حمار 7 أكتوبر... صديق الغزيين بينما تخلّى عنهم العالم
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

بين حكاية حمار نجا من الحرب وأنثاه التي قتلتها المعلبات، وبين حكاية شعب يتقاسم الخبز مع دوابه، رغم النزوح والجوع، ينطلق الفيلم الوثائقي "حمار 7 أكتوبر" في أول عروضه الدولية، مقدِّماً قصة تمزج ما بين الفقد والصمود والإنسانية النادرة. الفيلم من فكرة وإخراج وإنتاج معتز الهباش، وسيناريو الكاتب مصطفى النبيه، ويعرض في 25 دقيقة خلاصة واقع قاسٍ في غزة، حيث تحوّل الحمار إلى بطل، وشاهد على نكبة متجددة.
تبدأ الحكاية بنهيق حمار، صرخة ألم تختصر الكثير. اثنان من الحمير رافقا عائلتين نزحتا من مدينة غزة، حملا أثقال النازحين، ومشيا بهم مسافات طويلة بين الشمال والجنوب. الكاتب مصطفى النبيه، الذي عايش تفاصيل الحياة في مخيمات النزوح، وثّق هذه العلاقة الاستثنائية بين الإنسان والحيوان، مقترحاً على صديقه المخرج معتز الهباش، المقيم في النرويج، إقامة مهرجان لتكريم الحمير، لينبثق من هذه الفكرة الفيلم.
يسلّط العمل الضوء على الحمير بوصفها جزءاً من المنظومة اليومية للنجاة. فهي رفيق الطريق ومركبة الإسعاف ومساعد في نقل الجرحى وجثامين الشهداء. في خلفية المشهد، تظهر بقايا غزة المحاصرة، مئات العائلات تفترش الرمال قرب شواطئ المدينة، وتكافح للحفاظ على ما تبقى من حياة، ويبدو الحمار هنا شريكاً لا غنى عنه.
يحكي الفيلم عن عائلتين تقاسمتا الطعام مع حماريهما، من البقوليات والمعلبات وحتى الخبز. لكن أحد الحمارين (أنثى/أتان) مرضت فجأة. حاولت العائلة علاجها بالأعشاب، ثم لجأت إلى تلاوة القرآن تضرعاً لله. ورغم كل المحاولات، أنهت المعلبات حياتها. ظل الحمار الآخر هزيلاً، تراجع نشاطه وبدا كأنه ينوء تحت ثقل الفقد.
يبدو مشهد تلاوة القرآن على الحمار من أكثر لحظات الفيلم تأثيراً، إذ يعبّر عن إنسانية عالية، فلا يتخلى الإنسان عن شريكه الحيواني، ويستنفد كل الوسائل الممكنة لمساعدته، حتى في ظل ظروف الإبادة الجماعية.
يعود المخرج معتز الهباش إلى فكرة راودته منذ 2020، حين قرأ خبراً عن منع الاحتلال الإسرائيلي دخول الحمير إلى غزة. بحث أكثر فاكتشف أن الاحتلال يدرك أهمية الحمار في دعم الزراعة والحياة اليومية تحت الحصار. ومن هنا جاءت فكرته بمهرجان رمزي للحمير، يبدو طريفاً في الظاهر، لكنه يحمل رسالة غضب واحتجاج قوية على تخلي العالم عن مسؤولياته.
أُقيم المهرجان في الفيلم تحت عنوان "مهرجان صديق الطريق الدولي"، فسارت الحمير وأصحابها على "السجادة الحمراء"، في مشهد رمزي ينتقد الرؤساء والمشاهير الذين تخلّوا عن غزة. يقول الهباش: "الحمار الذي ساند الناس في المحنة، هو من يستحق التكريم، وليس من تخلّى عنهم".

ورغم قسوة الحرب، تمكّن مصطفى النبيه ورفاقه من تصوير خمسة أفلام، بينها هذا الفيلم، وسط ظروف معيشية شديدة القسوة. يتحدث عن تصوير المهرجان: "في اليوم الأول لم نتمكن من التصوير بسبب فوضى الجمهور وغياب التنظيم. في اليوم الثاني، وبينما كنت أتابع التصوير، وصلني اتصال أن أخي أُصيب. هرعت للاطمئنان عليه، ثم عدت لإكمال التصوير بحضور ثلاثين حماراً وأصحابهم".
تكررت المآسي مع فريق العمل، فالمصور نبيل أبو ديّة غادر للتو من دفن أحد أقاربه، ثم عاد فوراً للموقع ليستكمل التصوير. الحرب فرضت إيقاعاً مختلفاً، لا وقت فيه للترتيب أو التخطيط.
يقول النبيه: "تغيّرت رؤيتي لصناعة الأفلام، فلم يعد السيناريو أو البنية البصرية أولوية، بل توثيق الحياة التي لا تُظهرها الأخبار. نحن نعيش الموت، ونصوّر جزءاً من مقاومة ناعمة تعبّر عن وجع الناس".
كان من المقرر أن تنتهي القصة بعبارة تلخّص رسالتها: "الحمار لا ينهق ليُفهم، بل ليُشفى، فافهموا أن الحياة لا تستحق أن يُقتل فيها البشر ولا المخلوقات". لكن الحرب رسمت نهاية أخرى. الرسامة آمنة السالمي، التي ظهرت في الفيلم تُنجز لوحة لحمارين أحدهما قُتل، لم تلبث أن قُصفت هي نفسها بعد أيام، في كافيتريا الباقة في مدينة غزة، لتتحوّل نهايتها إلى جزء من نهاية الفيلم.
في النهاية، الفيلم ليس فقط تحية لحمار أنقذ أرواحاً، بل هو مرآة لإنسانية مجتمع يُباد يومياً، لكنه لا يفقد رحمته ولا وفاءه. حتى في تتر الختام، كُتبت تحية لروح الفنانة آمنة السالمي، وذُكر: "صاحب الحمار البطل: عبد السلام غبن. وصاحب الحمار الميت: أحمد مصلح". إنها ليست مجرد أسماء، بل توثيق لحكاية رمزية تقول للعالم إن حتى الحيوانات تستحق التكريم... في غزة، حيث كل شيء يتحول إلى مأساة عظيمة ومع ذلك يظل الإنسان حياً بكرامته وإنسانيته.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية