مجلس الدولة الليبي... الانقسامات تعطّله وتهدد شرعيته
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة

انتهى المجلس الأعلى للدولة في ليبيا من إجراء انتخابات مبكرة لرئاسته بمقره في طرابلس، أمس الأول الأحد، أسفرت عن فوز محمد تكالة برئاسة المجلس لولاية تمتد لعام، وانتخاب حسن حبيب نائباً أول، وموسى فرج نائباً ثانياً، في جلسة شارك فيها 95 عضواً من أصل 142. وعلى الرغم من تأكيد اللجنة المشرفة على جلسة الانتخاب، توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة (الثلثان + 1)، لكن الجلسة لا يبدو أنها ستنهي فصول الأزمة داخل المجلس. وتعود جذور الأزمة في مجلس الدولة إلى انتخاباته الرئاسية في أغسطس/آب 2024، حين حصد خالد المشري 69 صوتاً مقابل 68 صوتاً لتكالة، لكن خلافاً اشتعل حول صحة صوت واحد مُنح لتكالة بعد كتابة اسمه في غير مكانه المخصص بورقة الاقتراع، ما اعتُبر تزويراً. وعقب ذلك تبادل الطرفان اللجوء للمحاكم، وسط أحكام قضائية متضاربة لم تحسم الخلاف، آخرها حكم المحكمة العليا، في مايو/أيار الماضي، الذي قضى بعدم اختصاصها بالقضية، فيما رأى المشري أن الحكم يدعم شرعيته بناءً على تمسكه بنتائج جلسة أغسطس الماضي، فيما رأى تكالة أنه يُلغي شرعية الجلسة بكاملها، ما أدى إلى ازدواجية في الرئاسة وانقسام عميق داخل المجلس.

أزمة مستمرة في مجلس الدولة

وبينما كان يُنتظر أن تنهي الانتخابات المبكرة التي جرت الأحد الماضي عاماً من الانقسام المؤسسي تحديداً بين تكالة والمشري، نشر الأخير تدوينة على حسابه في "فيسبوك" أثناء انعقاد الجلسة، أعلن فيها "فشل انعقاد جلسة انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة غير الشرعية"، وأرجع موقفه إلى "عدم التوصل إلى النصاب القانوني لعقد الجلسة في الوقت المحدد لانعقادها، بواقع 91 عضواً فقط". وأعقب المشري تدوينته ببيان أصدره ليل الأحد، أعلن فيه عن توجهه ومجموعة من أعضاء مجلس الدولة الرافضين لنتائج الجلسة، إلى تقديم طعن رسمي أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ضد الجلسة ونتائجها، واصفاً الجلسة بأنها "فاشلة ومخالفة للقانون" لعدم اكتمال النصاب في التوقيت المحدد، مؤكداً رفضه وأعضاء آخرين "أي مخرجات تترتب على هذه الجلسة". كما أعرب المشري في بيانه عن قلقه من "استمرار تدخّل بعض الأطراف التنفيذية والخارجية في شؤون المجلس ومحاولات التأثير على إرادة أعضائه بوسائل تتنافى مع قواعد العمل الديمقراطي"، في إشارة إلى اتهامه حكومة الوحدة الوطنية بتأييدها لتكالة والتأثير على سير الجلسة.

أعلن المشري عن توجهه ومجموعة من أعضاء المجلس إلى تقديم طعن رسمي أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ضد الجلسة ونتائجها

في المقابل، أكد موسى فرج، النائب الثاني لرئيس المجلس المنتخب، صحة نصاب الجلسة، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن الجلسة جاءت نتيجة تشكّل لجنة توافق داخل مجلس الدولة قبل أكثر من شهر، والتي أجرت مشاورات واسعة بين أعضاء المجلس انتهت إلى الاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة في جلسة معلنة. وفيما أكد فرج أن هذا الاتفاق حصل على موافقة أكثر من 100 عضو في المجلس، أوضح أن الجلسة أُعلن عنها مسبقاً، وحضر فيها أزيد من 90 عضواً قبل أن يتكامل العدد إلى 95 عضواً قبيل انعقادها، في تنفيذ كامل للائحة الداخلية للمجلس. ولفت فرج إلى أن بعض الأعضاء المشاركين في الجلسة لم يوقّعوا في سجل الحضور، وطُلب منهم التوقيع قبيل الجلسة، مشيراً إلى أن عدم توقيع بعض الأعضاء في سجل الحضور انتهزه المعارضون فرصة للقول بعدم اكتمال النصاب. وفيما أشار فرج إلى أن الأعضاء الـ95 تمت المناداة عليهم بالاسم في جلسة منقولة على الهواء أمام الرأي العام، أكد أنه "لم يعد هناك مجال للتشكيك في نصابها وتوافقها مع اللائحة".

من جهته، تحدث عضو مجلس النواب بلقاسم قزيط، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أسباب أخرى لرفض الجلسة، فبالإضافة للشكوك باكتمال نصابها، أشار إلى وجود تأثير من أطراف خارج المجلس على الجلسة. وذكر قزيط حكومة الوحدة الوطنية، التي قال إن "أجهزتها كانت تدعم الجلسة وترعاها". وعليه، رأى أن المجلس "سيبقى في حالة الانقسام التي يعانيها منذ قرابة العام".

خلافات رغم التوافق

ويعود مسار الاتفاق على عقد جلسة الأحد الماضي إلى تشكيل "لجنة توافق" داخل المجلس ضمت عشرة أعضاء (خمسة من كل فريق) نهاية يونيو/حزيران الماضي، فبعد اتصالات مكثفة بين الأعضاء تم التوافق على عقد جلسة الانتخابات يوم 22 من الشهر الحالي بناءً على وثيقة وقع عليها 102 عضو، وتم تأجيل الجلسة إلى الأحد الماضي لضمان توسيع دائرة الحضور والمشاركة. لكن المشري وقتها استبق الإعلان عن المبادرة، ببيانٍ منتصف يوليو/تموز الحالي، نفى فيه "صحة الأنباء حول اتفاق على جلسة انتخابية جديدة"، واصفاً إياها بـ"الزائفة".

وكان عضو لجنة التوافق، مرعي رحيل، قد أوضح في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن الهدف من الانتخابات المبكرة هو استباق الموعد الدوري لانتخابات رئيس المجلس التي تجري في أغسطس من كل عام، مشيراً إلى أن الجلسة السنوية تتطلب رئيساً يترأسها، وهو ما يستحيل تحقيقه مع استمرار النزاع بين المشري وتكالة، ما يهدد بشلل المجلس.
وفي خطوات أخرى لاستباق الجلسة، ولتعزيز شرعيته رئيساً للمجلس، عقد المشري لقاءً مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في 7 يوليو الحالي، اتفقا فيه على تشكيل حكومة جديدة. وهو اللقاء الذي عمم صالح، بناءً عليه، خطاباً على كل المؤسسات الليبية لمطالبتها بضرورة حصر التعامل مع المشري بصفته رئيساً شرعياً لمجلس الدولة، وهو ما استنكره تكالة، في بيان له، واعتبره "تدخلاً في الشأن الداخلي" لمجلس الدولة.

عبد الحكيم السعداوي: جلسة الانتخاب لم تسفر إلا عن تعميق الانقسام داخل المجلس

وفي قراءته لمجريات جلسة مجلس الدولة الأخيرة، رأى الباحث السياسي عبد الحكيم السعداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجلسة لم تسفر إلا عن تعميق الانقسام داخل المجلس، بل "وانتهاء وجوده من المشهد السياسي في البلاد". وأوضح أن الأمر لا يقتصر على رفض المشري نتائج الجلسة، بل برفض 47 عضواً غابوا عن الجلسة. وأكد السعداوي أن الجلسة "صحيحة النصاب قانونياً، لكنها غطاء لتمرير مصلحة سياسية لتكالة الموالي لحكومة الوحدة الوطنية، مقابل تيار المشري المتحالف مع مجلس النواب المعارض لها، فلو فاز غير تكالة لانتهى الصراع، لكن فوز تكالة وممانعة المشري لا يعمقان الانقسام بل يُلغيان أفق أي نهاية لهذه الأزمة". ومن هذا المنظور، رأى السعداوي أن المجلس "فقد فاعليته بوصفه كياناً سياسياً بعد هذه الجلسة، فبعد أسابيع تنتهي ولاية أي رئيس بحسب النظام الدوري السنوي، فكيف الحال مع رفض المشري وإصرار تكالة؟".

وحول لجوء المشري للقضاء، أوضح السعداوي أن "المحكمة العليا قضت في مايو الماضي بعدم اختصاصها بالنزاع لأنه إداري داخلي يُحسم باللوائح الداخلية للمجلس، لا بالقضاء، وهدف المشري هو كسب الوقت عبر طول إجراءات التقاضي". وحذر السعداوي من أن الانقسام "يخدم خيارات البعثة الأممية" بقيادة هانا تيتيه "التي ستطرح في أغسطس خريطة طريق جديدة بناءً على أربعة خيارات، ثلاثة منها تتطلب توافق مجلسي النواب والدولة، أما الرابع فيُلغي كل الهيكل السياسي القائم (مجلسي النواب والدولة والحكومتين)، ويستبدله بمجلس تأسيسي لإعداد دستور وإجراء انتخابات جديدة". وأوضح أن "فشل انتخابات مجلس الدولة يُسهّل تبني الخيار الرابع"، مضيفاً: "المشري وتكالة وكل الفاعلين الآخرين في مجلس النواب والحكومات بمواقفهم المعرقلة سلموا زمام الأمور للمجتمع الدولي لرسم المشهد المقبل لما تقتضيه مصالحه، خصوصاً أن الخيار الرابع قد يقبله الشارع الليبي الرافض لاستمرار الفساد والعجز السياسي".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية