قميص في القدس يكشف الحقيقة الأميركية
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

اشتهر أحد تجار القمصان في البلدة القديمة في القدس ببيع قميص يجمع بين العلمَين، الأميركي والإسرائيلي، وتحتهما عبارة غريبة: "لا تخافي، يا أميركا، فإسرائيل ستحميكِ". قد تبدو العبارة مثيرةً للدهشة، إذ تفترض أن دولةً صغيرة كإسرائيل تتكفّل بحماية أقوى دولة عسكرية واقتصادية وسياسية في العالم. لكن ما قد يبدو ساخراً سرعان ما يتحوّل حقيقةً صادمةً تتجلّى في سلوك ومواقف مسؤولين أميركيين كبار يتصرّفون موظّفين في خدمة إسرائيل، لا ممثّلي دولة مستقلة.
أحدث مثال على ذلك المحامي ستيف ويتكوف، المستشار الرئاسي الأميركي لشؤون المفاوضات، خصوصاً في المسار غير المباشر بين إسرائيل وحركة حماس. وصل ويتكوف إلى إيطاليا (الأربعاء الماضي)، في طريقه إلى الدوحة للمشاركة في جهود الوساطة، لكنّه ألغى رحلته فجأة، وأصدر بياناً في منصّة إكس قال فيه: "قرّرنا إعادة فريقنا من الدوحة لإجراء مشاورات بعد الردّ الأخير من حماس، الذي يُظهِر بوضوح عدم رغبتها في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها الوسطاء، لا يبدو أن حماس منسقة أو تعمل بشكل جيّد". قد يُخيّل للقارئ أن المقصود هو الفريق الأميركي، لكنّ الحقيقة سرعان ما اتضحت حين صرّح الأميركي من أصل فلسطيني، بشارة بحبح (دعم ترامب في الانتخابات)، لتلفزيون العربية، قائلاً: "لا أزال في الدوحة، وويتكوف لم يطلب مني المغادرة، وأنا بانتظار اتصاله". هنا تبرز المفارقة: عندما استخدم ويتكوف عبارة "قرّرنا"، كان يتحدّث باسم الفريق الإسرائيلي، لا الأميركي، فالمفاوض الأميركي اليهودي نسي جنسيته، واندمج تماماً في الموقف الإسرائيلي، كأنّما يمثّل تل أبيب لا واشنطن.
تعيد تصريحات ويتكوف إلى الأذهان ما قاله وزير الخارجية الأميركي (السابق) أنتوني بلينكن عندما هبط في مطار اللدّ عقب أحداث "7 أكتوبر" (2023)، حين قال: "أتيت إلى هنا ليس فقط وزيراً للخارجية وإنما أيضاً بصفتي يهودياً"، كأنما يهوديته تسبق وظيفته وزيرَ خارجية أميركياً. أمّا الأسبوع الماضي، فقد ظهر مثال آخر، هذه المرّة شخصية أميركية مسيحية، لكنّها لا تقلّ صهيونيةً، إذ فاجأ السفير الأميركي، مايك هاكابي، كثيرين بلقاء رسمي مع قادة السلطة الفلسطينية في رام الله، في أول اتصال رفيع المستوى بين السلطة وإدارة ترامب منذ 2017. الاجتماع الذي عُقد في 22 يوليو/ تموز في مقرّ الرئاسة الفلسطينية، ضمّ هاكابي ونائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، ورئيس الوزراء محمد مصطفى، بينما غاب الرئيس محمود عبّاس لأسباب لم تُعلَن. وقال مسؤول فلسطيني لموقع المونيتور: "يتعلّق الأمر بالبقاء. لم نلتقِ بهاكابي لأننا نتّفق معه، بل لأننا مضطرون لإيصال رسالتنا مباشرة".

تجري تحولات داخل الرأي العام الأميركي، فهناك تزايد في التعاطف الشعبي مع الشعب الفلسطيني، وانتقاد متصاعد للدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل

ورغم أن هاكابي لم يُصدر أيّ بيان رسمي، نشر الشيخ صورةً للقاء، وبياناً موجزاً بأن الطرفين تناولا الأزمة الاقتصادية، وعنف المستوطنين، والحرب على غزّة، والأسرى، وأهمية "الدور الأميركي في تحقيق الاستقرار". لكنّ اللقاءات لم تكن خاليةً من الجدل، خصوصاً بعد زيارة هاكابي بلدة الطيبة، حيث التقى شخصيات محلّية، عقب هجوم مستوطنين على محيط كنيسة بيزنطية. وقال داود خوري، أحد الحاضرين: "البلدة كانت منقسمةً بشأن الزيارة." وقالت شقيقته، المخرجة بثينة خوري: "كان من الخطأ مقابلة دبلوماسي أميركي صهيوني". وقد أثار هاكابي غضب الحضور عندما أشار إلى الطيبة باعتبارها جزءاً من "إسرائيل"، فردّ عليه الأهالي: "الطيبة جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وليست ضمن دولة إسرائيل".
لكن هذا "الخطأ" يتضاءل أمام ما قاله هاكابي لاحقاً، حين سخر من إعلان فرنسا نيّتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كتب في "إكس": "يا له من ذكاء! إذا كان ماكرون يستطيع ببساطة إعلان وجود دولة، فربّما تستطيع المملكة المتحدة إعلان فرنسا مستعمرةً بريطانية". وفي منشور لاحق، أضاف ساخراً: "الدولة الفلسطينية المزعومة ستكون على الريفييرا الفرنسية، وستُسمّى (فرانك أون ستاين)".
تؤكّد هذه المواقف، سواء من ويتكوف أو بلينكن أو هاكابي، تخلّي واشنطن عن أدنى درجات الاستقلالية والحياد في سياستها الخارجية عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، الدولة المدلّلة لدى النُّخبة الصهيونية في أميركا. ومع ذلك، فإن تحوّلات مهمة تجري داخل الرأي العام الأميركي بعيداً من المؤسّسة السياسية. هناك تزايد في التعاطف الشعبي مع الشعب الفلسطيني، وانتقاد متصاعد للدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.
ما يجب أن يفهمه القادة العرب أن المواقف الأميركية الرسمية، مهما بدت حياديةً، غالباً ما تكون سُمّاً في العسل. والمطلوب الوعي والحذر وعدم الوثوق الأعمى بأيّ خطاب أميركي، ما دام الانحياز إلى إسرائيل الثابت الوحيد في سياسة واشنطن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية