
أفادت منظمتان غير حكوميتَين للدفاع عن حقوق الإنسان بأنّ الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي شهدت اعتداءات جنسية على نطاق واسع، استمرّت بعدها. وأشارت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" و"منظمة العدالة والمساءلة في القرن الأفريقي"، في تقرير أخير، إلى "حالات حمل قسري" و"استعباد جنسي" في ما وصفتاه بأنّه "جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية" في الإقليم.
وكان نزاع قد اندلع في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2020 في إقليم تيغراي الواقع في شمال إثيوبيا، بين القوات الإثيوبية بدعم من الجيش الإريتري ومليشيات محلية، وبين جبهة تحرير شعب تيغراي. فقُتل ما لا يقلّ عن 600 ألف شخص خلال هذا النزاع، وفقاً لأرقام الاتحاد الأفريقي. وقد اتُّهمت كلّ الأطراف بارتكاب جرائم حرب، فيما بيّنت منظمات حقوق الإنسان بأنّ غالبية هذه الجرائم ارتكبها إريتريون.
وأدّى اتفاق السلام الذي وُقّع في جنوب أفريقيا إلى وقف القتال في نوفمبر من عام 2022، أي بعد عامَين من اندلاع النزاع، لكنّ المقاتلين الإريتريين ما زالوا في المنطقة تماماً كما مليشيات أمهرة التي تحمل اسم منطقة مجاورة معادية لجبهة تحرير شعب تيغراي.
وفي تقريرهما الذي أتى في 90 صفحة، ذكرت "أطباء من أجل حقوق الإنسان" و"منظمة العدالة والمساءلة في القرن الأفريقي" أنّ "العنف الجنسي والحمل القسري المعمّم والممنهج المرتبط بالنزاع ارتُكبا في تيغراي واستمرّا بعد توقيع اتفاق السلام"، وذلك بين عامَي 2020 و2024 على أقلّ تقدير. أضافت المنظمتان أنّ "مثل هذه الأفعال ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً العنف الجنسي والحمل القسري والعبودية الجنسية والاضطهاد الذي يقوم على أساس العرق ونوع الجنس والعمر والسياسة"، وأشارتا إلى أنّ هذه الجرائم ارتُكبت بقصد "تدمير مجتمعات وأعراق تيغراي".
📢 Major new report on sexual and reproductive violence #CRSV in #Ethiopia from Physicians for Human Rights @P4HR and the Organization for Justice and Accountability in the Horn of Africa @O_JAH_ https://t.co/RyjSKVlTjV
— Physicians for Human Rights (@P4HR) July 31, 2025
وقالت الباحثة ليندسي غرين في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" والمؤلّفة المشاركة في التقرير لوكالة فرانس برس: "في ما يتعلّق بمصطلح الإبادة، لا بيانات لدينا لتحديد ذلك، لكنّ مرتكبي (العنف الجنسي) أعربوا بوضوح عن نيّتهم في إبادة الجماعة العرقية في تيغراي، والإصابات الجسدية التي ألحقوها تتّفق مع هذه النيّة".
وقد تحدّثت المنظمتان مع أكثر من 500 متخصّص في مجال الصحة بأقليم تيغراي، وخلصتا إلى أنّ غالبية حالات العنف الجنسي، وعدد منها بحقّ قصّر/ قاصرات ارتكبها إريتريون، ما زالت تُرتكَب مع "إفلات تام من العقاب". كذلك، أفاد ضحايا كثيرون بأنّهم اُصيبوا بأمراض منقولة جنسياً، بما في ذلك الإيدز. وقال أحد المتخصّصين في مجال الصحة، في التقرير، إنّ "الدافع وراء هذه الجرائم لم يكن الرغبة الجنسية بل الرغبة في التسبّب في الأذى والألم".
وتقيم إريتريا، التي يحكمها إسياس أفورقي بقبضة من حديد منذ استقلالها عن إثيوبيا في عام 1993، علاقات متوتّرة مع جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الذي هيمن على إثيوبيا بين عامَي 1991 و2018. واندلعت حرب بين الجارتَين الواقعتَين في القرن الأفريقي بين عامَي 1998 و2000 بسبب نزاعات حدودية.
ونقل تقرير المنظمتَين عن ممرّضة في إقليم تيغراي، تحدّثت إلى ضحايا العنف الجنسي، أنّه عُثر في أرحامهنّ على حجارة ومسامير وقطع من البلاستيك كُتبت عليها رسائل مناهضة لتيغراي، وقد ذكرت الضحايا أنّ "جميع عناصر الجيش الإريتري تلقّوا تعليمات بإصابة مهابل النساء في تيغراي".
وحاولت وكالة فرانس برس التواصل مع السلطات في إريتريا للحصول على ردّ بخصوص الاتهامات، لكنّ وزير الإعلام الإريتري يماني غبرميسكيل لم يعلّق.
وفي تقرير "أطباء من أجل حقوق الإنسان" و"منظمة العدالة والمساءلة في القرن الأفريقي"، اتُّهم كذلك الجيش الإثيوبي ومليشيات أمهرة بارتكاب عنف جنسي، لكنّ المتحدّث الرسمي باسم الجيش لم يُجب عن أسئلة وكالة فرانس برس.
وأكدت الباحثة ليندسي غرين لوكالة فرانس برس: "وثّقنا جرائم مروّعة في تيغراي"، مضيفةً أنّه بين عامَي 2021 و2024 على أقلّ تقدير، "وقعت أعمال عنف جنسي مرتبطة بالنزاع في أمهرة وعفر حيث أعرب الجناة عن نيّتهم في الثأر من العنف في تيغراي". يُذكر أنّ مليشيات من عفر، المنطقة المجاورة للإقليم، حاولت كذلك محاربة قوات تيغراي خلال الحرب من دون جدوى. ثمّ انقلبت مليشيات أمهرة على القوات الفيدرالية، وراحت تقاتلها منذ إبريل/ نيسان 2023.
واستنكرت غرين "الإفلات من العقاب المعمّم في إثيوبيا على جرائم العنف الجنسي والحمل القسري بسبب النزاع في إثيوبيا". أضافت أنّ "مرتكبي هذه الجرائم تصرّفوا من دون محاسبة، وقد كُمّت أفواه الضحايا، والوضع مُقلق في ظلّ تصاعد التوتّر بين إثيوبيا وإريتريا". تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا توتّرت مجدّداً، الأمر الذي يثير مخاوف من اندلاع صراع جديد بين البلدَين الواقعَين في القرن الأفريقي.
(فرانس برس، العربي الجديد)
