
سبتمبر نت/ محمد العياشي:
الحوثية في اليمن تمثل مشروعًا سياسيًا دينيًا سلاليًا، وليست مجرد حركة تمرد حديثة أو خلافًا سياسيًا عابرًا على السلطة, تعود جذورها إلى التراث الزيدي الإمامي الذي أسس مفهوم الحق الحصري في الحكم للسلالة الهاشمية بوصفه واجبًا دينيًا لا ينازعهم فيه أحد, هذه الفكرة المركزية ليست مجرد نزعة دينية روحية، بل منظومة سياسية متكاملة تقوم على نفي شرعية أي نظام جمهوري أو زعيم أو حزب من خارج هذه السلالة؛ لذلك يرى الحوثيون في خصومهم السياسيين من جمهوريين وأحزاب إسلامية أو يسارية مغتصبين للسلطة الشرعية.
إن مشروع الحوثي يستند إلى تراث فقهي قديم لا يزال الحوثيون يحيونه ويعيدون تدريسه، ويتضمن نصوصًا صريحة تبرر قتال المخالفين ونهب أموالهم وسبي نسائهم باعتبار ذلك غنائم وفيئًا مشروعًا, إذ تحتوي كتب أئمة الزيدية مثل الإمام عبدالله بن حمزة وغيره على فتاوى تعتبر من لا يعترف بإمامتهم مرتدًا يجب جهاده, هذه النصوص الفقهية القديمة ليست تاريخًا منسيًا، بل مادة للتعبئة الأيديولوجية في معسكرات الحوثيين، وهي التي تفسر إلى حد كبير القدرة على تجنيد المقاتلين والأطفال وغسل أدمغتهم بشعارات طائفية وتكفيرية ضد خصومهم في الداخل.
سياسيًا يعيد الحوثيون إنتاج أساليب الغدر التاريخي ذاته، مستخدمين الاتفاقات والهدنات كتكتيك مرحلي لا كالتزام أخلاقي أو قانوني, فتاريخ الأئمة الزيديين في اليمن معروف بنقض العهود، مثل حادثة دخول الهادي يحيى بن الحسين إلى صنعاء بعد إعطاء الأمان لأهلها, وفي العصر الحديث كرر الحوثيون هذا السلوك في انقلابهم على الدولة في 2014 رغم مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما شكل شرارة الحرب الأهلية الدامية التي لا تزال مستمرة.
اجتماعيًا يمثل المشروع الحوثي بنية سلالية مغلقة ترفض المساواة في المواطنة وتفرض تسلّط طبقة الهاشميين على بقية المجتمع اليمني, إذ يطالبون بدفع الخمس كنظام مالي إلزامي لصالح السلالة، ويعيدون فرض نظام طبقي كان سببًا رئيسيًا في اندلاع الثورة ضد الإمامة عام 1962, هذا المشروع العنصري لا يقتصر على الأيديولوجيا، بل يتجلى في سياسات عملية من مصادرة ممتلكات الخصوم ونهب موارد الدولة والمؤسسات وفرض الإتاوات على التجار لتمويل المجهود الحربي وثراء قياداتهم.
عسكريًا وأمنيًا لا يمكن اعتبار الحوثيين حزبًا سياسيًا تقليديًا، بل هم مليشيا عقائدية تعتمد على العنف المسلح والاغتيالات والخطف والإخفاء القسري، وتعتبر ذلك جزءًا من واجبها الديني, وتغلف هذه الممارسات بشعارات مثل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي شعارات تُستخدم لتبرير كل انتهاك ضد الخصوم السياسيين والمدنيين.
هذه الخلفية الفكرية ليست اختراعًا حديثًا بل موثقة حتى لدى المؤرخين المعاصرين للأئمة، مثل الشوكاني الذي انتقد بوضوح فقه الغزو الداخلي ونقض العهود.
إن الحرب القائمة اليوم في اليمن ليست مجرد تنافس على السلطة بين قوى متشابهة بل هو صدام بين مشروع جمهوري وطني يقوم على المساواة بين المواطنين وبين مشروع ديني سلالي يرى أن الحكم حق إلهي حصري لسلالة معينة ويعتبر المجتمع كله في خدمتها وخاضعًا لسلطانها الديني والسياسي.
من هنا فإن أي مقاربة سياسية جادة للسلام في اليمن لا يمكن أن تتجاهل هذه الجذور الفكرية والأيديولوجية، لأن تجاوزها دون تفكيكها يعني القبول باستمرار أسباب العنف والصراع وتجددها في أي وقت.
الحل ليس مجرد اتفاق سياسي شكلي أو تقاسم سلطة هش، بل معالجة حقيقية لفكرة الحق الإلهي الحصري في الحكم وتفكيك البنية العقائدية والسلالية التي تغذي الصراع وتبرر العنف وتمنع قيام دولة المواطنة المتساوية.
ظهرت المقالة الحوثيـة مشروع يهدد فكرة الدولة والمواطنة أولاً على سبتمبر نت.