ملامح ليبية في السودان: حكومة ومجلس رئاسي لـ"الدعم السريع"
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

في تطور يعد من الأكثر خطورة في مسار الحرب السودانية، أعلن "تحالف السودان التأسيسي" الذي تقوده قوات الدعم السريع، أول من أمس السبت، عن تشكيل حكومة موازية وتضم مجموعات وأحزاباً سياسية وحركات مسلحة، لتكون موازية للحكومة المركزية التي يقودها الجيش (برئاسة كامل إدريس ولا تزال غير مكتملة). وقد أثار الإعلان تحذيرات ومخاوف من غد غير مبشّر، ربما يشبه السيناريو الليبي لجهة التقسيم الفعلي لهذا البلد وسيطرة مليشيات عليه واتساع نفوذ دول أجنبية على قرارها وزيادة التصعيد العسكري، وإجهاض مساعي الحلول بين الطرفين المتقاتلين، الجيش و"الدعم السريع"، في ظل تدهور مريع للأوضاع الإنسانية جرّاء استمرار الحرب منذ 15 إبريل/نيسان 2023. 

مجلس رئاسي وحكومة لـ"الدعم السريع"

وقد عيّنت "الدعم السريع" مجلساً رئاسياً وحكاماً للأقاليم السودانية، إلى جانب رئيس للحكومة الموازية، هو عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق محمد حسن التعايشي، والذي يتوقع أن يعلن بدوره عن تشكيل حكومته خلال الأيام المقبلة. وجاءت الخطوة بعد نحو ثلاثة أشهر من تعيين الجيش السوداني رئيساً للوزراء ليشكل حكومة جديدة.

وكانت جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع "الدعم السريع" قد وقعت، في 22 فبراير/شباط الماضي، ميثاقاً سياسياً في نيروبي، لتشكيل "حكومة" موازية في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات "الدعم السريع". وينص الميثاق على أن يكون السودان "دولة علمانية وديمقراطية وغير مركزية".

تمّ تعيين حميدتي رئيساً للمجلس الرئاسي، وزعيم الحركة الشعبية ـ شمال عبد العزيز الحلو نائباً له

وأطلق "تحالف السودان التأسيسي" على حكومته الجديدة اسم "حكومة السلام الانتقالية". وقال المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، في بيان مصور من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، أول من أمس السبت، إن الهيئة القيادية للتحالف قرّرت تشكيل مجلس رئاسي من 15 عضوا، من ضمنهم حكام الأقاليم، والذين بحكم مناصبهم ينوبون عن رئيس المجلس الرئاسي عن أقاليمهم. وأعضاء المجلس الرئاسي هم: قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيسا، ورئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو نائباً له، وعضوية: الطاهر حجر، محمد يوسف أحمد، حامد حمدين النويري، عبد الله إبراهيم عباس، خلودي فتحي سالم، إلى جانب حكام الأقاليم وهم: الهادي إدريس حاكماً لإقليم دارفور، جقود مكوار حاكماً لإقليم جنوب كردفان - جبال النوبة، جوزيف توكا حاكماً لإقليم الفونج الجديد "النيل الأزرق"، صالح عيسى حاكماً للإقليم الأوسط، مبروك مبارك سليم حاكماً للإقليم الشرقي، أبو القاسم الرشيد حاكماً للإقليم الشمالي، فارس النور حاكماً للخرطوم، وحمد محمد حامد حاكماً لإقليم كردفان.

وقد قسّم التحالف السودان إلى ثمانية أقاليم، في حين أن النظام الاداري في البلاد يمزج بين الولايات والأقاليم، وتتكون البلاد من 18 ولاية، وهناك إقليم دارفور الذي يتشكل من خمس ولايات، وهي ولاية شرق دارفور، وولاية غرب دارفور، وولاية جنوب دارفور، وولاية وسط دارفور، وهي تحت سيطرة الدعم السريع، بينما تقع الولاية الخامسة وهي شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر تحت قبضة الجيش، وتتميز دارفور بحدود مع كل من تشاد، وليبيا وأفريقيا الوسطى. ولا تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على جميع الأقاليم التي أعلنتها في التقسيم الجديد، إذ يسيطر الجيش على الولاية الشمالية، وولاية نهر النيل، وكسلا، وسنار، والنيل الابيض، والنيل الأزرق، وولاية البحر الأحمر، وأجزاء من ولاية شمال كردفان، وأجزاء من ولاية غرب كردفان، ويسيطر أيضاً على الجزء الأكبر من ولاية جنوب كردفان، بينما تسيطر الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو المتحالفة مع الدعم السريع على أجزاء أخرى في الولاية.
وتشارك في الحكومة الموازية مجموعة من الكيانات السياسية والحركات المسلحة والشخصيات، أبرزها ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني السابق، وهم: محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي الهادي إدريس، إلى جانب رئيس الحركة الشعبية شمال (في ولاية جنوب كردفان) عبد العزيز الحلو، ورئيس حزب الأسود الحرة في شرق السودان مبروك مبارك سليم.

كما أن جوزيف توكا الذي تمّ تعيينه حاكماً لإقليم الفونج هو قائد عسكري في الحركة الشعبية بقيادة الحلو، ومعه جقود مكوار حاكم جنوب كردفان، وفارس النور وهو أحد مستشاري قائد "الدعم السريع". ولم تظهر أسماء معروفة يتوقع أن تُعيَّن لاحقا ضمن الوزراء.

وفي أول ردّة فعل، شنّ الجيش السوداني هجوماً لاذعاً على حكومة الدعم السريع الموازية، وقال المتحدث باسمه نبيل عبد الله، في بيان أمس الأحد، إن "حكومة المليشيا المزعومة تمثيلية سمجة لخليط مشوه من الجهلة والعملاء ومجرمي الحرب، وهي محاولة بائسة لشرعنة مشروعهم الإجرامي ولتمرير أجندة من يدعمونهم من الخارج". واعتبر عبد الله أن هذه الحكومة هي محاولة خداع حتى "لشركائهم في الخيانة، لأن المشروع الحقيقي لآل دقلو هو الاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحهم الذاتي غير المشروع، ومشروعهم العنصري في حكم بلد لم ينتموا إليه يوماً، ولم تربطهم به سوى أطماع السرقة والنهب المحمي بالنفوذ". وأضاف: "وفي سبيل ذلك يلعبون بكل الأوراق الممكنة، بما فيها قبولهم أن يكونوا مجرد أداة لتمرير أجندة إقليمية أكبر من استيعابهم المحدود".

ياسر عرمان: للمرة الأولى منذ عام 1956، يشهد السودان حكومتين في بلد واحد

من جهته، حذر رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي (تنظيم سياسي)، ياسر عرمان، من تكرار النموذج الليبي في السودان بوجود حكومتين تتنافسان على السلطة، وقال في تصريح على صفحته بموقع فيسبوك أمس: إنه للمرة الأولى منذ عام 1956، يشهد السودان حكومتين في بلد واحد، تتنافسان على السلطة والموارد والشرعية، ويعملان على إطالة أمد الحرب، مضيفاً أن الطريق القصير للسلام هو جلوس الأطراف للوصول إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري ينهي الكارثة الإنسانية، ويوفر الحماية للمدنيين، ثم إنهاء الحرب بمخاطبة جذورها، وعلى رأسها إقامة دولة المواطنة بلا تمييز، والديمقراطية، والتنمية، والعدالة، والمحاسبة، والجيش المهني، وغير ذلك.

بدوره، قال التيار الوطني (تنظيم سياسي) في بيان صحافي، أمس، إن خطوة مليشيا الدعم السريع بتشكيل ما يسمى بـ"المجلس الرئاسي الانتقالي" وتعيين رئيس وزراء، خطوة لا تستند إلى أي شرعية وطنية أو توافق سياسي، وتكرس لمزيد من الانقسام والتشظي في الدولة السودانية.

وأضاف التنظيم، الذي يطالب بتصنيف "الدعم السريع" منظمة إرهابية، أن هذه الخطوة تمثل استمرارا لمسار فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، ومحاولة بائسة لمنح غطاء سياسي لمليشيا ارتكبت، ولا تزال، جرائم مروعة بحق المدنيين، وتسببت في مآس إنسانية، وأضرار جسيمة ببنية الدولة والمجتمع. وشدّد التيار الوطني على أن مثل هذه القرارات الأحادية، الصادرة من مليشيا مسلحة خارجة عن القانون، لا يمكن أن تفضي إلى حلّ، بل تفاقم الأزمة، وتهدد وحدة السودان واستقراره، وتغلق أبواب التسوية العادلة والشاملة.

لكن عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، إبراهيم مخير، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الموازية التي تم الإعلان عنها هي "الحكومة الشرعية والوحيدة القائمة في السودان اليوم، وليست حكومة موازية"، بحسب رأيه، مضيفا أنه لم توجد حكومة فعلية منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 (تاريخ انقلاب الجيش على الحكومة المدنية آنذاك). وأشار مخير إلى أن الحكومة الموازية هي "حكومة تأسيس" تعد آلية وطنية للوحدة والسلام، وجاءت استجابة لحاجة ملحة لنقل الصراع المسلح إلى ساحة الحوار السلمي، وذلك من خلال توسيع قاعدة المشاركة في التعبير عن الرأي وصنع القرار.

ماجد علي: لا يجب الاستهانة بالخطوة، لأن التحالف الذي تقوده "الدعم" يضم حركات وكيانات سياسية مختلفة

من جهته، قال القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، لـ"العربي الجديد"، إن إعلان حكومة من قبل تحالف "تأسيس" ليس مفاجئاً ولا معزولاً عن السياق السياسي الراهن، وإنما هو نتيجة مباشرة لما وصفها بسياسات الإقصاء والعنف التي مارستها السلطة الانقلابية بقيادة البرهان، وبغطاء سياسي وفكري من تيارات الإسلامويين، على حد وصفه. واعتبر أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، تم اتخاذ قرارات ممنهجة لتجريف المسار الانتقالي، وتفكيك الحواضن المدنية، وقمع القوى الثورية، بل ووصل الأمر إلى الإبادة الجماعية في بعض المناطق، وهو ما مهّد الطريق لتفكك الثقة في الدولة المركزية، وفتح الباب لمشاريع بديلة، وفق رأيه.

وأضاف عروة أن تحالف "تأسيس" لم يطرح حكومة انفصال أو تمرد، بل أعلن بوضوح في نصوصه التأسيسية، حكومة تحمل اسم "السلام والوحدة"، تستهدف إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمشاركة. وتابع: "عليه، فإن التعامل مع هذه الخطوة من زاوية التخمينات والتحذيرات من التقسيم فيه كثير من القصور والتحامل، ولا يمكن تجاهل أن البرنامج المعلن هو برنامج وحدة طوعية، تضع حدّاً لتاريخ طويل من التهميش والهيمنة، وتستند إلى أرضية سياسية وفكرية تحاول تأسيس دولة الجميع، لا تكرار نموذج دولة المركز".

واعتبر عروة أن الخطر الحقيقي لا يكمن في إعلان حكومة موازية، بل في استمرار تعنت المؤسسة العسكرية بقيادة البرهان، ورفضها لأي حل تفاوضي يعيد السلطة إلى الشعب. ولفت إلى أن "هذا التمترس، إذا استمر، لن يقود فقط إلى تعزيز مطالب الانفصال في الغرب، وإنما سيفتح شهية مواطني الشرق، حيث تتمركز حكومة الأمر الواقع، للمطالبة بحكم ذاتي أو حتى بالانفصال، خصوصاً في ظل انسداد الأفق السياسي، وتفاقم الشعور بالإقصاء وعدم العدالة".

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى الصحافي ماجد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكوين حكومة يقودها الجيش، وأخرى تقودها "الدعم السريع"، يثبت أن الصراع في الأساس كان من أجل السلطة، لأن معظم المسؤولين في الحكومتين كانت لهم علاقة بالحكومة السابقة التي جاءت بعد الثورة الشعبية، وإسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وحتى انقلاب أكتوبر 2021 الذي نفذه البرهان وحميدتي معاً قبل أن يختلفا لاحقاً. ورأى أن الخطوة التي أقدمت عليها "الدعم السريع" وحلفاؤها تشير إلى أن أي مفاوضات مقبلة بين الطرفين ستكون السلطة والثروة أهم الأجندة المطروحة فيها على الطاولة، ومن المتوقع أن يتم ربط إنهاء الحرب بتقسيم السلطة بين أطرافها.

وتوقع ماجد تصعيد العمليات العسكرية بعد تشكيل الحكومة، لتوفير الحماية اللازمة للمدن الواقعة تحت سيطرة "الدعم السريع" والحركات المتحالفة معها، والسيطرة على مناطق جديدة لتوسيع النفوذ. وحذّر من الاستهانة بهذه الخطوة، لأن التحالف الذي تقوده "الدعم" حالياً، يضم حركات وكيانات سياسية مختلفة، ولديها تأثيراتها الاجتماعية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، ما يعني مزيداً من الانقسام الشعبي، خصوصاً في ظل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها "الدعم السريع"، والغبن الذي خلّفته في نفوس المواطنين بمختلف الولايات التي هاجمتها ودمّرتها.

ورأى الباحث في قضايا المجتمعات أبو القاسم إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السودان كان يضمّ تسعة أقاليم من ضمنها الإقليم الجنوبي الذي أصبح دولة قائمة بذاتها الآن (جنوب السودان)، قبل أن يُلغى ذلك من قبل نظام الرئيس المعزول عمر البشير واعتماد الولايات، مضيفاً أن اعتماد حكومة "الدعم السريع" نظامَ الأقاليم هو تبنٍ لرؤية المعارضة التي كانت تطرحها خلال حكم البشير بإعادة نظام الأقاليم وانتقادها تقسيمَ الولايات الذي تسبب في فتن وصراعات أهلية.

وأشار إبراهيم إلى أنه في حال تعذر الوصول إلى حلول سياسية وتصاعد الصراع، فسيصبح السودان مقسّماً جغرافياً بسيطرة "الدعم السريع" وحلفائها على إقليم دارفور، ما عدا مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) التي تسعى بقوة حالياً إلى ضمّها، وكذلك مناطق سيطرة حركة عبد الواحد نور المحايدة في جبل مرة، والسعي لإحكام السيطرة على ولايات كردفان المجاورة، وبذلك تكون قد سيطرت على مساحة توازي نصف البلاد بحدود مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وهي جميعها دول ذات علاقات مع قوات الدعم السريع، وهو أمر خطير وينذر بانقسام جديد للدولة، وفق تحذيره.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية