زار وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الجمعة، بلدة الطيبة شرقي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، واطلع على اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بها، واصفاً الهجمات بأنها "بمثابة إرهاب منظم". وكان في استقبال الوزير رئيس بلدية الطيبة سليمان خورية، ورعاة الكنائس في البلدة، وبعض الأهالي.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن الوزير الألماني قوله إن "اعتداءات المستوطنين بحق بلدة الطيبة، وغيرها من المناطق، ليست أعمالاً أحادية، وهي بمثابة إرهاب منظم وجرائم بحق المواطنين، ويجب أن يتم متابعتها وإيقافها". وأضاف فاديفول أن هناك تقارير أفادت بأن الجيش الإسرائيلي لم يمنع تلك الاعتداءات أو ربما قد يكون شارك فيها، و"هذا ما يقلق الحكومة الألمانية".
ودعا إسرائيل إلى الالتزام بالقوانين الدولية، وملاحقة المستوطنين المعتدين، وتوفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين. واعتبر فاديفول، التوسع الاستيطاني عقبة أمام حل الدولتين، ويحد من حركة الفلسطينيين، مؤكداً ضرورة سن قوانين رادعة للمستوطنين المعتدين. وقال إن برلين ستواصل الضغط على المستوى الأوروبي لفرض عقوبات على المستوطنين الذين ينفذون أعمال عنف.
وفي 28 يوليو/تموز الماضي تسلل مستوطنون إسرائيليون إلى بلدة الطيبة وهاجموا منازل المواطنين، وأضرموا النار في مركبتين، ما أدى إلى احتراقهما بالكامل. وأوضحت مصادر محلية في حينه أن "المستوطنين خطوا شعارات عنصرية وتهديدات على الجدار الخارجي لأحد المنازل". وفي 4 يونيو/ حزيران الماضي، أقام مستوطنون بؤرة استيطانية جديدة على أنقاض بيوت عائلة فلسطينية جرى تهجيرها قبل نحو عام، بعد سلسلة هجمات عنيفة في بلدة الطيبة.
وفي 7 يوليو الماضي، أضرم مستوطنون النار قرب مقبرة وكنيسة القديس جاورجيوس (الخضر) التاريخية في البلدة، ما أثار ردات فعل كنسية ودولية واسعة، نددت باعتداءات المستوطنين على المقدسات ودور العبادة. وعقب الهجوم زار عدد من بطاركة الكنائس ورؤسائها في القدس، ودبلوماسيون من أكثر من 20 دولة عربية وأجنبية، بلدة الطيبة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين. والطيبة بلدة فلسطينية تقع على السفوح الشرقية للضفة الغربية، وسكانها من المسيحيين الفلسطينيين.
إلى ذلك، سعى وزير الخارجية الألماني إلى التخفيف من حدة تعليقاته السابقة حول موقف بلاده من الدولة الفلسطينية خلال رحلته إلى الضفة الغربية، قائلاً إن ألمانيا ليست لديها خطط فورية للاعتراف بدولة فلسطينية. ويأتي تعليق فاديفول في أعقاب انتقادات حادة من مسؤولين إسرائيليين بسبب مقترحه السابق، قبل مغادرته للزيارة، بأن ألمانيا قد ترد على أي إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب بالاعتراف بدولة فلسطينية.
وكان إيتمار بن غفير الوزير المنتمي إلى تيار اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية كتب على منصة إكس "بعد 80 عاماً من المحرقة النازية (الهولوكوست)، تعود ألمانيا إلى دعم النازية". وبعد لقاء فاديفول مع وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلي مساء أمس الخميس، أوضح اليوم أن ألمانيا لا تخطط للاعتراف بدولة فلسطينية بعد "لأن هذه إحدى الخطوات النهائية التي يجب اتخاذها" في إطار حل الدولتين.
وتسلط محاولة فاديفول لتوضيح تصريحاته الضوء على الصعوبة التي تواجهها ألمانيا منذ فترة طويلة في اتخاذ موقف واضح من هذه القضية لأنها عالقة بين الضغوط الدولية المتزايدة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها والتزامها بعد المحرقة بضمان أمن إسرائيل. ودعا إسرائيل إلى ضمان تأمين وصول منظمات الأمم المتحدة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، قائلاً إن القيود الحالية تفاقم الأزمة.
وقال فاديفول "يجب أن تنتهي الكارثة الإنسانية في غزة الآن"، مشدداً على أن توزيع المساعدات من خلال الأمم المتحدة كان يجري بفاعلية لفترة طويلة ويجب استئنافه من دون عوائق. وذكر أن ألمانيا ستقدم خمسة ملايين يورو (5.7 ملايين دولار) إضافية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لدعم المخابز والمطابخ وتمويل مستشفى ميداني في مدينة غزة.
ورداً على سؤال بشأن مزاعم إسرائيل ومخاوفها إزاء إمكانية تحويل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مسار المساعدات، أقر فاديفول بأن إساءة استخدام المساعدات لا يمكن استبعادها بصورة كاملة، لكنه قال إن ذلك ليس سبباً لعرقلة جهود الإغاثة. وأضاف "أفضل طريقة لمنع حماس من إساءة استخدام الإمدادات هي تقديم مزيد من المساعدات وضمان تغطية السكان بالكامل".
في الإطار، بحث فاديفول مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجمعة، مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية. جاء ذلك خلال لقاء عقد في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، وفقًا لما أفادت به "وفا".
وأطلع عباس الوزير الألماني على حجم المعاناة في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر، وما يرافقه من جريمة تجويع ممنهجة بحق السكان، مشيرًا أيضًا إلى تصاعد اعتداءات الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية. وشدد على أن الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار يمثل أولوية قصوى، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لوقف المجاعة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، وتمكين دولة فلسطين من تولي مسؤولياتها الكاملة في قطاع غزة، بدعم عربي ودولي، ضمن انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
ودعا عباس إلى وقف الاستيطان ومحاولات الضم والإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة، مؤكداً التزامه بحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كما جاء في مؤتمر السلام في نيويورك. وأبدى استعداد السلطة لإجراء انتخابات عامة، باستثناء القوى والأفراد "الذين لا يلتزمون ببرنامج والتزامات منظمة التحرير والشرعية الدولية، ومبدأ الدولة الواحدة، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد".
وأكد الرئيس الفلسطيني: "نريد دولة فلسطينية غير مسلحة، بما في ذلك في قطاع غزة". وثمن عباس التصريحات التي أدلى بها الوزير الألماني، والتي أكد فيها دعم حل الدولتين وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى وحدة الأراضي الفلسطينية تحت إدارة السلطة الفلسطينية.
فيما، أكد الوزير الألماني أهمية تولي الحكومة الفلسطينية إدارة قطاع غزة، عقب نهاية الحرب "كونها الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثل الفلسطينيين، ومن الضروري أن تساهم في إعادة إعمار القطاع"، بحسب المصدر ذاته. وأشار إلى استعداد بلاده لتقديم الدعم والمساهمة اللازمة للسلطة الوطنية في إعادة الإعمار.
ودعا إسرائيل إلى الإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لديها، قائلاً إن "هذه الأموال حق للفلسطينيين، واستمرار احتجازها يشكل خطراً على الاستقرار". وتحتجز إسرائيل أموال المقاصة وهي ضرائب مفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من إسرائيل أو من خلال المعابر الحدودية التي تسيطر عليها تل أبيب، وتجمعها الأخيرة لصالح السلطة الفلسطينية، لكن بدءاً من 2019 قررت إسرائيل اقتطاع مبالغ منها واحتجازها بذرائع مختلفة.
وتشهد الضفة الغربية منذ أسابيع تصاعداً في هجمات المستوطنين، ولا سيما شرقي رام الله، حيث أحرقت منازل ومركبات، وسجلت اعتداءات متكررة على الفلسطينيين. وبالتزامن مع الحرب في غزة، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ما لا يقل عن 1011 فلسطينياً في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأصابوا نحو 7 آلاف آخرين، واعتقلوا أكثر من 18 ألفًا، بحسب بيانات رسمية. أما في قطاع غزة، فتواصل إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أسفرت عن نحو 208 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، إلى جانب مئات آلاف النازحين ومجاعة أودت بحياة كثيرين.
(الأناضول، رويترز، العربي الجديد)