تعب القيمة والمعنى
أهلي
منذ 13 ساعة
مشاركة

ثمة تعبٌ نبيلٌ هو تعبُ العظمةِ، تعبُ الراحةِ الحقة. راحتك في أن تكونَ أنت، كما أرادكَ اللهُ حراً عاليَ القدرِ، رفيعَ المقامِ.. ثمةَ تعبٌ هو تعبُ القيمةِ، طريقُ الراحةِ المبتغاةِ. تلك التي أشار إليها شاعرُنا الراحلُ البردونيُّ وهو يتابعُ أبا الحماسةِ أبا تمامٍ حبيبَ بنَ أوسٍ الطائي “قاطعاً الأرجاءَ في سبيلِ أن يكونَ ذلك الحيُّ الكبيرُ الراكضُ أبداً في قلبِ العصورِ، ما كان أنبلَه من سِيرٍ وما كان أجملَه من تعبير:

“وسرت من سفرٍ مضنٍ إلى سفرٍ

أضنى.. لأنّ طريقَ الراحةِ التعبُ”.

وعلى هذا الدربِ تتلامعُ أضواءٌ وإشاراتٌ هاديةٌ تهتفُ بأرواحنا كي تطلبَ الراحةَ دائماً في البعيد، حيثُ تجدُ الذاتُ فضيلتها.. “إنكم لن تجدوا فضيلتكم إلا عندما تبحثون عن الراحةِ بعيداً عن مواطنِ الراحة” بحسب نيتشه.

لقد أحبَّ اللهُ لنا معاليَ الأمورِ، أحبَّ لنا أن نتعبَ في سبيلِ الراحةِ العظمى، في سبيلِ حياةِ المعنى.. أحبَّ لنا أن نتجاوزَ محدوديتنا وذواتنا ومطالبنا الآنيةَ البسيطة.. أن نرقى وأن نسموَ ونتسامى فوق آلامنا وجراحاتنا في طريقِ البحثِ عن الكينونةِ ورفعةِ الوجود، أراد لنا أن نكونَ خفافاً، ننزعُ أبداً نحو اللطفِ، ننفرُ من الثقلِ والكثافة..

روحُك العظيمةُ لم تخلق للهوان. لم تُخْلَقْ كي تحملَ هذا الجسدَ الهامدَ كعبءٍ.. لم تُخْلَقْ كي تذوي وتموتَ داخلَ هذا الجثمانِ الثقيلِ.. روحُك أسمى من أن تُرهقَها فيما يُحَقّرُها ويُبقيك تعِباً، تنوءُ بأثقالٍ تشدُكَ نحو الحضيض.

ثمةَ تعبٌ تحبُّهُ، تعبٌ لذيذٌ، يُغري بطلبِ المزيدِ.. ومن العذاباتِ ما يستعذبُ.. ووحدهُمُ الكبارُ يعرفون سرَّ ذلكَ التعب، ووحدهم الكبارُ يعرفون مذاقَهُ الآسِرَ والمحرَّرَ.

يا تعبَ القيمةِ والمعنى..

يا وجعَ الشوقِ إلى الأسْنى..

يا ناراً تحرقُ في روحي..

ما يهبطُ بي نحو الأَدَنى..

لا ألطفَ مِنك ولا احْنى.

 

The post تعب القيمة والمعنى appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية