
لا تزال العائلات الفلسطينية في قطاع غزة تنتظر الحصول على المساعدات الإنسانية، وتحلم بدخولها بانتظام كما كان الأمر قبل أن يطبق الاحتلال حصاره على القطاع ويغلق المعابر في 2 مارس/ آذار الماضي.
يُعلق الفلسطينيون المُجوعين في قطاع غزة آمالهم على دخول المساعدات الإنسانية كطوق نجاة يخرجهم من كارثة التجويع القائمة التي تنخر أجساد مئات الآلاف. ويتزايد الأمل مع موافقة الاحتلال على إدخالها من جديد عبر معبر "كرم أبو سالم" في جنوب قطاع غزة، ومنفذ "زيكيم" في شمال القطاع.
وبدأت شاحنات المساعدات، أمس الأول الأحد، الدخول إلى غزة عبر معبر "كرم أبو سالم"، لكنها تعرضت للسرقة والنهب عند وصولها إلى وسط القطاع، ولم تصل غالبيتها إلى المخازن الخاصة بالمؤسسات الدولية العاملة في غزة. وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أمس الاثنين، أن إجمالي ما دخل يبلغ 73 شاحنة مساعدات، وتعرضت غالبيتها للنهب أو التعطيل بفعل طائرات الاحتلال التي تمنع وصولها إلى مستودعات التوزيع، في "سياسة لهندسة الفوضى والتجويع". وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الاثنين، تسجيل 14 وفاة خلال الـ 24 ساعة الماضية نتيجة سوء التغذية، من بينهم طفلان، ليبلغ إجمالي وفيات التجويع 147 وفاة، من بينهم 88 طفلاً.
وكشف منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، توم فليتشر، الاثنين، أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يأكل منذ أيام، وأكد أن "غزة تعيش أزمة إنسانية أمام أعين العالم، والذين يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية يتعرضون لإطلاق النار، والأطفال يذوبون من الجوع".
من جانبه، يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة لـ"العربي الجديد"، إن "عدد الشاحنات التي دخلت إلى القطاع، الأحد، لم يتجاوز 73 شاحنة، فيما يحتاج أهالي القطاع المحاصر إلى ما لا يقل عن 1000 شاحنة مساعدات يومياً، ولمدة شهر على الأقل، لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والطبية العاجلة، ثم بعد ذلك نحو 600 شاحنة يومياً بعد أن تخف وطأة الجوع. بعض تلك الشاحنات تعرضت للنهب، أو تم توجيهها إلى مناطق غير آمنة تحت مراقبة طائرات الاحتلال، وهناك محاولات واضحة لاستمرار سياسة التجويع بدلاً من تسهيل الإغاثة. ما نشهده ليس عجزاً لوجستياً أو تقصيراً عابراً، بل سياسة إسرائيلية متعمدة تستخدم الجوع كسلاح ضد أهالي غزة، ويجري ذلك بمباركة دولية، أو صمت قاتل من الدول الكبرى".
وحول عمليات الإنزال الجوي التي جرت أخيراً، يشير الثوابتة إلى أنها كانت بلا جدوى تُذكر، ويؤكد: "ما تم إنزاله لا يعادل حمولة شاحنتي مساعدات، وقد سقطت غالبية الحمولة في مناطق القتال المصنفة حمراء، ما يمنع المدنيين من الوصول إليها. الحل الجذري واضح، ويتمثل في الفتح الفوري غير المشروط للمعابر، وتسهيل دخول الغذاء والدواء وحليب الأطفال، وضمان وصول المساعدات إلى المدنيين بإشراف المؤسسات الأممية، بعيداً عن أي تدخلات سياسية أو عسكرية".
وفي وقت سابق، كشف المكتب الإعلامي الحكومي أن 250 ألف علبة حليب مطلوبة شهرياً لإنقاذ الأطفال الرضع من سوء التغذية. مضيفاً أن "أكثر من 40 ألف طفل دون عمر السنة الواحدة معرضون للموت البطيء بسبب الحصار الإسرائيلي الإجرامي".
وحذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر وصول معدلات سوء التغذية في غزة إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكدة أن واحداً من بين كل خمسة أطفال يعاني من سوء التغذية الحاد، ما تسبب بارتفاع حاد في أعداد الوفيات، إذ لا تتمكن أجساد الأطفال الهزيلة من الصمود في وجه الجوع، ويفارق بعضهم الحياة قبل الوصول إلى المستشفيات، أو بعد وقت قصير من وصولهم.
بدورها، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، أن أطفال غزة يموتون جوعاً في ظل الحاجة الماسة إلى دخول واسع النطاق ومستمر للمساعدات الإنسانية.
ويعوّل كثيرون على مساعدات المؤسسات الإنسانية الدولية والأممية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها، والتي توفر عدالة التوزيع، خصوصاً أن شاحنات المساعدات تتعرض للسرقة والنهب من اللصوص في مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال، ويتم بيعها في الأسواق بأسعار باهظة، ما يمنع وصولها إلى مُستحقيها.
وفي أعقاب دخول بعض المساعدات، تراجعت أسعار بعض المواد الغذائية في الأسواق، خصوصاً الطحين، إذ انخفض سعر الكيلو من 70 إلى 25 شيكلا، وتراجع الأرز من 75 إلى 40 شيكلا، وزيت الطهي من 90 إلى 60 شيكلا للتر الواحد، لكن هذه الأسعار لا تزال تفوق القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعانون أوضاعاً معيشية قاسية منذ بداية الحرب.
يجلس النازح من مشروع بيت لاهيا شمالي القطاع إبراهيم المدهون (37 سنة) أمام خيمة غربي مدينة غزة، ليراقب سير الشاحنات القليلة القادمة من منفذ "زيكيم"، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل ما نريده أن تدخل المساعدات. نريد فقط أن تنتهي المجاعة. أعيل أسرة تضم أربعة أطفال، ولا يتوفر عندي الطحين منذ أكثر من شهر، ولا أستطيع شراءه من السوق بسبب ارتفاع سعره، خصوصاً أنني بلا عمل منذ بداية الحرب، وفي غالبية الأيام ينام أطفالي جوعى. مع بدء دخول المساعدات، عاد الأمل بأن يصلنا بعضها، لكنها تعرضت للسرقة، ما أصابني بالإحباط. أملي أن يتم تأمين المساعدات، وأن تصل إلى مخازن التوزيع التابعة للمؤسسات الأممية، وخصوصاً أونروا، وأن تحصل كل عائلة على قدر منها".
بدوره، يقول الفلسطيني عبد الله رويشد (35 سنة) لـ "العربي الجديد": "لا نطلب المعجزات، وكل ما نطلبه هو أن وصول المساعدات بانتظام، وأن توزّع بعدالة. لا نملك حتى الخبز، لكننا نثق بمؤسسات الأمم المتحدة. ننام جوعى، ولا يتوفر شيء من الطحين أو الأرز، وطفلي يحتاج إلى الحليب، ولا أستطيع شراءه. كل ما نريده أن تبقى المعابر مفتوحة، وإدخال مزيد من المساعدات، وأن يتم تأمينها وحمايتها من اللصوص الذين يسلبون حقنا".
ذاق الفلسطيني محمد شقورة (40 سنة) مرارة النزوح المتكرر، وانتهى به المطاف مع عائلته المكونة من خمسة أفراد في خيمة بمنطقة شارع النفق شرقي مدينة غزة. يقول لـ "العربي الجديد": "نأكل مرّة واحدة في اليوم، والطعام المتوفر يأتي من التكيّات الخيرية، وقد نبقى بلا طعام في بعض الأيام، ومعظم ما نتناوله هو العدس. كل يوم نسمع عن قرب دخول المساعدات، لكننا لا نرى شيئاً. اللصوص يسرقون المساعدات، ويبيعونها في الأسواق، ولا نقدر على الشراء لأن الأسعار جنونية. الحل الوحيد أن تعود الوكالة للتوزيع على العائلات وفق النظام السابق".
تنظر الفلسطينية نداء موسى إلى أطفالها بعيون تملأها الحسرة على ما آلت إليه أوضاعهم، فالنحول ظاهر على أجسادهم، وهم نازحون من مخيم جباليا إلى خيمة في حي النصر بمدينة غزة. تقول: "لا يوجد لدينا طحين ولا معكرونة، ولا نستطيع الشراء بسبب ارتفاع الأسعار. زوجي مريض، وهو المعيل الوحيد لنا، ونعتمد بشكل كبير على طعام التكيّات الخيرية، وإذا لم توفر وجبات، نبقى من دون طعام".
تضاعفت معاناة أم علاء عايش (49 سنة) منذ استشهاد زوجها تاركاً خلفه عائلة مكونة من سبعة أفراد، من بينهم ثلاثة أطفال، وتقول: "لا أستطيع شراء أي شيء من الأسواق، وأنتظر توزيع المساعدات. لا أدري كيف يتم ترك المساعدات للسرقة؟ حسبنا الله ونعم الوكيل. لا بد من عودة المؤسسات الأممية للتوزيع حتى تصل المساعدات إلى كل بيت".
يعيش الفلسطيني خالد عبد القادر صالح (55 سنة) معاناة قاسية من جراء الجوع الذي ينخر أجساد عائلته المكونة من خمسة أفراد، وتفاقم الحالة الصحية لزوجته التي أجرت عملية جراحية في وقت سابق، وتحتاج إلى عناية خاصة وغذاء جيد. يقول صالح: "لم يدخل الطحين بيتنا منذ أكثر من شهر، ونعتمد على طعام التكيّات، وفي بعض الأحيان لا يتوفر. مع الحديث عن دخول المساعدات تأملنا أن نستلم بعضاً منها، لكن حينما عرفنا أنه تمت سرقتها أصابنا الإحباط".
ويضيف صالح لـ "العربي الجديد": "نعيش حصاراً خانقاً، والمعابر مغلقة منذ أشهر، وزاد المعاناة عدم وصول المساعدات التي كانت تشكل المصدر الأساسي لطعام عائلتي كوني مُعطلاً عن العمل. أدعو كل الجهات للعمل على تأمين المساعدات، وإعادة توزيعها على جميع المستحقين".

أخبار ذات صلة.
