساني، ويصوغ ذلك بأدوات حسّاسة وعدسة مشغولة بالتفاصيل.
المعرض لا يكتفي بالعرض البصري، بل يفتح مساحات للنقاش والحوار، عبر ورش وجلسات مع ناشطين وفنانين ومؤرخين، ما يمنح تجربة الزائر أبعاداً متعدّدة. يوسّع كامبل مفهوم المعرض ليجعله فضاءً للتفاعل والمداخلة، لا مجرد مشاهدات ساكنة.
في "رحلة 0710"، تتخذ الفوتوغرافيا موقعها بوصفها مشروع مقاومة ومنصة لرواية سرديات مهمَّشة، بوعي حاد بالسياسات البصرية: كيف تُلتقط الصور، ولمن تُعرض، وكيف تُستخدم في الفضاء العام. طريقة عرض الصور تكسر التسلسل الزمني التقليدي، وتترك للزائر حرية التنقّل بين خريطة وجدانية، بعضها بلا تعليق، وبعضها مرفق بتسجيلات صوتية أو نصوص قصيرة تُحيل إلى وقائع أو مشاعر شخصية. ينجح المعرض في خلق توازن بين المحلي والعالمي، بين الفردي والجماعي، بين السياسي والجمالي.
بعدسته، يقترح كامبل إعادة التفكير في الفن السياسي، ليس بوصفه دعاية أو خطاباً تعبوياً مباشراً، بل فعل انخراط ومسؤولية وانحيازاً للعدالة. اختياره لغاليري P21 ليس تفصيلًا عابراً، بل جزء من رسالة تتقاطع فيها الهويات المنفية والمجتمعات المقاومة، من بريكستون إلى غزة، ومن رام الله إلى لندن. فلسطين هنا ليست "موضوعاً خارجياً"، بل حاضرة ضمن خرائط النضال العالمي من أجل العدالة والتحرر، في مواجهة حملات الرقابة والتضييق على الأصوات المتضامنة. يأتي هذا المعرض فعل مقاومة ناعماً، لكنه عنيد، يذكّر بأن الصورة قد تكون سلاحاً، وأن العدسة أحياناً تلتقط ما تعجز الكلمات عن قوله.

أخبار ذات صلة.
