
ضمن فعاليات "أعياد بيروت"، قدّم الكوميديان اللبناني جون أشقر عرضاً استمر نحو 90 دقيقة، بحضور ثلاثة آلاف شخص، تضمّن حكايات قصيرة جداً لشاب دخل عالم الكوميديا منذ سنوات. استهلّ العرض بمقابلة مؤثرة مع جدّته التي تميّزت بحس فكاهي لافت، كأنها تقدّمه إلى الجمهور وريثاً لهذا الحس، بعدما جال العالم بعروضٍ وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية وأفريقيا والدول العربية، إذ اختلطت المصادر بالحواديت التي يرويها جون أمام جمهور يبحث عن الضحك بعمق.
يتنقل أشقر بين يومياته، ساخراً من نفسه أولاً، في محاولة إقناع تحمل إسقاطات على الواقع اللبناني. يصارح ذاته، ويتأرجح بين الأخطاء والمحاسبة، في مجتمع يرزح تحت الفساد، والتعالي، والأذى. يواجه منظومة تدّعي الإيمان، لكنّها تُخفي وجوهاً أخرى، وهي ما أوصل البلاد إلى هذا الضيق الوجودي.
الكوميديا المسرحية في لبنان لبست ثوباً جديداً، وخرجت بجيل مختلف عن مرحلة الستينيات والسبعينيات، التي مهّدت لما بات يُعرف اليوم بـ"القوال" أو "الحكواتي"، المعتمد على النص الشعبي واليومي، والإسقاطات الشخصية. وفي السنوات الأخيرة، شكّل هذا النمط المسرحي نبضاً لاستمرار هذا الفن، خاصّة في بيروت، قبل أن ينتقل إلى التلفزيون عبر برامج محاكية للنمط الغربي، لكنّها جاءت باهتة لاعتمادها على قضايا معاد تدويرها من الميديا البديلة وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
ربما استند جون أشقر إلى هذا الواقع، فبنى عليه عروضه ملتزماً بأسلوب معيشته، ويومياته، واختصاصه، ومحيطه العائلي. الصراع النفسي الذي يسكن كل واحد منا، كان حاضراً في تجربة أشقر. فقد قرأ ذات مرّة، عن طريق الصدفة، رسالة لشاب يقول إنّه يكرهه. هذه الصدفة أعادته إلى التفكير في مساره وقراراته، وحملته على طرح أسئلة ومغامرات داخلية: لماذا يكرهه هذا الشاب؟ هل لأنه فشل؟ صور كثيرة لاحقت ذهنه، ودوّنها وشاركها على طريقته، بأسلوب بسيط أقرب إلى السخرية، في قالب من المشاهد الحيّة، رابطاً بين الصدف والأحداث، باحثاً عن مخرج من ضيق السؤال.
من الصعب الحفاظ على تركيز المتفرج في عرض كوميدي يمتد لساعة وأكثر، لكن أشقر نجح من خلال قفشاته وقصصه في تمرير الوقت بسرعة، وأنهى العرض بأداء مكتمل، خالٍ من الملل. على العكس، كان التفاعل كبيراً، والضحكات تتعالى من المدرجات، مصحوبة بلغة تواصل مباشرة بينه وبين الجمهور، أبقت الجميع في تفاعل دائم ضمن أسئلة متبادلة.
طاف جون أشقر في الدول العربية والأوروبية بحسب حواديت ضمّنها عرضه؛ إذ تحدّث عن تجارب سفره وما واجهه من مفارقات هنا وهناك. جاء هذا كلّه ضمن قوالب كوميدية ساخرة تدخل ضمن عروض الترفيه، لشاب في منتصف الثلاثينيات يريد أن يبوح بوجه بعيد عن الوعظ والتكلف، وقريب جداً من مشاغل وهموم الناس، والشباب الذين ملؤوا المدرجات. عرضٌ مفتوح هو الأول له وسط مدينة بيروت، بعيداً عن المسارح المقفلة وشاشات التلفزة التي باتت تعيش على تكرار نفسها، طمعاً بنسب مشاهدة لا أكثر.
