
تبدأ، اليوم السبت، المرحلة الثانية من مشروع دعم الكهرباء في سورية، بتمويل من صندوق قطر للتنمية، بطاقة استيعابية تبلغ 800 ميغاواط وتستمر لمدة عام كامل، ما يمثل نقلة نوعية في واحد من أكثر القطاعات حيوية وتأثراً خلال سنوات الحرب. ووفق بيان صادر عن الصندوق، "تأتي هذه الخطوة تنفيذاً لتوجيهات أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واستكمالاً لجهود الدوحة في دعم السوريين في القطاعات الأساسية".
وستُرسل الإمدادات الكهربائية إلى سورية عبر أذربيجان وتركيا، على أن تبدأ عملية الاستقبال والتوزيع من محطة حلب (شمال)، وتشمل مدناً وأحياء مختلفة في عموم البلاد. وبحسب التقديرات، من المنتظر أن تسهم هذه المرحلة في رفع عدد ساعات التغذية الكهربائية من 3.5 إلى نحو 5 ساعات يومياً، أي بزيادة قدرها 40%، يستفيد منها نحو 5 ملايين مشترك، في وقت لا يزال فيه قطاع الكهرباء في سورية يواجه تحديات كبيرة بفعل تدمير البنية التحتية ونقص الموارد.
هكذا سينعكس دعم قطر للكهرباء على ساعات التغذية
وأكد مدير عام مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء في سورية خالد أبو دي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "للدعم القطري أثراً مباشراً على تحسين واقع الكهرباء في البلاد، ومن المرجّح أن يؤدي إلى رفع عدد ساعات التغذية لتتراوح بين 8 و10 ساعات يومياً خلال الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أنّ "هذا التحسّن سيخفف الأعباء اليومية على المواطنين، ويدعم الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية".
وأضاف أنّ "شبكة الكهرباء في سورية ذات طابع حلقي، أي أن أي تحسّن في الإنتاج سينعكس على جميع المواطنين من دون استثناء أو تخصيص لمناطق معينة"، مشيراً إلى أنّ "الزيادة في ساعات التغذية ستكون مرتبطة بكميات الغاز التي يمكن توريدها خلال الفترة المقبلة، حيث يُنتج كل مليون متر مكعب من الغاز نحو 200 ميغاواط من الكهرباء، وهي كمية كافية لزيادة ساعات التشغيل بما يعادل ساعة ونصف يومياً".
وأوضح أبو دي أنّ "التغذية سترتفع اعتباراً من مساء السبت في معظم المناطق، ضمن خطة حكومية لتحسين التوزيع"، مضيفاً أنّ "الخطة المستقبلية تستهدف الوصول إلى 18 ساعة يومياً بحلول نهاية عام 2026، اعتماداً على مشاريع الطاقة الشمسية التي تنفذها وزارة الطاقة خلال الأشهر المقبلة". وحول مدى جاهزية الشبكة الوطنية لاستيعاب الكميات الجديدة، أكد أبو دي أنّ الاختبارات التي أُجريت "أثبتت الجاهزية الكاملة للبنية التحتية، وقد ضُخّت كميات من دون تسجيل أي مشكلات فنية، ما يعكس كفاءة الشبكة واستعدادها التشغيلي الكامل".
تحسن إيجابي في النشاط الاقتصادي
ومن المتوقع أن ينعكس هذا التحسّن إيجاباً على النشاط الاقتصادي، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تعاني من انقطاعات طويلة في التيار الكهربائي وارتفاع تكاليف التشغيل، وتشير التوقعات إلى أن زيادة ساعات التغذية ستمكّن المصانع والورش والخدمات الحيوية من استئناف عملها بوتيرة أعلى وأكثر انتظاماً.
وكانت المرحلة الأولى من المشروع، التي نُفذت بطاقة 400 ميغاواط، قد ساهمت في تحقيق استقرار جزئي في الشبكة الكهربائية، ورفعت عدد ساعات التشغيل في بعض المناطق الصناعية من 16 إلى 24 ساعة يومياً، ما شكّل دعماً مباشراً للقطاعات الإنتاجية المتعثرة. وبذلك، ترتفع قيمة المساهمات القطرية في قطاع الكهرباء السوري إلى أكثر من 760 مليون دولار أميركي، وفق ما أكده صندوق قطر للتنمية، في إطار ما وصفه بـ"الالتزام الثابت تجاه الشعب السوري ودعم البنية التحتية لضمان حياة كريمة وآمنة".
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي عمار يوسف أنّ الدعم القطري الجديد "قد لا يقتصر أثره على الجانب الخدمي فقط، بل يُتوقع أن يُحدث تحسّناً ملحوظاً في الأداء الاقتصادي العام". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ النقص الحاد في الكهرباء "كان ولا يزال من أبرز التحديات أمام الإنتاج المحلي، ورفع عدد ساعات التغذية يساهم في تقليل التكاليف، ويُترجم بانخفاض الأسعار، ودعم المنتجين والمستهلكين على حد سواء".
وأشار إلى أن تحسّن الإمدادات "يعزز من قدرة المنتجات السورية على المنافسة محلياً وخارجياً، ما قد يسهم في تقليص الاعتماد على الاستيراد، وزيادة فرص التصدير"، لافتاً إلى أنّ ذلك "سينعكس إيجاباً على سعر صرف الليرة السورية عبر تقليص الطلب على العملات الأجنبية". وعلى الصعيد الإقليمي، رحّب السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سورية توماس برّاك بالمبادرة القطرية، واصفاً إياها بـ"الخطوة العميقة نحو التخفيف والاستقرار في لحظة حرجة".
وقال في تصريح إنّ "تدفق الغاز الطبيعي الأذربيجاني عبر تركيا اعتباراً من 2 أغسطس/ آب سيسهم في توليد 800 ميغاواط من الكهرباء، ويوفر الإنارة لما يقارب خمسة ملايين منزل في سورية"، مؤكداً أنّ هذا الدعم "يُجسد شراكة جريئة من قبل دولة قطر وقيادتها، ويعكس التزاماً إنسانياً حقيقياً تجاه الشعب السوري".
تشير التقديرات إلى أنّ قطاع الكهرباء في سورية تكبّد خسائر فادحة نتيجة سنوات النزاع المستمرة، حيث بلغت الخسائر المباشرة نحو 40 مليار دولار، في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 80 مليار دولار، وقد أدى ذلك إلى تدمير 59 محطة تحويل كهربائي بشكل كامل، وتعطل 129 خط توتر عالٍ، بالإضافة إلى عمليات النهب والسرقة التي طاولت العديد من المنشآت، ما أسفر عن تدهور حاد في شبكة الكهرباء الوطنية.
ورغم هذه التحديات الجسيمة، تعمل الحكومة السورية على تنفيذ خطة متكاملة لإصلاح القطاع، ترتكز على ثلاث مراحل أساسية تشمل الطوارئ، إعادة البناء، والتطوير والاستدامة، بهدف زيادة ساعات التغذية الكهربائية، وإعادة تأهيل المحطات المتضررة، وتعزيز الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتأتي مساهمة صندوق قطر للتنمية في هذا السياق دعماً حيوياً يسهم في تخفيف الأعباء على البنية التحتية الكهربائية، ويساعد في دفع عجلة التعافي الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ما يفتح آفاقاً جديدة لتحسين جودة الحياة للمواطنين السوريين.
