تمييز في روسيا يلاحق العائدين من جبهة القتال الأوكرانية
عربي
منذ 13 ساعة
مشاركة

رغم بطء التقدم في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، واقتصارها على تسوية الملفات الإنسانية في المرحلة الراهنة، إلا أن موسكو تتأهب لاستقبال مئات آلاف العائدين من مناطق القتال شرقي أوكرانيا وإعادة إدماجهم في حياة السلم، وبالدرجة الأولى استيعابهم في سوق العمل، في ظل الحذر الذي يبديه أرباب العمل حيال من مرّوا بتجربة حمل السلاح ورأوا بأم أعينهم مشاهد الدمار والقصف والموت.
ومن بين مؤشرات قلق السلطات الروسية من أوضاع المحاربين العائدين، إطلاق القناة الأولى الحكومية برنامجاً حوارياً حول تحدي اندماج المحاربين في حياة السلم، تحت عنوان "سنحيا"، وهو أول برنامج يتناول تكيّف العائدين من الجبهة مع حياة السلم والمشاكل التي يواجهونها، مثل النقاهة بعد الإصابات وصعوبات إيجاد عمل.
يشكو بطل إحدى حلقات البرنامج من التمييز الذي يتعرض له في سوق العمل، وعزوف أرباب العمل عن توظيفه بمجرد علمهم أنه شارك في القتال، نظراً لاعتمادهم صورة نمطية تقول إن "المحارب السابق يتسم بشخصية عصبية، غير متزنة وغير مستقرة"، ما اضطرّه إلى العمل بعيداً عن تخصصه في مجال توصيل الطلبات، وشطب مشاركته بالعمليات العسكرية من سيرته الذاتية.
للوهلة الأولى يخلق تناول قضية التمييز بحق المحاربين بالقناة الأولى، انطباعاً بإقرار السلطة الروسية بخطورة الظاهرة والمخاوف على اندماج مئات آلاف المحاربين العائدين في حياة السلم. إلا أن البرنامج لا يخلو من الجانب الدعائي من جهة الترويج لفكرة أن الدولة لا تتخلى عن المحاربين العائدين وتقدم دعماً لهم.
ويقرّ رئيس مجلس الإشراف في معهد الديمُغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية في موسكو، يوري كروبنوف، بأن السلطات لا تجري استعدادات كافية لاستيعاب مئات آلاف العائدين من الجبهة بسوق العمل، مشيراً إلى أن التصدي لمثل هذا التحدي يتطلب حلولاً ابتكارية تتجاوز أنماط التفكير السائدة في دولة تعتمد نموذج اقتصاد السوق والمجتمع الاستهلاكي.
ويقول كروبنوف لـ"العربي الجديد": "مشكلة استيعاب المحاربين السابقين بالغة الخطورة، خصوصاً أنه لا تجري أي استعدادات واسعة النطاق لعودتهم، ويحتاج التعامل مع هذه القضية مقاربات ابتكارية تتجاوز طريقة التفكير السائدة في اقتصاد السوق، من قبيل إنشاء وكالة منفصلة معنية بتوظيفهم".

ومع ذلك، يعتبر أن دوافع أرباب العمل لعدم توظيف المحاربين السابقين لا تقتصر على تجربتهم القتالية، مضيفاً: "لا يقل متوسط عمر المقاتلين عن 40 سنة، بينما يفضل أرباب العمل توظيف شباب أكثر طاعة وامتثالاً للتعليمات. أما في ما يتعلق بالمحاربين السابقين، فيصبحون أقل مرونة بعد غيابهم عن حياة السلم".   
ويقرّ كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، بأن مشكلة توظيف المحاربين القدامى قائمة نظراً لمعاناتهم متلازمة ما بعد الحرب، نتيجة ما شاهدوه من أهوال، آملاً أن يكون قد أدرك هؤلاء قيمة الحياة وأن يساهموا في بناء الدولة. ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك جهود تبذل من أجل استيعابهم، حيث يُرشَّح الأشخاص الأكثر نشاطاً لوظائف حكومية، مع رهانات على أن من شاهدوا الموت سيصبحون أعمدة للتحولات التي تعيشها روسيا، بما فيها حملة مكافحة الفساد بحق مسؤولين في الدولة وجنرالات الجيش، بصرف النظر عن المناصب ودرجة الولاء".
وحول رؤيته للمشاكل المتعلقة باندماج المحاربين العائدين، يضيف أندرييف: "ثمة أعداد كبيرة من المحاربين العائدين يعانون متلازمة ما بعد الحرب، حيث يكتشفون أن المهارات التي اكتسبوها غير مطلوبة. تضاف إلى ذلك المشاكل النفسية بعد أن رأوا الموت والدماء وأطرافاً مقطوعة، ولا شك أن هناك خطر انكسار بعضهم وضلوعهم في أعمال إجرامية".

لكن حتى انتهاء أعمال القتال في أوكرانيا بشكل كامل، لا تزال آفاق عودة الأغلبية الساحقة من المحاربين ضبابية، إذ ينصّ المرسوم الرئاسي الصادر في 21 سبتمبر/أيلول 2022، على سريان عقود العسكريين حتى انتهاء فترة التعبئة الجزئية التي لم تُلغَ رسمياً في روسيا حتى اليوم. لا يترك هذا الوضع مجالاً لتسريح العسكريين المتعاقدين أو من جرت تعبئتهم إلا في ثلاث حالات، هي بلوغ السن القانونية القصوى لأداء الخدمة العسكرية، والأسباب الصحية، ودخول أحكام بالسجن حيّز التنفيذ. ورغم أنه لا تجري تعبئة الأفراد حالياً، إلا أن سريان مفعول التعبئة الجزئية لن ينتهي رسمياً إلا بمرسوم رئاسي آخر، ما يعني أن العقود الموقعة كافة لا تزال سارية تلقائياً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية