
تكثف حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة هجماتها ضد مقار وقواعد عسكرية للجيش الصومالي والقوات الأفريقية في مناطق متفرقة في وسط البلاد وجنوبها، وسيطرت الحركة بعد 12 عاماً على مدينة محاس الاستراتيجية، على بعد 350 كيلومتراً شمال مقديشو، الواقعة في إقليم هيران وسط البلاد. وتكمن أهميتها الاستراتيجية في أنها همزة وصل بين المناطق الوسطى والجنوبية في الصومال، وكانت مركزاً عسكرياً للجيش الصومالي لإدارة الحملة العسكرية ضد حركة الشباب. ويأتي هذا التصعيد في وقت كانت فيه قوات الجيش الصومالي وعناصر من عشائر الحوادلة المسلحة يستعدون لإطلاق هجوم واسع النطاق ضد معاقل حركة الشباب في أجزاء من إقليم هيران، ضمن حملة عسكرية متواصلة منذ العام الماضي. وتسلط هذه التطورات الضوء على التحديات المتفاقمة التي تواجهها الحكومة الصومالية في استعادة الاستقرار، رغم الدعم المحلي والدولي المتزايد، وسط تساؤلات عن فعالية الاستراتيجية الأمنية الحالية وسبل تعزيز التنسيق بين الجيش والمليشيات القبلية في مواجهة حركة الشباب.
هجمات ضد القوات الحكومية
وكانت مدينة محاس ضمن القواعد العسكرية لقوات حفظ السلام الأفريقية منذ عام 2013، ومقراً للقوات الإثيوبية التي انسحبت من المدينة في أغسطس/آب عام 2024 ضمن خطة شاملة لانسحاب بعثة أتمس الأفريقية من البلاد بهدف تسليم نحو 20 قاعدة عسكرية للجيش الصومالي، إلا أن انسحاب القوات الإثيوبية من المدينة بعد أقل من عام أدّى إلى سقوطها بيد حركة الشباب التي تسعى للسيطرة على مدن جديدة في إقليمي هيران وجلجدود وسط البلاد. وشنّت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، صباح الجمعة الماضي، هجوماً مسلحاً على بلدتي زبيد وعانولي الواقعتين في إقليم شبيلي السفلى على بعد 45 كيلومتراً جنوب مقديشو، في تصعيد جديد لعملياتها ضد القوات الحكومية والمواقع الاستراتيجية في المنطقة. وبدأ الهجوم في ساعات الفجر الأولى بسيارة مفخخة استهدفت ثكنة عسكرية للجيش الصومالي، ما أسفر عن اندلاع اشتباكات عنيفة مع القوات الصومالية التي كانت تتمركز في البلدتين. وأعلنت حركة الشباب، في بيان صحافي نشرته وسائل إعلام محسوبة عليها، أنها تمكنت من السيطرة على البلدتين، ونشرت صور مقاتليها يجولون داخل الأحياء وعرضت عربات عسكرية للجيش الصومالي.
عدنان علي: سقوط مدينة محاس تمثل قفزة عسكرية نوعية لحركة الشباب
في السياق، أعلنت الحكومة الفيدرالية أن الجيش الصومالي تمكن من صدّ مقاتلي حركة الشباب ولا يزال يسيطر على البلدة الاستراتيجية في إقليم شبيلي السفلى. بدوره، أشاد محافظ إقليم شبيلي السفلى إبراهيم علي نجح، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، "بقواتنا المسلحة الوطنية التي تصدّت لهجوم إرهابي شنّته مليشيات الخوارج (حركة الشباب) على منطقتي سبييد وعانولي التابعتين لمديرية أفغوي". وأضاف: "أؤكد للمواطنين أن الأنباء التي تتحدث عن سيطرة الخوارج على سبييد وعانولي ما هي إلا أكاذيب وافتراءات تصب في مصلحة حركة الشباب، ولا أساس لها من الصحة". وأوضح إبراهيم علي نجح أن الوضع في المنطقة مستقر والأمن مستتب، والقوات الحكومية والإدارة المحلية تفرض سيطرتها الكاملة على الأرض. ويرجح مراقبون أن عودة حركة الشباب الموالية للقاعدة إلى الواجهة من جديد من خلال هجمات مميتة ومكثفة، واستهدافات في أكثر من منطقة، يعد مؤشراً لاستعادة زخمها وتنقلاتها العسكرية بين المدن والأقاليم، وهو ما يوحي بتراجع الحملة العسكرية الحكومية في مراقبة تحركات الحركة واستباق هجماتها قبل تنفيذها.
ويعتبر الصحافي الصومالي عدنان علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سقوط مدينة محاس يمثل قفزة عسكرية نوعية لحركة الشباب، ويُعد نكسة معنوية واستراتيجية للجيش الصومالي والقوات الشعبية المتحالفة معه، بعد ثلاث سنوات من الحملات العسكرية التي سعت لطرد التنظيم من مناطق نفوذه في وسط البلاد. ومن الناحية الرمزية، فإن محاس ليست مجرد بلدة جغرافية، بل تُعتبر مركزاً لوجستياً حيوياً وموقعاً تاريخياً ظلت الحكومة تسيطر عليه أكثر من 15 عاماً. وهو ما يعني أن استعادته من قبل حركة الشباب يكشف عن تآكل تدريجي للنفوذ الحكومي، حتى في المناطق التي ظلت مستقرة نسبياً خلال السنوات الماضية. أما استراتيجياً، فإن سقوط محاس يفتح ثغرة أمنية خطيرة نحو بلدات ومدن أخرى لم تشهد وجوداً فعلياً للتنظيم منذ أكثر من عقد. إنه مؤشر على قدرة الحركة على استغلال الفراغات الأمنية وإعادة الانتشار حتى في قلب الإقليم.
متطلبات معاودة القتال
ويبدي عدنان علي اعتقاده أن الجيش الصومالي من الناحية العملياتية يمكن أن يعاود القتال، لكن الأمر يتطلب تحولات جوهرية في الاستراتيجية العسكرية الحالية التي أثبتت فشلها في تثبيت المكاسب على الأرض، ولا بد من توفر متطلبات عدة، أهمها إعادة تقييم العقيدة القتالية للقوات الصومالية، والتركيز على الهجوم المنظم لا الدفاع الموضعي، وتوفير أسلحة نوعية مناسبة لمواجهة تكتيكات حرب العصابات التي تعتمد عليها حركة الشباب. كما يجب ضخ وحدات قتالية جديدة ومدربة جيداً بدلاً من الاعتماد على الوحدات المرهقة أو المليشيات القبلية بشكل أساسي، بالإضافة إلى إعادة هيكلة دور "القوات الشعبية" (المعروفة باسم معاويسلي)، وتحويلها من ركيزة رئيسية إلى عنصر مساعد ضمن خطة عسكرية متكاملة، تجنباً لاستنزاف طاقاتها في معارك لا تستطيع تحملها وحدها.
وحول مستقبل العملية العسكرية ضد حركة الشباب، يقول عدنان علي إن الحملة العسكرية التي شنتها الحكومة الصومالية عام 2022 تواجه مصيراً ضبابياً وغير مستقر في الوقت الراهن، بسبب تداخل المعطيات السياسية والأمنية والمالية. والحكومة الصومالية تواجه تحديات داخلية متزايدة، من بينها الاستعداد للانتخابات المقبلة، ما يصرف التركيز نحو الصراعات السياسية بدل العمليات العسكرية، فضلاً عن وجود ضغوط سياسية خارجية، فشلت الحكومة حتى الآن في تحويلها إلى دعم ملموس لعمليات حفظ السلام. كما أن تعثّر تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوصوم) الجديدة وعدم قدرة الشركاء الدوليين على تغطية احتياجاتها التشغيلية، أدى إلى تراجع العمليات العسكرية وفتح ثغرات وجيوب عدة في الجنوب الصومال.
ولم تعلق الحكومة الصومالية بعد على سقوط مدينة محاس بيد حركة الشباب، إلا أن النائب في البرلمان مالك عبد الله، أكد نيّة الجيش الصومالي معاودة القتال وشن حرب مضادة ضد عناصر الحركة، لاستعادة السيطرة عليها، من جديد، وذلك على الرغم من أن انسحابات الجيش الصومالي المتتالية من وسط البلاد منذ فبراير/شباط الماضي أدت إلى تراجع أداء القوات المسلحة تنسيقاً وترابطاً عسكرياً، فسقطت مدينة أدن يبال الاستراتيجية بإقليم شبيلي الوسطى بيد حركة الشباب في إبريل/نيسان الماضي، كما سقطت بلدة موقوكري بيدها أيضاً في شهر يوليو/ تموز الحالي، ما يعني وجود خلل عسكري وتخطيطي في العمليات العسكرية التي تقودها الحكومة الفيدرالية ضد حركة الشباب.
حسين عثمان: فشل العمليات العسكرية سببه عدم تغيير الاستراتيجيات القديمة المتبعة لمواجهة حركة الشباب
في السياق، يقول الباحث الأمني الصومالي حسين عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن فشل العمليات العسكرية المتتالية حالياً سببه عدم تغيير الاستراتيجيات القديمة المتبعة لمواجهة حركة الشباب، لكن إذا تبنت الحكومة الفيدرالية نهج "الحرب الشاملة" ومشاركة الشعب لدعم أفراد القوات المسلحة، يمكن أن يقود ذلك إلى هزيمة الحركة سريعاً، لكن الضعف الاستخباري للجيش الصومالي وعدم وجود تنسيق أمني بين الوحدات يفاقمان الوضع القتالي للجيش في وسط البلاد وجنوبها. ويرى عثمان أن اكتساح حركة الشباب نحو 15 بلدة ومدينة رئيسة في وسط البلاد وجنوبها منذ بداية العام الحالي يجعل الأمور تعود إلى المربع الأول في سياق بداية الحملة العسكرية ضدها عام 2022، لأن الحكومة الفيدرالية تدخل عامها الأخير قبل الانتخابات المقررة في عام 2026، ما يعني تراجع التركيز على الأمن لصالح حسابات انتخابية. هذا بالإضافة إلى التوترات بين الحكومة المركزية وبعض الولايات الفيدرالية (بونتلاند وجوبالاند) التي تعيد إنتاج المشهد المنقسم سياسياً الذي كان سائداً قبل عام 2022، كما أن غياب الاستراتيجية العسكرية الشاملة، وتركز القرارات بيد أجهزة أمنية محدودة، يعيد نموذج القرارات المنفصلة الذي أضعف الدولة في الفترات السابقة عسكرياً وأمنياً.
سيناريو هزيمة حركة الشباب
وبحسب حسين عثمان، فإن سيناريو هزيمة حركة الشباب مجدداً وارد، مذكراً بكيف نجحت القوات الحكومية والمليشيات القبلية (معاويسلي) بدعم جوي أميركي وإقليمي، في طرد الحركة من مدن استراتيجية مثل أدن يبال، وبعادوين، وجلعد، وحررطيري ومناطق استراتيجية من إقليمي هيران وجلجدود. وبرأيه، أثبت ما جرى أن التنظيم يمكن هزيمته عسكرياً متى توفرت خطة ميدانية محكمة وتنسيق مجتمعي، وذلك في ظل وجود تحولات داخلية تهدد بنية الحركة، وهناك تقارير تشير إلى صراعات داخل قيادة الحركة بين جناح "الصقور" والجناح الإداري المرتبط بجمع الضرائب والقضاء الشرعي، خصوصاً بعد تضرر شبكاتها التمويلية أخيراً. كما أن نجاح القوات الصومالية في استهداف قادة الصفين الثاني والثالث أضعف بعض خلاياها في الأقاليم. وكذلك وجود ضعف دعم شعبي حقيقي للحركة، لأن معظم المجتمعات المحلية ترفض سلطة الحركة، لكنها تُجبر على التعاون معها بسبب الفراغ الأمني وغياب بديل من الدولة. وهذا يعني أن أي خطة عسكرية تتبعها خطة استقرار وتنمية قد تؤدي إلى انهيار التأييد القسري للتنظيم.
