رسوم ترامب المفاجئة على النحاس هزّت الأسواق.. والتفاصيل تكشف المستور
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة

رسوم جديدة تصل إلى 50% على واردات النحاس في الولايات المتحدة تسري ابتداءً من غد الجمعة، أول أغسطس/آب، في خطوة مفاجئة اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحياء سلسلة التوريد المحلية وتقليل الاعتماد على المصادر الأجنبية لهذا المعدن الحيوي. فالنحاس، الذي يدخل في صناعة الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية وشبكات الكهرباء والمركبات الكهربائية وغيرها، من أكثر المعادن استخداماً في العالم. ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ ترامب يلوّح بفرض رسوم على وارداته، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النحاس في السوق الأميركية وتسابق الموردين على شحن الكميات قبل تنفيذ القرار. لكن الزخم الصعودي توقف فجأة عندما تبين أن الرسوم لن تشمل النحاس المكرر، وهو الشكل الأكثر تداولاً في البورصات العالمية.

في أوائل يوليو/تموز الجاري، حذّر ترامب من أن رسوماً بنسبة 50% ستُفرض على واردات النحاس، من دون تحديد المنتجات المعنية. وكانت التوقعات تدور حول نسبة 25% فقط، بما يتماشى مع الرسوم المفروضة على الفولاذ والألمنيوم. لكن الإعلان الرسمي في 30 يوليو، كشف أن الرسوم ستُفرض فقط على المنتجات النحاسية نصف المصنعة مثل الأنابيب والأسلاك، وعلى ما يُعرف بالمنتجات المشتقة مثل المكونات الكهربائية. أما المواد الخام، كخامات النحاس والمعادن المكررة مثل الكاثودات والأنودات، فستبقى معفاة، إلى جانب الخردة.

ومع ذلك، فُرضَت قيود جديدة على الصادرات المحلية من هذه المواد، حيث بات مطلوباً أن يُباع 25% من خردة النحاس ذات الجودة العالية داخل السوق الأميركية. وستُطبق القاعدة نفسها على المواد الخام بدءاً من 2027، على أن ترتفع النسبة إلى 40% بحلول عام 2029. وهذا الاستثناء للمعادن المكررة جاء بعد ضغوط من قطاع صناعة النحاس، الذي حذر من أن الولايات المتحدة لا تستطيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي فوراً. وتشير تقديرات بنك "ماكواري" إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من النحاس قد لا يحصل قبل عام 2030.

الأمن القومي ذريعة الرسوم الجديدة

ترامب لجأ إلى المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 لفرض الرسوم، وهو الإطار القانوني نفسه الذي استخدمه سابقاً لفرض رسوم على الفولاذ والألمنيوم، متذرعاً بأسباب تتعلق بالأمن القومي. في فبراير/شباط الماضي، وقّع الرئيس أمراً تنفيذياً يطلب من وزارة التجارة التحقيق في اعتماد البلاد على واردات النحاس. وقد خلصت الدراسة إلى أن ارتفاع الكميات المستوردة والطاقات الإنتاجية الفائضة في السوق العالمية، إضافة إلى إغراق السوق الأميركية بأسعار منخفضة مصطنعة، تُضعف سلسلة التوريد الوطنية وتُهدد أمن البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بتصنيع الأسلحة والبنى التحتية الحيوية.

وقد أنتجت الولايات المتحدة نحو 850 ألف طن متري من النحاس في 2024، فيما بلغ استهلاكها من المعدن المكرر نحو 1.6 مليون طن، وفق بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. ويعني ذلك أن الواردات ضرورية لسد الفجوة، حيث تأتي 65% من النحاس المكرر من تشيلي، و17% من كندا، و9% من المكسيك، و6% من بيرو.

الأسواق تترنح: تهاوي الأسعار بعد كشف التفاصيل

لقد أدى إطلاق ترامب تفعيل المادة 232 إلى اندفاع المشترين الأميركيين لتخزين كميات كبيرة من النحاس قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار في السوق الأميركية وخلق فارق سعري مغرٍ بين بورصة "كوميكس" في نيويورك والسوق العالمية في لندن، ما أتاح فرصة ذهبية للمتاجرين الذين شحنوا كميات ضخمة من النحاس الرخيص إلى الولايات المتحدة.

لكن بمجرد الكشف عن أن النحاس المكرر لن يشمله القرار، تراجعت الأسعار بشكل حاد، وسجلت عقود "كوميكس" أكبر انخفاض يومي منذ بدء التداول بشكلها الحالي في عام 1988. وهذا التراجع طرح تساؤلات عن مصير الكميات الهائلة التي تكدست في المخازن الأميركية: هل ستُستهلك محلياً؟ هل سيُعاد تصديرها؟ أم تُنقل إلى مخازن أخرى داخل البلاد؟ ولا تزال احتمالية فرض رسوم على النحاس المكرر قائمة، إذ أوصت وزارة التجارة بإطلاق تدريجي لهذه الرسوم يبدأ بـ15% في 2027 ويصل إلى 30% في 2028، على أن ترفع تقريراً جديداً للرئيس بحلول منتصف العام المقبل لتقييم الحاجة إلى هذه الخطوة.

هل يمكن لأميركا زيادة إنتاجه النحاس لديها؟

أشار الأمر التنفيذي الصادر في فبراير/شباط إلى أن الولايات المتحدة "تمتلك احتياطات وافرة من النحاس، لكن طاقتها في الصهر والتكرير متخلفة عن المنافسين العالميين". بالفعل، تحتل أميركا المرتبة السابعة عالمياً في احتياطات النحاس، متقدمة على الصين لكن خلف دول أميركا اللاتينية. وفي التسعينيات، كانت الولايات المتحدة تضم عدة مصانع صهر نشطة، لكن ارتفاع التكاليف وتوسع الإنتاج الصيني أخرج معظمها من الخدمة. واليوم لا تعمل سوى مصهرتين فقط: واحدة تابعة لشركة "فريبورت-ماكموران" (Freeport-McMoRan) في أريزونا، وأخرى لشركة "ريو تينتو" (Rio Tinto) في يوتا. وهناك منشأة ثالثة تابعة لشركة "غروبو مكسيكو" (Grupo México) في أريزونا متوقفة عن العمل منذ 2019، وإعادة تشغيلها قد تضيف 136 ألف طن من النحاس عالي النقاء.

وقد تدفع الحوافز الحكومية مثل تقليص القيود التنظيمية والرسوم المفروضة، الشركات الأميركية إلى ضخ استثمارات جديدة لزيادة الإنتاج المحلي. ومع ذلك، هناك مشاريع تعدين كبرى لا تزال عالقة بسبب مشاكل في التصاريح، مثل مشروع "ريزوليوشن" (Resolution) في أريزونا (مشروع مشترك بين "ريو تينتو" و"بي أتش بي") ومشروع "توين ميتالز" (Twin Metals) في مينيسوتا التابع لشركة "أنتوفاغستا" (Antofagasta).

وللتسريع في تطوير هذه المشاريع، وقّع ترامب في مارس/آذار، أمراً تنفيذياً جديداً يفعل صلاحياته الطارئة لتشجيع تطوير مشاريع المعادن الحيوية. لكن بناء قدرات إنتاج جديدة عملية بطيئة للغاية، إذ يستغرق الأمر نحو 29 عاماً منذ اكتشاف منجم جديد للنحاس وحتى بدء الإنتاج، وفقاً لـ"ستاندرد أند بورز غلوبال"، وهي ثاني أطول مدة في العالم بعد زامبيا.

تجدر الإشارة إلى أن الطلب على النحاس مرشح للنمو بنسبة 30% خلال العقد المقبل، مدفوعاً بالتحول إلى الطاقة النظيفة ووسائل النقل الكهربائية، إضافة إلى ازدهار مراكز البيانات. ورغم تزايد معدلات تدوير النحاس، إلا أنها لن تكون كافية لتلبية الطلب المتزايد، ما يعني أن البديل الوحيد استخراج المزيد من باطن الأرض. ورغم وجود احتياطات ضخمة، إلا أن التحديات عديدة: انخفاض جودة الخام، وارتفاع تكاليف الاستخراج، وتزايد الضغوط البيئية على شركات التعدين.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية