ما أنجزه الأوروبيون من الاتفاق مع ترامب: كأس مُرّة ولا حرب تجارية
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

يمثّّل الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسالة طمأنة مؤقتة للأسواق المالية والمستثمرين، بعدما نجح في نزع فتيل حرب تجارية كان يستعد لها الجانبان لو مضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدماً في تهديده بفرض رسوم جمركية بقيمة 30% على الصادرات الأوروبية إلى السوق الأميركية في أول أغسطس/آب. فالحاصل أن الاتحاد الأوروبي، الطرف الأضعف في تلك العلاقة، كان يلوح برسوم عقابية، تدعو لها فرنسا وتعارضها ألمانيا، بفاتورة تزيد عن 100 مليار دولار ضدّ الصادرات الأميركية، التي كانت وستظل معفاة من الضرائب في الأسواق الأميركية.

ومن شأن الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي بـ"أعظم الصفقات" أن يوفر للخزانة الأميركية حوالي 90 مليار دولار يمكن للإدارة أن توظفها في التخفيضات الضريبية التي يعتزمها ترامب لتعزيز شعبيته، وإظهار أن سياسته "التفاوضية" تسير على الطريق الصحيح، لكنه قبل ذلك سيضمن استمرار التدفق التجاري عبر الأطلسي والذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار سنوياً، مضفياً حالة من الوضوح والقدرة على التخطيط للمستقبل تحتاجه التجارة والاستثمارات بشدة.

وبالفعل، تنفست الأسواق المالية، والأوروبية خاصة، الصعداء بعد الاتفاق، وتجلى ذلك في انتعاش سريع خلال التعاملات الصباحية ليوم الاثنين، حيث سجلت البورصات المالية في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ارتفاعات تراوحت بين 0.4% و0.8%، كما سجلت أسعار أسهم شركات السيارات والصناعات الدوائية الأوروبية تحسناً ملحوظاً وتقدم اليورو على العملات المنافسة مثل الدولار والجنيه الإسترليني والين. رغم ذلك، يتفق محللون كثيرون على أن الاتفاق لا يعكس قواعد التبادل التجاري المتعارف عليها بين الجانبين منذ عقود، قدر ما يعكس ميزان القوى الفج الذي يطبقه ترامب دون هوادة.

الاتفاق في الميزان

ربما تكشف ردود الأفعال الأوروبية المنقسمة حيال الاتفاق تلك الحالة من عدم الرضا، وكأنها تشير إلى تسليم المغلوب للغالب وليس المخاض الطبيعي لتفاوض متكافئ. والمغلوب بالتأكيد، هنا، هو الاتحاد الأوروبي الذي ستتعرض كل صادراته لرسوم جمركية تبلغ 15% لدخولها إلى السوق الأميركية نزولا من 30% كانت موضع التهديد، إضافة إلى 50% على صادرات الحديد والألومنيوم، واستثمارات أوروبية بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي ومشتريات أسلحة ومنتجات طاقة بقيمة 750 مليار دولار. في المقابل، لن تتعرض الصادرات الأميركية إلى الأسواق الأوروبية إلى أي ضرائب أو قيود، كان من الطبيعي في مرحلة ما قبل ترامب أن يتوقع الأوروبيون علاقة المثل بالمثل، أي صفر رسوم على الجانبين، لكن الرئيس الأميركي، الذي يتبع في مفاوضاته سياسة حافة الهاوية، لا يكترث كثيراً بما يتوقع الأوروبيون.

إن الاتفاق "يبعث على الراحة وليس على الاحتفال

ورغم تأكيدات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بأن الاتفاق هو "أفضل ما يمكن التوصل إليه"، فإن زعماء أوروبيين آخرين انتقدوه بشدة، منهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي اعتبر الاتفاق نتيجة حتمية لمفاوضات بين "مفاوض من الوزن الثقيل مثل ترامب، ومفاوضة من وزن الريشة مثل فون ديرلاين". أما رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر، فاعتبر في تعليق على منصة "إكس" أن الاتفاق "يبعث على الراحة وليس على الاحتفال".

وتحذر وكالة بلومبيرغ من أن الرسوم الجمركية المتفق عليها سوف تؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة مبدئية تبلغ 0.4% قد ترتفع إلى 0.7% في حال ظهور مفاجآت في ثنايا الاتفاق. كما تشير الوكالة إلى أن أوروبا اختارت وضع حد للمخاوف تجنباً للمواجهة، فوافقت على دفع الكثير مقابل القليل من الجانب الأميركي.

بدورها، لم تخف إدارة ترامب ابتهاجها بالاتفاق معتبرة إياه دليلاً على براعة "ترامب مفاوضاً". نائب الرئيس دي جي فانس كتب على منصة إكس يقول: "كل الصحف الأوروبية تمتلئ بالمديح للرئيس، إنني سعيد للغاية بالاتفاق الذي تفاوض عليه نيابة عن الأميركيين". لكن الحقيقة أن من امتدح دور ترامب مفاوضاً هم الأقلية التي شعرت بارتياح لزوال شبح حرب تجارية قد تكون فادحة على الاتحاد الأوروبي، في حين تؤكد الأغلبية أن ما يقوم به الرئيس الأميركي هو نوع من سياسة "لي الذراع" مع شركائه التجاريين بعيداً عن قواعد التجارة الحرة.  

وكان ترامب قد بدأ التهديد بفرض سياسات حمائية في تجارة أميركا منذ بداية فترته الرئاسية الثانية، معتبراً أن شركاء بلاده التجاريين يستغلونها منذ عقود وأنه سيضع حداً لذلك. وبالفعل، كشف ترامب في الثاني من إبريل/ نيسان الماضي تحت ما سماه بـ"يوم التحرير" عن رسوم جمركية أساسية بنسبة 10% على صادرات جميع الدول إلى السوق الأميركية، وعززها برسوم متزايدة على كل دولة حسب حجم الفارق في الميزان التجاري لها مع الولايات المتحدة.  وكان الاتحاد الأوروبي يتمتع بفائض يزيد عن 250 مليار دولار في ميزانه التجاري مع الولايات المتحدة رغم أنه يفتح أبوابه أمام السلع الأميركية، لكنها، ومن بينها السيارات والأدوية، لا تلقى قبولاً في الأسواق الأوروبية على عكس السلع الأوروبية التي تلقى رواجاً في السوق الأميركية.

ويسود اعتقاد في الدوائر الأوروبية بأن الاتفاق الأخير هو نتيجة طبيعية لـ"علاقات القوة" بين الجانبين خاصة القوة السياسية والعسكرية، إذ كشفت الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع روسيا أن العملاق التجاري الأوروبي ليس لديه ما يكفي من العضلات السياسية أو العسكرية، وأن بحوزة واشنطن الكثير من الأوراق التي قد تزعزع استقرار أوروبا سياسياً وهو ما سينعكس بالتأكيد على استقرارها التجاري والاقتصادي، مثل سحب القوات الأميركية التي تُعد ضماناً لأمن أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، أو الانسحاب من الناتو أو وقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، إذا ما قرر ترامب "تركيع" خصمه الأوروبي.

من ثم، فإن وجهة النظر الأوروبية، كما تعكسها تصريحات رئيس وزراء بلجيكا وفرنسا ومستشار ألمانيا، هي ضرورة إصلاح البيت الأوروبي من الداخل بحيث يصبح قادراً على الصمود أمام تحديات مشابهة لما يفعله ترامب. لكن حتى حدوث ذلك، يفضل الأوروبيون تجرع كأس ترامب المرّة على الدخول في حرب مفتوحة مع أكبر شريك تجاري لهم في وقت تسيطر فيه على الاقتصاد العالمي حالة من التوجس وعدم اليقين.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية