هولندا لا تخشى "صديقتها" إسرائيل: موقف متصاعد ضد الإبادة
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة

أدرجت هولندا للمرة الأولى، إسرائيل، خلال شهر يوليو/تموز الحالي، على قائمة الدول التي تشكّل تهديداً لأمن البلاد، في تصنيف أُعلن عنه أول من أمس الأحد، وجاء مفاجئاً نظراً لأنه يصدر في وقت لا تزال فيه الحكومة الهولندية، التي تعدّ من الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، تعمل برئاسة ديك شوف بوصفها حكومة تصريف أعمال، بعد انسحاب وزراء حزب السياسي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، حزب الحرية، من الائتلاف الحكومي، في يونيو/حزيران الماضي، بسبب الخلاف حول حملة قمع الهجرة.

وأظهرت هولندا، خلال الآونة الأخيرة، تدرجاً في الموقف المنتقد لإسرائيل، على خلفية استمرار العدوان على غزة، وحرب التجويع التي يمارسها الاحتلال ضدّ الغزّيين، ودفع حكومته المتطرفة إلى ترحيلهم قسرياً. حرب الإبادة في غزة، لم تسّمها أمستردام بعد بهذا الاسم، ولم تنضم إلى الدول الأوروبية التي أعلنت أو ستعلن اعترافها بدولة فلسطين، وآخرها فرنسا، لكن تياراً قوياً داخل الدولة، وشعبياً، بدا ضاغطاً خلال الفترة الأخيرة، ما حدا بالحكومة، التي تتخذ للمفارقة موقفاً متطرفاً ضد الهجرة وتعدّ بعض أجنحتها معادية للمسلمين، إلى بدء اتخاذ خطوات تراها ضرورية لزيادة الضغط على تل أبيب، رغم التحالف الوثيق بين الطرفين. هذا الضغط، ليس نابعاً فقط من دواع إنسانية، أو التهديدات التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية ومقرها مدينة لاهاي في هولندا، بعد إصدارها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولكن خصوصاً بسبب ما ترى فيه أمستردام تمادياً في جهود دولة الاحتلال لترهيب مواطنين هولنديين، والضغط واستخدام أسلوب التخويف تجاه بعض سياسيي البلاد، وهو موقف يُنظر إليه بشكل واسع أيضاً على أنه "سيادي"، و"صحوة" متأخرة لمراجعة العلاقة ربما بين هولندا ودولة الاحتلال التي لطالما استخدمت تاريخياً هذا البلد، منصة، للضغط وتحشيد السياسيين في أوروبا عموماً.

أحداث فريق مكابي تل أبيب شكّلت نقطة فارقة وأثّرت على قرار التصنيف

هولندا وتصنيف الاحتلال

وقرّرت الوكالة الوطنية للأمن في هولندا (أن سي تي في)، إدراج إسرائيل للمرة الأولى ضمن قائمة الدول التي تشكل تهديداً لأمن البلاد، حيث جاء التصنيف في تقرير شهري أصدرته الوكالة، الأحد، بعنوان "تقييم التهديدات من الجهات الحكومية". وتناول التقرير محاولات إسرائيل التأثير على الرأي العام والسياسات الهولندية من خلال نشر "معلومات مضلّلة"، مشيرا إلى أمثلة عدة، منها وثيقة وزّعتها وزارة الشتات الإسرائيلية في عام 2024، على سياسيين وصحافيين هولنديين عبر قنوات غير حكومية، تضمنت معلومات شخصية غير مألوفة ومتفحصة عن مواطنين هولنديين. وجاء ذلك حينها، في سياق التوترات وأعمال الشغب، التي أثارها فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي العام الماضي، في أمستردام، على هامش الدوري الأوروبي لكرة القدم. كما أعربت الوكالة عن قلقها المتزايد إزاء التهديدات التي تمارسها كل من إسرائيل والولايات المتحدة ضد "الجنائية الدولية"، محذرة من أن هذه الضغوط قد تُضعف من فعالية عمل المحكمة. وأكد التقرير أن هولندا، بوصفها الدولة المضيفة للهيئات القانونية الدولية الرئيسية، تتحمل مسؤولية خاصة في حماية استقلال هذه المؤسسات من أي تدخل خارجي. وبحسب وسائل إعلام وتقارير إعلامية غربية، فإن الوكالة كانت أثارت سابقاً قضية التجسس الإسرائيلي، لكن التقرير الأخير الصادر الأحد، لم يشر إلى أي عمليات تجسس.

وكان لما حصل خلال الدوري الأوروبي لكرة القدم، العام الماضي، تأثيره على الوكالة الوطنية للأمن في هولندا، علماً أن الشرطة المحلية كانت استعملت القمع مع متظاهرين تعرّضوا لأعضاء الفريق الإسرائيلي. لكن تسريب دولة الاحتلال عبر وزارة الشتات ومحاربة معاداة السامية، تقريراً يتضمن أسماء مواطنين هولنديين أثار حفيظة معدّي التقرير، حيث إنه بحسب التقرير "فإن الورقة الإسرائيلية لم يتم تمريرها عبر القنوات الرسمية مع الحكومة الهولندية لكن تمّ إرسالها إلى سياسيين محدّدين وصحافيين"، لافتاً إلى أن "الطريقة التي أرسلت بها وصفتها وزارتا العدل والخارجية الهولندية بأنها غير معتادة، وغير مرغوبة نظراً إلى تأثيرها السلبي المحتمل على المواطنين". إذ "بهذه الطريقة"، وفق التقرير، فإن "المواطنين المدرجة أسماؤهم قد يتمّ ترهيبهم أو تهديدهم أو شنّ هجمات عليهم في أسوأ الحالات"، ما قد يشير إلى اتهام مبطن لدولة الاحتلال بالتحريض على العنف.

وفي شقّ آخر من تقرير الوكالة، تُذكر إسرائيل لناحية المؤسسات المستهدفة من قبل "جهات دولية"، حيث يشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، التي مقرّها لاهاي أيضاً، وتنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويلفت التقرير إلى أن واشنطن وتل أبيب وجهتا تهديدات "علنية" تجاه الجنائية الدولية، وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأخيرة "ما يضع عمليات المحكمة في خطر". وساهم في تشكّل رأي الوكالة، ما كشفته صحيفة ذا غارديان البريطانية، في مايو 2024، حول "الحرب الخفية" التي شنّتها إسرائيل ضد المحكمة الجنائية الدولية، والتي استمرت 9 سنوات وفق تحقيقات الصحيفة، وتضمنت التجسس والتهديد والمراقبة، وهو ما وصفته "ذا غارديان" بأن نتنياهو "مهووس" به (التجسس والتنصت).

تقوم الهيئات والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية بالضغط على الحكومة الهولندية

الحكومة تتعرّض للضغوط

هذه الأسباب، قد تقف وراء التقرير، لكن الموقف الحكومة المتصاعد ضد الاحتلال (هولندا من الدول الأوائل التي كانت اعترفت بإسرائيل) يعود لأسباب عدة أخرى، أهمها، التحول في المشهد الإعلامي التقليدي ضد الاحتلال بعد حرب غزة، وتأثير الفضاء الإلكتروني، والتظاهرات الحاشدة في البلاد ضد استمرار الإبادة في غزة، والنشاط اللافت الذي تقوم به هيئات ومنظمات إنسانية وحقوقية دولية في لاهاي. هذا الأمر دفع هولندا، لتكون الدولة التي بادرت إلى مراسلة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في مايو الماضي، للطلب من الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقية التجارة بينه وبين إسرائيل.

إلى ذلك، يبرز الضغط الذي يمارسه سياسيون في أمستردام، من اليسار والخضر، عاملا مساهما أيضاً في التأثير على توجهات الحكومة، التي تحاول تفادي تنامي الحراك البرلماني لدعم الفلسطينيين. ويرخي هذا الضغط بثقله داخل البرلمان، وبحسب موقع "يوروبيان إنترست" (في 12 يونيو/حزيران 2025)، فإن الانتقاد لإسرائيل داخل البرلمان الهولندي، بدأ يتعالى، ليس فقط من قبل أحزاب اليسار، كالحزب الاشتراكي، أو "حزب من أجل الحيوان" (بي في دي دي)، أو حزب "جي أل بي في دي آي" (حزب اليسار الأخضر)، ولكن أيضاً من الوسطيين وبعض المحافظين. وبحسب الموقع، فإن سياسيين هولنديين، يرون أنه إذا كان من المفروض معاقبة روسيا على أفعالها في أوكرانيا، فإن الأمر ذاته ينطبق على إسرائيل. ويوم الجمعة الماضي، طالبت أحزاب المعارضة في البرلمان، الحكومة الهولندية، بالسير على خطى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإعلان العزم للاعتراف بدولة فلسطينية. وكتب فرانس تيمرمان، زعيم "اليسار الأخضر"، على "إكس": "ماكرون على حقّ، الاعتراف بدولة فلسطينية خطوة ضرورية نحو السلام". كما دعا روب جيتين، زعيم حزب "الديمقراطيين 66"، في اليوم ذاته، إلى الأمر ذاته، معتبراً في تصريح صحافي أنه "يجب الوقوف بقوة إلى جانب الإنسانية"، وأكد زعيم حزب "دينك" (حزب يعنى بالمهاجرين)، ستيفن فان بارلي، أيضاً، أنه "سيطلب طرح أسئلة على الحكومة خلال جلسة برلمانية". ومنذ بداية الحرب، طالبت هذه الأحزاب وغيرها بوقف إمدادات الأسلحة لدولة الاحتلال (خصوصاً قطع غيار مقاتلات أف 35، وقد رفعت منظمات داعمة للفلسطينيين دعوى ضد الحكومة الهولندية بسبب ذلك). علماً أن البرلمان الهولندي كان قدّ صوّت في نوفمبر 2023، لحظر شعار "من النهر إلى البحر"، واعتبره محرضاً على العنف، وذلك بعد تقديم اليمين مقترحاً بهذا الشأن (حزب جي آي 21). وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، امتنعت هولندا عن التصويت على طلب وقف النار في غزة، خلال جلسة عامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. لكن في سابقة في البلاد، صادق مجلس بلدية أوترخت في هولندا، في مايو الماضي، على قرار يدعو البلدية ومجلس العمدة والنواب لاستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" بشكل صريح عند الإشارة إلى الوضع في غزة، وتمّ تبني القرار بأغلبية مطلقة خلال اجتماع المجلس في 8 مايو.

ويوم السبت الماضي، قال رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، إنه يجب على نتنياهو "أن يسلك طريقاً مختلفاً، ويتيح إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة"، مضيفاً أنه "يتفهم القلق والانزعاج والغضب الناجم في هولندا عن الوضع الكارثي" في القطاع. وشدّد شوف على أن "إسرائيل ملزمة، بموجب القانون الدولي، بإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع"، لافتاً "إلى ضرورة أن يتمكن الفلسطينيون في غزة من الحصول الفوري والآمن على المساعدات الإنسانية دون شروط". وأوضح شوف أن حكومته تقوم باستمرار بتقييم الطريقة الأكثر فعالية التي يمكن لهولندا أن تتحرك وفقها، وكيفية زيادة الضغط على إسرائيل بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين لتحسين هذا "الوضع المروع". وتعتبر الحكومة الهولندية، أن الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، من الممكن أن يأتي أكله، حيث كان شوف اعتبر في وقت سابق أنه "يجب رسم خط على الرمال" في القطاع، للقول لإسرائيل أنه لا يمكن التمادي في التجويع.

(العربي الجديد)

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية