
تراجع عدد طلاب الصين في الجامعات الأميركية بمقدار 93 ألف دارس عادوا إلى بلادهم خلال الأعوام الخمسة الأخيرة جراء منظومة أمنية مرتابة تضيق على معيشتهم وتقوض تحصيلهم الأكاديمي إلى درجة حرمانهم من دخول المختبرات.
- تنازلت الطالبة الصينية جين تشنغ عن حلمها بالدراسة في الولايات المتحدة، على الرغم من حصولها على منحة أميركية في جامعة أوريغون تشمل إعفاءً جزئياً من الرسوم بنسبة 25%. وتقول تشنغ إنها بعد الوصول إلى أميركا في عام 2023 شعرت بفرح شديد، لكن سرعان ما انتهى حلمها بنيل درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب بعد فصل دراسي واحد، إذ قررت العودة إلى بلادها لاستكمال تعليمها في جامعة شينزن، جنوب البلاد.
سبب القرار، تقول تشنغ، أنها "فوجئت بتشدد إدارة الجامعة في تعاملها مع الطلبة الصينيين دون إبداء الأسباب، ومن الصور الفجة على ذلك تحديد أماكن الإقامة ومراقبة التحركات داخل الحرم الجامعي وخارجه، والاستثناء من الشراكات البحثية مع جامعات زميلة، وتقييد الوصول إلى بعض المراجع والدوريات في مكتبة الجامعة".
ولا تقتصر هذه الإجراءات على طلاب جامعة أوريغون، إذ تكشف مجموعات الدردشة الخاصة بالطلبة الصينيين في الجامعات الأميركية على تطبيق ويتشات، المعادل الصيني لتطبيق واتساب، عن انتشار الظاهرة، في سياسة ممنهجة تستهدف الطلاب الصينيين بسبب توجهات حكومية في الولايات المتحدة لتشديد الرقابة عليهم، الأمر الذي أثار حالة من الريبة والقلق بينهم، وأدى إلى عدول 11 ألفاً من بين 277 ألف طالب عن قرار الدراسة بأميركا خلال العام الماضي.
تراجع الصينيين وتقدم الهنود
للمرة الأولى منذ 15 عاماً، تجاوزت الهند الصين لتصبح أكبر دولة مصدرة للطلاب الدوليين في الولايات المتحدة. ففي العام الدراسي 2023/ 2024، التحق 331602 طالب هندي (بزيادة قدرها 23% على أساس سنوي)، بالجامعات الأميركية، وهو ما يمثل 29.4% من إجمالي عدد الطلاب الدوليين البالغ عددهم 1.12 مليون طالب، بينما احتلت الصين المرتبة الثانية بإجمالي 24.6% من جميع الطلاب الدوليين. ومن بينهم: 277398 طالبًا صينيًا من البر الرئيسي للصين بنسبة انخفاض 4.2% على أساس سنوي، و23157 طالبًا من تايوان (زيادة سنوية بنسبة 6.1%)، و5627 طالبًا من منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة (انخفاض سنوي بنسبة 4.1%)، و408 طلاب من منطقة ماكاو الإدارية الخاصة (زيادة سنوية بنسبة 13.3%)، بحسب تقرير الأبواب المفتوحة الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية ومعهد التعليم الدولي، ونشرته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الجمعية الأميركية لمسؤولي القبول والتسجيل بالجامعات على موقعها الإلكتروني.
أكثر من 11 ألف طالب صيني من بين 277 ألفاً عادوا إلى بلادهم
يبدو الانخفاض الكبير في أعداد الطلاب الصينيين بأميركا عبر مقارنة أجراها الأكاديمي في جامعة صن يات سن، وانغ جو، فأعلى مستوى لهم بلغ 370 ألفاً في عام 2019 ومن ثم تراجع إلى الرقم الحالي، مشيرا إلى أن الانخفاض بدأ بصورة تدريجية منذ الأمر التنفيذي الذي أصدرته إدارة دونالد ترامب أثناء ولايته الأولى في عام 2020 بتعليق دخول بعض الطلاب والباحثين من جمهورية الصين الشعبية لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ما أثار قلق طلاب الدراسات العليا والباحثين الصينيين الذين خشوا من الإجراءات التعسفية.
التخصصات المستهدفة
تعد مجالات العلوم والهندسة والطيران، وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي، أبرز التخصصات المستهدفة بالتضييق على الدارسين الصينيين، كما يقول وانغ جو، موضحا أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، تعرض الطلاب الصينيون لتدقيق إضافي في تلك المجالات. وخلال العام الماضي، تم استجواب العشرات من هؤلاء الطلاب من قبل السلطات الأميركية، ومُنع بعضهم من دخول الولايات المتحدة، في حين أعيد آخرون إلى وطنهم، ما دفع السفارة الصينية في واشنطن إلى تقديم احتجاجات رسمية للحكومة الأميركية بشأن هذه المعاملة.
انخفاض عدد الطلاب الصينيين في أميركا من 370 ألفاً إلى 277 ألفاً
تصاعد الأمر إلى حد أن ولاية فلوريدا أصدرت قانونا جديدا يمنع الباحثين الصينيين من دخول مختبرات الجامعات العامة، كما قال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة شيه فنغ، في بيان نُشر على موقع السفارة الصينية في واشنطن، في يناير/ كانون الثاني 2024، كما أن عشرات الصينيين ممن يحملون تأشيرات صالحة مُنعوا من الدخول خلال الأشهر القليلة الماضية لدى عودتهم إلى الدراسة بعد السفر إلى الخارج أو زيارة أقارب في الصين، مضيفا "عندما هبطوا في المطار، كان في انتظارهم استجواب لمدة ثماني ساعات من قبل ضباط منعوهم من الاتصال بوالديهم، ووجهوا إليهم اتهامات لا أساس لها من الصحة، بل وأعادوهم قسرًا إلى وطنهم ومنعوهم من الدخول".
الترحيل وإلغاء التأشيرة
في فبراير/ شباط 2024، جرى احتجاز باحث صيني زائر لمدة 22 ساعة في مطار سان فرانسيسكو الدولي عند دخوله البلاد، وبحسب معلومات السفارة الصينية بواشنطن المعلنة في التاسع من إبريل/ نيسان 2024، فإن الطالب أوقف داخل "غرفة سوداء صغيرة"، وتناوب أربعة ضباط على استجوابه حول خلفيته السياسية ومجال البحث والغرض من زيارة الولايات المتحدة وطرق التمويل. وأخيراً، تم إلغاء تأشيرته وترحيله إلى الصين ومنعه من دخول الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات.
وتوضح الطالبة جين تشنغ، أنه في ما يخص الطلبة الصينيين، هناك ثلاثة مصادر رئيسية للمنح الدراسية في الجامعات الأميركية، أولاً: منح دراسية من الحكومة الأميركية، مثل برنامج فولبرايت للطلاب الأجانب، وهو منحة دراسية ممولة بالكامل للطلاب الدوليين الذين يرغبون في الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه. وبرنامج منحة همفري وهي أيضاً منحة ممولة بالكامل من الحكومة الأميركية، تركز على التخصصات المهنية. ثانياً: المنح الدراسية المقدمة من الجامعات الأميركية والتي تعتمد على الجدارة وتحصيل الطلاب، وتكون ممولة بشكل جزئي، مثل: منح كلية أمهرست، ومنح جامعة كولومبيا، وجامعة ولاية ميشيغن، ومنحة فاغنر في جامعة نيويورك، وكذلك منح جامعة أوريغون. ثالثاً: المنح الدراسية التي تكون ضمن بروتوكولات ثنائية بين الجامعات، أي إن كل جامعة تستقبل عدداً محدداً من طلاب الجامعة الأخرى، وتكون ممولة بصورة كاملة.
وقع هذا الاستهداف رغم أن المنح الصينية الموجهة للطلاب من أجل الدراسة في أميركا تدخل ضمن بروتوكولات تعاون ثنائي بين جامعات البلدين، ومن بينها الاتفاقية التعاقدية بين جامعة ميشيغان الأميركية وجامعة شنغهاي جياو تونغ الصينية، والتي انتهت في مطلع العام الحالي على خلفية اتهامات بالتجسس، بحسب الأكاديمي وانغ جو.
ومن خلال تتبع مسار استجواب الطلبة الصينيين والحوادث ذات الصلة، تبين أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، تم ضبط حالات متفرقة وتوجيه اتهامات مباشرة لبعض الطلاب، ففي أغسطس/ آب عام 2023، قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن خمسة طلاب صينيين يواجهون اتهامات لمحاولتهم التغطية على أفعالهم بالقرب من قاعدة عسكرية (واحدة من أكبر مرافق التدريب العسكري في أميركا الشمالية)، في ميشيغان، بعدما دخل الطلاب إلى البلاد بموجب برنامج تعاون مشترك بين جامعة ميشيغان وجامعة شنغهاي جياو تونغ.
ويعود سبب توقيفهم إلى اتهام مكتب التحقيقات الفيدرالي لهم بحجز غرفة فندقية ليست بعيدة عن القاعدة العسكرية قبل أسبوع من اكتشاف أمرهم، مشيرا إلى أنه عند فحص القرص الصلب الخاص بأحدهم وجدوا صورتين لمركبات عسكرية تم التقاطهما بالقرب من القاعدة العسكرية. أيضًا وجدوا أنهم تواصلوا معًا عبر تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني "ويتشات" في ديسمبر/ كانون الأول 2023 لمناقشة كيفية حذف الصور من كاميراتهم وهواتفهم المحمولة. وأشار مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أنه على الرغم من عدم توجيه اتهامات إلى الصينيين الخمسة بدخولهم إلى محيط القاعدة العسكرية، فإنهم أدلوا بتصريحات كاذبة عدة مرات أثناء التحقيق وحاولوا تدمير الصور ذات الصلة، وبالتالي وجهت إليهم تهم تضليل التحقيق والتآمر للتغطية على الأدلة.
إلغاء التعاون
لم تكن هذه الحادثة هي الأولى، ففي عام 2020، حُكم على طالبين صينيين متخرجين في جامعة ميشيغان بالسجن لإدانتهما بتصوير منشآت عسكرية في القاعدة البحرية الجوية في كي ويست بولاية فلوريدا.
في أعقاب هذه الحوادث، أنهت جامعة ميشيغان تعاونها مع جامعة شنغهاي جياو تونغ، بحسب بيان نشرته على موقعها الإلكتروني في العاشر من يناير الماضي، وقال رئيس جامعة ميشيغان سانتا أونو إن القرار جاء بعد مراجعة شاملة، وتم إخطار الكونغرس به. لكن أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، لا يعتقد أن إلغاء التعاون يعود إلى تلك الأسباب، قائلا: "مثل هذه الخطوات تأتي استجابة لتحريض المشرعين الأميركيين الذين يتبنون رواية التهديد الصيني وتجنيد الطلاب الدارسين في الولايات المتحدة لصالح الحزب الحاكم".
وأضاف أن تكرار هذه الادعاءات يثير مخاوف في المؤسسات التعليمية من أنها قد تساعد بكين في تطوير تقنيات رئيسية لتعزيز قدراتها العسكرية بسبب استيعاب الطلبة الصينيين ومشاركتهم في أنشطة الجامعة والوصول إلى الدوريات والاطلاع على الأبحاث ذات الصلة بمجال تخصصاتهم الأكاديمية. وما يؤكد عدم دقة تلك الاتهامات افتقارها إلى أدلة جنائية على تورط الطلاب الصينيين في قضايا التجسس، وعادة ما يكون الأمر مرتبطا بمرورهم في جوار أماكن أو قواعد عسكرية، وهي بالمناسبة موجودة بالقرب من التجمعات السكنية، كما يقول جيانغ لي، بحسب ما رصده في جميع الحوادث التي حصلت خلال السنوات الماضية، لافتا إلى أن التصوير الفوتوغرافي سلوك طبيعي لأي زائر في أي بلد، قائلا: "الأصل في توقيف الطلبة والتدقيق في أفعالهم هو أنهم صينيون، ولو كانوا من جنسيات أخرى لما تم إيقافهم".
في المقابل، تنفي الصين "الادعاءات الأميركية"، ففي الرابع من يناير عام 2024، حثت الصين الولايات المتحدة على وقف التنمر ضد طلابها ووقف تقييد أنشطتهم العلمية البحثية، وقال المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين إن الولايات المتحدة تتعمد منذ فترة طويلة قمع وإساءة معاملة الطلاب الصينيين إذ يدخلون إلى الولايات المتحدة بوثائق وتأشيرات قانونية وصالحة. وتابع "هذه حالة واضحة من إنفاذ القانون الانتقائي والتمييزي وذي الدوافع السياسية".
