الأردن: حقوقيّون يطالبون ببدائل عن التوقيف قبل المحاكمة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة

دعا متخصّصون قانونيّون وحقوقيّون في الأردن إلى تعزيز استخدام بدائل التوقيف قبل المحاكمة، وتعزيز دور النيابة العامة والقضاء في اعتماد هذه البدائل أدوات لتحقيق العدالة، وضمان حقوق المتّهمين.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظمتها جمعية "تمكين" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (مدنية) بالتعاون مع المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب - ديجنيتي، وبمشاركة عدد من القضاة والمحامين، وممثلي الأجهزة الأمنية والقضائية، وخبراء في القانون والعدالة الجزائية.

تناول المجتمعون الأبعاد المختلفة للتوقيف قبل المحاكمة، بما في ذلك آثاره الاقتصادية والاجتماعية، والأثر الإنساني للتوقيف المطوّل قبل المحاكمة، وما يسبّبه من خسارة للوظائف ووصمة مجتمعية، وتفكّك أسري، وانقطاع عن التعليم، مؤكدين أن الانعكاسات لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل تطاول المجتمع بأسره.

وقال عميد كلية الحقوق في جامعة البترا، الدكتور علي الدباس، لـ"العربي الجديد"، إنّ التوقيف قبل المحاكمة يمثل قضية قانونية جوهرية تستدعي مراجعة دقيقة، مؤكداً ضرورة تقليل الاعتماد على الاحتجاز التقليدي، وتعزيز العدالة الجنائية بأدوات بديلة أكثر إنصافاً، وأضاف: "أي توجّه نحو العقوبات البديلة يُعدّ خطوة إيجابية لا بدّ من التوسع فيها، لأن الهدف من العقوبة في الأصل هو الإصلاح، وليس التنفيذ فحسب، وقد تخلق الإجراءات العقابية التقليدية ظروفاً سلبية تُفاقم معاناة الموقوف أو المحكوم بدلاً من تأهيله وإصلاحه".

وأوضح الدباس أن المُشرّع في الأردن وضع بدائل للحبس والتوقيف، "لكن الأهم هو التوسع بتطبيقها، وإذا تبيّن أن هذه البدائل غير كافية، يمكن النظر ببدائل أخرى، كما يجب أن نراعي تقبّل المجتمع لهذه البدائل، إذ لا فائدة من المطالبة ببدائل من دون تطبيقها فعليّاً". ورأى أن قانون منع الجرائم وُضع في الأصل لمنع الجريمة، وليس قانوناً عقابيّاً، و"نلحظ أن كلّ دول العالم لم تعد تنظر إلى العقوبة بوصفها وسيلة لإصلاح الجناة، فإذا كنّا نسعى إلى تخفيف الخطورة الجرمية، لا بدّ من التوجّه نحو الوسائل البديلة، وهي الأجدى والأنجح في الحد من خطورة الأشخاص الذين من المحتمل أن يرتكبوا جرائم في المستقبل".

بدورها، لفتت المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، إلى أن التوقيف يُمارس حاليّاً وكأنه هو الأصل، بينما من الناحية القانونية يجب أن يكون التوقيف هو الاستثناء، وأضافت لـ"العربي الجديد": "لدينا إشكالية حقيقية، ويجب أن نستمر في العمل كمنظومة عدالة متكاملة، إذ هناك تناقض في سياسات العدالة؛ فنحن نتّجه نحو تطبيق العقوبات غير السالبة للحرية، وفي الوقت ذاته نتوسع في التوقيف"، وتابعت: "يجب أن تتّسق السياسات، وأن نُقلِّل من حجز الحرية حفاظاً على حقوق الإنسان"، معتبرة أن الإشكالية في الأردن ليست في التشريعات والقوانين، بل في التطبيق من جهات إنفاذ القانون.

وخلال الجلسة، أكد ممثل نقابة المحامين، المحامي وليد العدوان، أهمية تطوير نظام العدالة الجزائية في الأردن بما يضمن حماية الحريات العامة، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، إلى جانب مكافحة مختلف أشكال الجريمة، وقال: "يجب أن يحصل الأفراد على الحماية القانونية الكاملة، فالمتّهم بريء حتى تثبت إدانته، مضيفاً أن العقوبات والبدائل غير السالبة للحرية تُسهم على نحوٍ فعّال في تعزيز الوصول إلى العدالة.

وأشارت المديرة التنفيذية لجمعية "تمكين"، لندا كلش، إلى أن "موضوع التوقيف قبل المحاكمة يُعدّ من أكثر القضايا حساسية وتأثيراً في منظومة العدالة الجزائية، نظراً لما يترتّب عليه من تبعات قانونية، وإنسانية، واقتصادية على الأفراد والمجتمع والدولة ككلّ، وشددت على أنّ "التوقيف قبل المحاكمة"، بحسب المبادئ الدستورية والمعايير الدولية، يجب أن يُستخدم إجراء استثنائياً لا يُلجأ إليه إلّا في أضيق الحدود، إلّا أن الممارسة العملية تشير لتحوّله في بعض الأحيان إلى عقوبة مبكرة، تُفرَض على المتّهم قبل صدور حكم قضائي نهائي بحقّه.

وشدّد الممثل المقيم للمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، محمد شما، على أهمية فتح الحوارات بين المجتمع المدني وجهات إنفاذ القانون حول تداعيات اللجوء إلى قرارات التوقيف الإداري قبل المحاكمة وحدودها، والتأثيرات السلبية على المجتمع، إلى جانب أهمية الشراكة المؤسّسية وتعزيز آليات تطبيق بدائل التوقيف قبل المحاكمة ضمن بيئة قانونية عادلة ومتماسكة.

وأكد مدير مديرية الشفافية وحقوق الإنسان في مديرية الأمن العام، العقيد ظاهر سلامة، أن المديرية تعمل ضمن مراكز الإصلاح والتأهيل ومديريات الشرطة، وتحرص على ترسيخ مبادئ الشفافية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، من خلال التواصل المستمر مع المواطنين، وضمان خضوع الممارسات الأمنية للرقابة والمساءلة.

وأشار إلى أن هذه البدائل لا تقتصر على الجوانب الحقوقية فحسب، بل تسهم في تقليل العبء المالي والتشغيلي على الدولة، إذ تشمل تكاليف الاحتجاز توفير خدمات الرعاية الصحية، والغذاء، والإيواء، وغيرها من المتطلبات اليومية داخل السجون.

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور يوسف منصور أن التكلفة الاقتصادية للنزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومات، لما تسبّبه من أعباء مالية متزايدة على الموازنة العامة، خصوصاً في ظلّ التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، مشيراً إلى أن التكلفة المباشرة للتوقيف الإداري تشمل نفقات إيواء المحتجزين في مراكز التوقيف والإصلاح، وتبلغ كلفة النزيل الواحد نحو 750 ديناراً شهرياً (نحو 1060 دولاراً أميركيّاً).

من جهتها، قالت ممثلة وزارة العدل، مديرية حقوق الإنسان، الدكتورة حنان الخلايلة، إن نظام المراقبة الإلكترونية يمثل توجهاً حديثاً نحو العدالة العقابية الإنسانية، ويهدف إلى الحد من اللجوء للسجون، مع الحفاظ على التوازن بين الردع والإصلاح، والحد من الآثار الاجتماعية السلبية على الأفراد والأسر.

وتحدثت عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية، مثل البرامج التأهيلية، والإقامة الجبرية في المنزل أو في منطقة جغرافية محدّدة، والمراقبة الإلكترونية، إذ يمكن ربط العقوبات البديلة بتدابير إضافية، منها منع السفر، وإلزام المحكوم عليه بتقديم تعهد مالي لعدم التعرّض أو التواصل مع أشخاص أو جهات معينة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية